عملات أميركا اللاتينية صامدة.. والريال البرازيلي يصعد أمام الدولار

11 أكتوبر 2022
الريال البرازيلي القوي يدهش خبراء أسواق الصرف (Getty)
+ الخط -

وسط التدهور الكبير للعملات العالمية مقابل الدولار القوي، والذي شمل حتى عملات الاقتصادات الكبرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، تمكنت عملات الاقتصادات الكبرى في أميركا اللاتينية من كسر موجة التراجع العالمية والأداء القوي مقابل العملة الأميركية، خاصة في أكبر اقتصادين في قارة عُرفت بالاضطرابات المالية والتقلبات السياسية، وهما اقتصادا البرازيل والمكسيك.

في الأسبوع الماضي، تمكّن الريال البرازيلي من الارتفاع بنسبة 3.5% مقابل الدولار، مدفوعاً بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أظهرت أن الرئيس اليميني جايير بولسونارو، الرئيس الحالي للبرازيل، يملك فرصاً للفوز أمام منافسه اليساري لولا داسيلفا.

وكانت أسواق المال تتخوف من احتمال سقوط بولسونارو، وهو ما يعني عملياً تحوّل قارة أميركا اللاتينية كلها إلى المعسكر اليساري، في وقت يشهد فيه العالم وضعاً من الاضطراب الجيوسياسي والاستقطاب الحاد بين بكين وواشنطن، أو بين موسكو والغرب.

لكن ما هو السر وراء هذا الارتفاع الملحوظ في سعر صرف الريال البرازيلي، وإلى درجة ما البيسو المكسيكي، وسط الانهيار الذي تشهده العملات العالمية في أسواق الصرف مقابل الدولار الذي يواصل الارتفاع مدعوما بزيادة متواصلة في سعر الفائدة.

حسب بيانات سوق "وول ستريت"، تفوقت عملات أكبر اقتصادين في أميركا اللاتينية على الدولار خلال العام الجاري، وتمكنت البرازيل من جذب مستثمرين أجانب، وسط هروب الأموال من آسيا وأوروبا إلى السوق الأميركية.

وحتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، ارتفع البيسو المكسيكي بنسبة 2.5% مقابل الدولار، بينما عزز الريال البرازيلي قوته مرتفعاً بأكثر من 7% مقابل الورقة الخضراء، وهو ما أدهش خبراء أسواق المال الذين يرصدون أداء الأسواق الناشئة، خاصة ما حدث في منطقة أميركا اللاتينية التي اشتهرت بانهيار عملاتها المحلية، وشهدت أزمات مالية في العقد الأخير من القرن الماضي، على خلفية الاضطرابات والمخاطر السياسية.
وحسب تحليل في موقع "كابيتال.كوم"، استطاع الريال البرازيلي تحقيق أداء قوي في الربع الأول من العام، أدهش محللي العملات، حيث ارتفع بنسبة 21% مقابل الدولار.

في ذات الصدد، لاحظ محللو العملات في مصرف "بي أن بي باريبا" الاستثماري الفرنسي، أن الريال البرازيلي استفاد من ثلاثة عوامل رئيسية في تحقيق هذا الأداء القوي، وهذه العوامل هي:

أولاً: ارتفاع أسعار السلع الأولية التي تشكل معظم صادرات البرازيل.

ثانياً: هروب المستثمرين الأجانب من أصول وأسواق روسيا التي اهتزت بعد غزوها أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي، وكذلك موجة الفرار من أسهم التقنية الأميركية التي تراجعت بنسبة كبيرة.

ثالثاً: استفاد الريال من الزيادة الكبيرة في نسبة الفائدة التي أقرها البنك المركزي البرازيلي، حيث رفع الفائدة من 2% إلى 11.75% خلال عام واحد، ثم رفع الفائدة إلى 13.75% في أغسطس/آب الماضي.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وقاد البنك المركزي البرازيلي، عبر هذه السياسة النقدية الذكية، بنوك دول أميركا اللاتينية، التي سرعان ما رفعت بنوكها المركزية سعر الفائدة على العملات، وارتفعت تلقائياً الفائدة في المكسيك وبيرو وتشيلي وكولومبيا. وساعدت استقلالية البنك المركزي في البرازيل على اتخاذ خطوات استباقية برفع الفائدة، قبل تشديد مجلس الاحتياط الفيدرالي الأميركي سياسته النقدية.

كما أن الريال البرازيلي استفاد كذلك من ارتفاع أسعار الصادرات البرازيلية من الزراعة والطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. وتعد البرازيل لاعبا كبيرا في سوق الصادرات الزراعية، خاصة القمح.

وكان الريال البرازيلي قد خسر نحو 40% من قيمته مقابل الدولار خلال جائحة كورونا، عندما تزايد قلق المستثمرين بشأن خطة إنفاق الرئيس بولسونارو الضخمة لتحفيز الاقتصاد، ولكنه سرعان ما عاد للقوة خلال العام الجاري.

في هذا الشأن، قال الزميل في مركز ويلسون للدراسات في واشنطن، أرتورو بورزيكانسكي: "لم تكن لدى البنوك المركزية العالمية سياسة استباقية في رفع الفائدة، مثلما كانت لدى بنوك أميركا اللاتينية، ونتيجة لذلك صمدت العملتان البرازيلية والمكسيكية.

كما أضاف بورزيكانسكي القول إن كلاً من المكسيك والبرازيل استفادا كذلك من تعويم أسعار الصرف، إلى جانب استقلالية البنوك المركزية، وهو ما مكّنهما من استهداف التضخم في وقت مبكر، وبالتالي ساعد ذلك اقتصاداتهما على امتصاص الصدمات المالية والهزات التي حدثت للأسواق الناشئة بسبب قوة الدولار.

ويقدر البنك الدولي حجم الاقتصاد البرازيلي خلال العام الجاري بنحو 1.75 مليار دولار، وأن ينمو بنسبة 2.6%، مرتفعاً من تقديراته السابقة للنمو الاقتصادي لبلاد السامبا البالغة 2%. كما يقدر حجم الاقتصاد المكسيكي بنحو 2.6 تريليون دولار. ومن المقدر أن ينمو هذا الاقتصاد الذي ينتج نحو 2.6 مليون برميل من النفط يومياً بأكثر من هذه النسبة، بسبب احتمالات ارتفاع أسعار الخامات النفطية بأكثر من 100 دولار للبرميل، بعد خفض تحالف "أوبك+" إنتاج النفط مليوني برميل بداية من شهر نوفمبر المقبل.

على صعيد العملة المكسيكية "البيسو"، فقد استفادت من ارتفاع تحويلات المكسيكيين في الولايات المتحدة، حيث توجد جالية مكسيكية كبيرة في الولايات المتحدة، ومواطنون من ذوي الأصول المكسيكية التي تحول لذويها بالدولار في البلد الأم. وتقدر الرئيسة التنفيذية لشركة "ريفولت" المكسيكية، وهي شركة تحويلات مالية مقرها في مكسيكو سيتي، جوان ميغيل غويرا، أن حجم الأموال التي حوّلها المكسيكيون في أميركا للبلاد بلغت 45 مليار دولار في عام 2021، وذلك في تقرير منشور على موقع الشركة.

وفي ذات الشأن، يقدر خبراء أن التحويلات من أميركا إلى المكسيك ارتفعت بنسبة 20% في 12 شهراً الماضية حتى أغسطس/آب الماضي لتصل إلى مستوى قياسي بلغ نحو 57 مليار دولار، أي ضعف ما يقرب من مبلغ 31 مليار دولار التي تحصل عليها المكسيك سنوياً من صادرات النفط الخام ومشتقاته.

ويُعد اقتصاد المكسيك أقل اعتمادًا على صادرات السلع الأولية من بقية اقتصادات أميركا الجنوبية. ويستفيد الاقتصاد المكسيكي من قربه من السوق الأميركي، وجاذبيته للشركات العالمية من حيث كلفة التصنيع ورخص العمالة، وبالتالي تضع العديد من الشركات العالمية مصانعها في المكسيك وتسوق منتجاتها في أميركا عبر الحدود. وبالتالي، فإن الصادرات الصناعية تمثل نحو 90% من إجمالي الصادرات المكسيكية. وهذا العامل يدعم العملة المكسيكية مقابل الدولار، حيث يرفع الطلب عليها في سوق الصرف. كما تستفيد المكسيك كذلك من حركة السياحة الأميركية النشطة إلى منتجعاتها القريبة من حدود، ولايات تكساس وكاليفورنيا وأريزونا.

ويذكر أن البيسو المكسيكي كان أقل تضرراً من عملات أميركا اللاتينية في فترة جائحة كورونا. ولكن البيسو تضرر من تعيين الرئيس المكسيكي أندرياس مانويل لوبيز أو برادو لاقتصادي غير معروف لشغل منصب المحافظ في البنك المركزي "بنك المكسيك"، في نوفمبر/تشرين الثاني.

ويرى مستثمرون أجانب في تعليقات لصحيفة "وول ستريت جورنال" أن البنوك المركزية في أميركا اللاتينية تعد أحد أعمدة الاستقرار السياسي في أميركا اللاتينية التي تعد من المناطق المعرّضة للسياسات المضطربة وصعود زعماء الحركات الشعبوية.
وظلت منطقة أميركا اللاتينية عرضة لانقلابات العسكرية والمد اليساري القوي المعارض لاستقلالية البنوك المركزية وحرية السوق والتقارب مع أميركا وفتح الباب للاستثمارات الغربية طوال فترة الحرب الباردة.

لكن في الآونة الأخيرة تغير الحال، ففي بيرو مثلا ظل محافظ البنك المركزي باقياً في منصبه لمدة 16 عامًاً الماضية. ومنذ بداية القرن الجاري حدث تحول اقتصادي كبير في دول أميركا اللاتينية، ولكن ظلت الشركات الأميركية تتخوف إلى درجة ما من زيادة التعاون المالي والاقتصادي بين القارة والصين.

المساهمون