علاج الاقتصاد الأرجنتيني بالصدمة... تضخم وفقر وديون

19 مايو 2024
في متجر في الأرجنتين، 14 إبريل 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الأرجنتين تواجه أزمة اقتصادية حادة، مع ارتفاع الفقر والديون، واحتجاجات واسعة النطاق. صندوق النقد الدولي يدعم بقرض جديد قيمته 792 مليون دولار، مع تأييد لإجراءات التقشف الشديدة التي تشمل خفض الأجور والوظائف وتجميد المشاريع.
- صندوق النقد الدولي يشيد بالحكومة لتحقيقها فائض مالي لأول مرة منذ 16 عامًا وانخفاض التضخم، مما يعكس تحسن الاستقرار الاقتصادي. لكن، الصندوق لا يزال غير شعبي بين الأرجنتينيين بسبب تاريخه السابق.
- الرئيس خافيير مايلي يسعى لاستعادة الاستقرار الاقتصادي عبر تطبيق سياسات تحررية، مع ارتفاع نسبة الفقر إلى 60% وإغلاق وكالات حكومية. يأمل في الاستقرار عبر خصخصة شركات وتخفيف قواعد العمل، محتفظًا بدعم الأغلبية.

يعاني الاقتصاد الأرجنتيني أزمات قاسية، عمقت من مستويات الفقر وزادت الأسعار والديون ما دفع آلاف المواطنين إلى الشوارع، في ظل سياسة أطلق عليها "العلاج بالصدمة". وبينما ينخفض التضخم، لا يزال الأرجنتينيون يواجهون الأزمات. فما القصة؟

ووافق صندوق النقد الدولي، أكبر دائن للأرجنتين، يوم الاثنين الماضي على إطلاق الدفعة التالية من القروض المستحقة بموجب برنامج الإنقاذ، مؤيداً إجراءات التقشف الحكومية الصارمة لدرجة أنها تجاوزت شروط قرضه البالغ 43 مليار دولار.

ويأتي اتفاق صندوق النقد الدولي بعد الانتهاء من مراجعته لسجل الامتثال في الأرجنتين ويؤكد أن الدفعة التالية البالغة 792 مليون دولار ستصبح متاحة للحكومة في يونيو/ حزيران، مما يطمئن الأسواق ويعزز الثقة بين المصرفيين بشأن آفاق الأرجنتين في الوقت الذي تمر فيه بأسوأ أزمة اقتصادية منذ عقدين.

وبلغ معدل التضخم السنوي في الأرجنتين 287% في مارس/آذار، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم، بحسب "أسوشييتد برس"، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر وتحفيز الإضرابات والاحتجاجات. لكن صندوق النقد الدولي أشاد بحكومة الرئيس خافيير مايلي التحررية بعد تسجيل أول فائض مالي ربع سنوي للأرجنتين منذ 16 عاماً، وانخفاض التضخم الشهري، وارتفاع أسعار السندات السيادية.

ولإصلاح الاقتصاد الأرجنتيني خفض مايلي أجور القطاع العام، وألغى الآلاف من الوظائف الحكومية، وجمد مشاريع الأشغال العامة، وخفض الدعم. كما قام بتخفيض قيمة عملة البيزو المتهاوية بما يزيد على 50%، الأمر الذي سبّب ارتفاع أسعار السلع الأساسية إلى عنان السماء.

أزمة الاقتصاد الأرجنتيني

وقال صندوق النقد الدولي إنه على الرغم من وحشيته في ما يخص الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في الأرجنتين، إلا أن الإصلاح الشامل "أدى إلى تقدم أسرع من المتوقع في استعادة استقرار الاقتصاد الأرجنتيني الكلي وإعادة البرنامج بقوة إلى المسار الصحيح"، شاكراً السلطات الأرجنتينية على "التنفيذ الحاسم. لخطتهم لتحقيق الاستقرار."

ويمثل هذا الثناء تحولاً جذرياً عن العقود الستة الماضية التي أظهر خلالها السياسيون الأرجنتينيون القليل من الاهتمام بتفعيل الإصلاحات المنصوص عليها بوصفها جزءاً من اتفاقيات الاقتراض.

فشلت الحكومات السابقة ذات الميول اليسارية في تحقيق أهداف صندوق النقد الدولي واعتمدت على طباعة أموال البنك المركزي لتمويل إنفاق الخزانة، مما دفع برنامج صندوق النقد الدولي في البلاد الذي تم إطلاقه في عام 2018 وأعيد تمويله في عام 2022 إلى نقطة الانهيار.

ولا يزال المقرض الدولي لا يحظى بشعبية كبيرة في الأرجنتين، حيث يلومه الجمهور على الانهيار الاقتصادي والتخلف عن سداد الديون في أواخر عام 2001. واعترف صندوق النقد الدولي في وقت لاحق بأنه ارتكب أخطاء ساهمت في الانهيار.

ومن النادر أن يكون صندوق النقد الدولي أكبر دائن لدولة ما. والأرجنتين في وضع غريب حيث تعتمد على الأموال التي يقرضها الصندوق لسداد الصندوق نفسه.

وبحسب "فوكس نيوز"، فاز مايلي بالرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي وأثار مخاوف البعض في الغرب من أنه سيقود بلاده إلى طريق الخراب بسياساته التحررية التي من شأنها أن تجعل الاقتصاد الأرجنتيني المضطرب بالفعل أضعف. وكان معدل التضخم الشهري 25% في ديسمبر/كانون الأول عندما تولى مايلي منصبه لأول مرة، ليقترب من 300% ثم انخفض التضخم الشهري إلى 8.8% بحلول إبريل/ نيسان، وهو أول معدل تضخم مكون من رقم واحد منذ أكثر من ستة أشهر.

تزايد الفقر والبطالة

سجلت الأرجنتين فائضاً في الميزانية قدره 589 مليون دولار في يناير/ كانون الثاني، وواصلت تسجيل فائض لكل من الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024، بحسب ما ذكرت رويترز. ويمثل هذا أول فائض ربع سنوي للبلاد منذ عام 2008. 

وقال وزير الاقتصاد الأرجنتيني يوم الأربعاء إن الأرجنتين ستحقق فائضاً في الميزانية في إبريل/ نيسان للشهر الرابع على التوالي في ظل الحكومة الجديدة، مروجاً لهذا الاتجاه باعتباره انعكاساً لقوة المالية العامة في خضم الركود الاقتصادي. .

وبحسب "وول ستريت جورنال" فإن ثورة السوق الحرة التي وعد بها مايلي عندما تولى منصبه سبّب آلاماً اقتصادية عميقة في الأرجنتين. ويعيش ما يقرب من 60% من الأرجنتينيين الآن في فقر، مقارنة بـ 44% في ديسمبر. وتم إغلاق الوكالات الحكومية، مما أدى إلى فقدان آلاف الوظائف.

وتراجع نشاط البناء، إذ قالت السلطات إنها أوقفت ما يقرب من 90% من الأشغال العامة. ووصل استهلاك لحوم البقر إلى أدنى مستوياته منذ عقود، على الرغم من أن المسؤولين يقولون إن صادرات لحوم البقر بلغت أعلى مستوياتها منذ عام 1967.

يقول مايلي إن إصلاح الاقتصاد الأرجنتيني ضروري لاستعادة الرخاء لدولة مفلسة مزقتها أعلى معدلات التضخم في العالم . لقد اجتذبت شخصيته الغريبة وعلاجاته بالصدمة والرعب اهتماماً عميقاً من المليارديرات مثل إيلون ماسك.

وفي حين لا تزال احتياطيات البنك المركزي منخفضة للغاية، جمعت الحكومة نحو 12 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، وفقاً لمعهد التمويل الدولي.

ويأمل مايلي أن يوافق مجلس الشيوخ في الأسابيع المقبلة على مشروع قانون يتضمن حوالي 230 مادة من شأنه خصخصة بعض الشركات الحكومية وتخفيف قواعد العمل الصارمة وزيادة الإيرادات الحكومية من خلال استعادة ضريبة الدخل التي تم إلغاؤها العام الماضي

وتظهر استطلاعات الرأي أن مايلي لا يزال يتمتع بدعم أغلبية الأرجنتينيين، لكن الثقة في الحكومة بدأت تتآكل مع معاناة الناس الركود. وأغلقت المتاجر أبوابها بعد أن نظمت النقابات إضراباً على مستوى البلاد الأسبوع الماضي احتجاجاً على إجراءات التقشف.

المساهمون