عقبات أمام زيادة صادرات الغاز المسال الأميركي... وعود ترامب قد لا تتحقق

09 ديسمبر 2024
ترامب خلال جولة في منشأة تصدير الغاز الطبيعي المسال في لويزيانا، 14 مايو 2019 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب تحديات في زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال بسبب سياساته الجمركية، وضغوط جماعات حماية البيئة، وحسابات شركات الطاقة التي تركز على الأرباح.

- تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين قد يهدد استمرار مبيعات الغاز الطبيعي المسال الأميركي إلى الصين، حيث قد تستخدم الصين وارداتها كورقة تفاوضية، بينما يواجه حلفاء أميركا الأوروبيون تحديات في مفاوضاتهم مع إدارة ترامب.

- توسعت البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركي، لكن الصناعة تواجه تحديات قانونية وتأخيرات في المشاريع، مما يهدد خطط ترامب لتعزيز إنتاج النفط والغاز وزيادة صادراتهما.

يواجه الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب عقبات في تنفيذ وعوده برفع سقف صادرات الغاز الطبيعي المسال، إذ تبدو التحديات على الأرض أكبر من وعوده، ولا سيما ما يتعلق باحتمال تسبب سياساته الجمركية في الإضرار بالقطاع، حتى لو أفسح له المجال للعمل من دون قيود، فضلاً عن حسابات شركات الطاقة نفسها التي تنظر بأهمية أكبر إلى تدفقات الأرباح ومكاسب المساهمين بغض النظر عن كميات الإنتاج والتصدير، وضغوط جماعات حماية البيئة المناوئة للتوسع في الاستخراج الأحفوري، فضلاً عن تحديات أخرى.

قد تتبدد فعلياً بعض الشكوك المحيطة بقطاع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني المقبل عندما يبدأ ترامب ولايته الثانية، حيث وعد بإعادة إصدار التصاريح الخاصة بالغاز الطبيعي المسال على الفور. يترافق ذلك مع خطط لزيادة التنقيب عن النفط وإلغاء بعض التشريعات واللوائح المتعلقة بالمناخ الرئيسية، التي أقرها الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن، التي تهدف إلى التخلص التدريجي من الفحم والغاز الطبيعي.

ومع ذلك، أعرب المحللون عن شكوكهم في إمكانية تحقق وعود ترامب، مشيرين إلى أن طفرة صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية قد تتقوض، إذا فرضت إدارته رسوماً جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية، وهو ما قد يؤدي إلى ردود انتقامية من خلال تجنب الصين عمليات شراء الغاز الطبيعي المسال الجديدة من الولايات المتحدة أو إعادة بيع الشحنات الأميركية.

وتظهر البيانات الرسمية أن الولايات المتحدة زادت مبيعات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين هذا العام، لكن هذا الارتفاع قد لا يستمر إذا اصطدمت إدارة ترامب القادمة مع بكين بشأن التجارة.

فقد رفعت الصين وارداتها من الغاز الأميركي بنسبة 63% في الأشهر العشرة الأولى من 2024 على أساس سنوي، بحسب بيانات الجمارك الصينية الصادرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي. وبذلك أصبحت الولايات المتحدة تشغل المركز الخامس في قائمة الدول التي تورد الغاز المسال إلى بكين بعد أستراليا وقطر وروسيا وماليزيا.

وتشكل الـ3.9 ملايين طن التي تم شحنها حتى الآن هذا العام حوالي 6% فقط من إجمالي واردات الصين، بينما تعاقد المشترون الصينيون على شراء 14 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال الأميركي اعتباراً من عام 2026، بحسب بيانات "بلومبيرغ".

وإذا مضت واشنطن قدماً في فرض رسوم جمركية بنسبة 60% على السلع الصينية، فقد يشمل رد بكين فرض رسوم على واردات الغاز الأميركي. وهذا ما حدث خلال الحرب التجارية الأخيرة عندما كان ترامب في البيت الأبيض (2017 ـ 2021)، مما أدى إلى توقف صادرات الغاز الأميركي إلى الصين بشكل كبير خلال معظم عام 2019.

وبالطبع، يمكن للصين أيضاً استخدام قدرتها على شراء كميات ضخمة من الغاز الطبيعي وسيلةً للتفاوض في المحادثات التجارية مع واشنطن، ووعدت بكين بشراء المزيد من الوقود الأميركي في محاولة لتقليص فائضها التجاري.

الأمر ذاته يتعلق بحلفاء أميركا الأوروبيين، وإن كانوا في موقف أضعف كثيراً من الصين في اللعب بورقة استيراد الغاز المسال الأميركي في مفاوضات التجارة مع إدارة ترامب، إذ ليس أمامهم بدائل حقيقية في ظل سياسات التخلص من الغاز الطبيعي الروسي في إطار العقوبات الغربية الواسعة على موسكو بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، بينما كانت روسيا المصدر الأساسي للإمدادات إلى أوروبا.

وفي أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين عن اتفاق استراتيجي تهدف بموجبه الشركات الأوروبية إلى ضمان الطلب على الغاز الطبيعي المسال الأميركي في محاولة لدفع بناء قدرة تصديرية أكبر.

لكن المحللين يشيرون إلى أن بروكسل لديها سلطات محدودة في الالتزام بواردات الغاز الطبيعي المسال الأميركي. ووفق ناتاشا فيلدينغ، رئيسة تسعير الغاز الأوروبي في وكالة "أرغوس" المتخصصة في شؤون الطاقة: "ما لم يحظر الاتحاد الأوروبي واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي بالكامل، وهو الأمر الذي يتعين على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الموافقة عليه، فمن الصعب أن نرى كيف يمكن للذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي أن يكون لها قدر كبير من النفوذ على الأماكن التي تشتري منها أوروبا الغاز الطبيعي المسال".

وهذا الأمر يفتح الباب للأوروبيين للدفع بورقة شراء الغاز المسال الأميركي لدى التفاوض مع ترامب بشأن إثنائه عن فرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية المصدرة إلى الولايات المتحدة، حيث تعهد بفرض رسوم تراوح بين 10% و20% على السلع الواردة من مختلف أنحاء العالم.

في هذا السياق، ألمحت رئيسة المفوضية الأوروبية في منتصف الشهر الماضي، إلى الغاز المسال الأميركي بوصفه ورقة تفاوض مهمة، قائلة إن الإمدادات الأميركية قد تكون المستفيد الرئيسي من محادثات التجارة بين واشنطن وبروكسل. وقالت بعد مكالمة مع ترامب: "ما زلنا نحصل على الكثير من الغاز الطبيعي المسال من روسيا، ولماذا لا نستبدله بالغاز الطبيعي المسال الأميركي.. هذا شيء يمكننا مناقشته".

ومع مواجهة الاتحاد الأوروبي لانخفاض إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا بعد غزوها أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، كثفت الكتلة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال من جميع أنحاء العالم لتعويض النقص. وكانت الولايات المتحدة المورد الرئيسي، وهي تمثل الآن حوالي 40% من واردات الاتحاد الأوروبي من الوقود فائق التبريد، وفقاً لبيانات شركة "كيبلر" المتخصصة في تتبع شحنات الطاقة.

وقد أدى توسع البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركي على مدى السنوات الخمس الماضية والمرونة في وجهة شحنه إلى جعل أميركا أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم العام الماضي، وفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية. كما أدى ارتفاع المبيعات في أوروبا، التي سارعت إلى استبدال الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية، والمزيد من مشاريع الغاز الطبيعي المسال التي دخلت حيز التنفيذ في الولايات المتحدة، إلى تعزيز الصادرات الأميركية بنسبة 12% في عام 2023 مقارنة بالعام السابق.

ووفق بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية، فإن الولايات المتحدة تفوقت بسهولة على أقرب منافسيها (قطر وأستراليا) لتصبح أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال العام الماضي، بواقع 11.9 مليار قدم مكعب يومياً من صادرات الغاز الطبيعي المسال. وبلغ متوسط استخدام طاقة تصدير الغاز الطبيعي المسال الأميركية 104% من الطاقة الاسمية و86% من الطاقة القصوى عبر محطات الغاز الطبيعي المسال السبع الأميركية العاملة في عام 2023، حيث دعم الطلب القوي نسبياً على الغاز الطبيعي المسال في أوروبا وسط ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي العالمية زيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية العام الماضي.

ومن المقرر أن يبلغ متوسط صادرات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة هذا العام 12.1 مليار قدم مكعب يومياً، وهو ما يزيد قليلاً عن عام 2023، و13.8 مليار قدم مكعب يومياً في عام 2025، وفقاً لأحدث توقعات الطاقة قصيرة الأجل الصادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأميركية لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقد تكون الرسوم الجمركية التي تعهد بها ترامب سلاحاً ذا حدَّين، فإما أن تسمح بانتزاع مكاسب من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة أو تتحول إلى مقذوف معاكس يضرب خطط ترامب لتعزيز إنتاج النفط والغاز وزيادة صادراتهما.

كما أن النمو المستقبلي لصادرات أميركا من الغاز المسال مهدد بسبب التحديات القانونية، وتأخير المشاريع، وتوقف تصاريح التصدير الجديدة. فقد واجهت صناعة تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة مؤخراً العديد من العقبات. ومن المحتمل ألا يكون من سيتولى رئاسة الولايات المتحدة في السنوات الأربع المقبلة هو الأعظم، وفق تقرير لنشرة "أويل برايس" الأميركية المتخصصة في الطاقة.

وقد اجتمعت الدعاوى القضائية في المحاكم من جانب الجماعات البيئية، وإفلاس أحد المقاولين في مشروع رئيسي، وإيقاف تصاريح التصدير الذي أصدره بايدن مطلع العام الجاري، في زيادة حالة عدم اليقين عند مطوري ومصدري مشاريع الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة.

ووفق تحليل لشركة الأبحاث "وود ماكينزي" فإنه مع وجود ترامب في البيت الأبيض، فإن الحملة البيئية ضد الغاز الطبيعي المسال في المحاكم الأميركية سوف تكتسب زخماً، وقد يضطر مطورو الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة إلى التعامل مع تأخيرات جديدة ناجمة عن التحديات القانونية.

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة بعض التأخيرات في بعض المشاريع التي حصلت على الترخيص الكامل، وليس لها أي علاقة بسياسة الإدارة الأميركية. كذلك فلأن هناك عوامل أخرى قد تحد من التصدير وتتعلق باستراتيجيات الشركات نفسها خاصة ما يتعلق بضخ رؤوس الأموال في عمليات الاستخراج والإيرادات المحققة.

ومن غير المتوقع أن يؤدي فتح المزيد من الأراضي الفيدرالية لعمليات الاستخراج، إلى زيادة كبيرة في الإنتاج عما هو متوقع بالفعل، إلا إذا حدثت زيادة حادة في الأسعار، وهو ما يتناقض مع تعهد ترامب بخفض تكاليف الطاقة للأميركيين.

 

المساهمون