عرب ما بعد كورونا...هل من اختلاف؟

01 ديسمبر 2020
الشعوب العربية بحاجة إلى الاستماع لصوتها بعد كورونا (فرانس برس)
+ الخط -

تعرضت الاقتصادات العربية في العام الحالي 2020 لخسائر فادحة قلما تتكرر من حيث أرقامها وتأثيراتها المستقبلية، وامتدادها لكل طبقات المجتمع وبلا استثناء، والسبب ما أحدثته جائحة كورونا من تداعيات خطيرة، سواء على المستوى الاقتصادي والمالي، أو على مستوى الصحة العامة، أو على مستوى ندرة فرص العمل المتاحة وتصاعد معدلات الفقر والبطالة والتعثر المالي والإفلاس والانكماش. 
بالأرقام، فإن خسائر العرب من كورونا فاقت ألف مليار " تريليون" دولار حتى الآن، وهذا الرقم مرشح للزيادة مع ظهور الموجة الثانية من الفيروس، وتأخر وصول اللقاح الجديد لكل المواطنين في دول المنطقة، خاصة مواطني الدول الفقيرة التي لا تمتلك الموارد المالية للتعاقد على شراء اللقاح عقب البدء في إنتاجه مباشرة.
إضافة إلى خسائر أخرى تتمثل في فقدان 1.7 مليون فرصة عمل و42 مليار دولار خسائر الشركات، وديون إضافية 220 مليار دولار، وخسارة 550 مليون دولار يومياً من إيرادات النفط، وتراجع للصادرات بقيمة 28 مليار دولار، وخسارة تزيد عن ملياري دولار من إيرادات التعريفات والرسوم الجمركية، حسب بيانات الجامعة العربية. 
وإضافة إلى الأرقام السابقة، تحملت الموازنات العربية مئات المليارات الأخرى للتعامل مع تأثيرات كورونا، منها مثلا 322 مليار دولار قدمتها الدول العربية في صورة حزم تحفيزية لدعم قطاع الصحة والقطاعات الأكثر تأثراً، مثل السياحة والطيران والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وإعانات العمل، ودعم القطاع غير الرسمي خلال الجائحة، إضافة إلى مليارات الدولارات الأخرى التي تم تقديمها كإعانات عاجلة لدعم القطاع الصحي. 

وخلال عام 2020، تلقت منطقة الخليج ضربة مزدوجة نتجت أولاً عن تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية، والحرب السعرية الشرسة التي خاضتها السعودية ضد روسيا وعمقت تهاوي أسعار النفط.
ونتجت ثانيا عن تداعيات تفشي كورونا خاصة على قطاعات مهمة مثل الطاقة والسياحة والطيران والخدمات والصادرات، وهذه الضربة أحدثت فجوة كبيرة بين إيرادات دول المنطقة ومصروفاتها، وعجزا ضخما في الموازنات العامة، وتوسعا في الاقتراض الخارجي والمحلي، وتسييل أصول خارجية، وسحب من الاحتياطيات المودعة والمستثمرة في الخارج. 
ويكفي أن ندلل على ضخامة تلك الخسائر بالقول إن إجمالي خسائر الكويت وحدها من جائحة كورونا بلغ 33 مليار دولار، فماذا عن خسائر السعودية، أكبر منتج للنفط في العالم، التي تهاوت إيراداتها النفطية، وخسرت مليارات الدولارات من عوائد الحج والعمرة؟ وماذا عن خسائر قطر والبحرين وسلطنة عمان والبحرين من تهاوي أسعار النفط والغاز وخسائر القطاعات الاقتصادية الأخرى؟ 
الخسائر أيضا لحقت الدول العربية الأخرى جراء جائحة كورونا، بل ربما كانت تأثيرات خسائرها أفدح من دول الخليج، سواء من الناحية البشرية وفقدان الأرواح مع ترهل الخدمات الصحية، أو من الناحية المالية والاقتصادية، حيث فقدت هذه الدول جزءا مهما من الإيرادات الدولارية وسارعت إلى الاقتراض الخارجي. 
وضاعف من تلك التأثيرات ضعف احتياطيات النقد الأجنبي لدى معظم الدول العربية، وتأثر قطاعات مهمة مدرّة للنقد، مثل السياحة والصادرات وتحويلات المغتربين والاستثمارات الخارجية، وتزايد عبء الاقتراض الخارجي.

موقف
التحديثات الحية

ومع قرب طرح لقاح لعلاج كورونا، فإن العالم سيبدأ على الفور حصر خسائره وكيفية معالجتها، والتعرف على الدروس المستفادة من الأزمة وكيفية سد الثغرات، وتحديد القطاعات التي يجب أن تحظى بأولوية قصوى، فهل سيفعل العرب ذلك؟
هل سيدرك العرب بعد انقشاع غمة كورونا أن الاستثمار في الصحة والتعليم يجب أن يحظى بأولوية قصوى في الإنفاق العام للدولة، وأن هذا الاستثمار أفضل مئات المرات من شراء الأسلحة وإقامة العقارات وناطحات السحاب والأبراج الإدارية والقصور الرئاسية والمؤتمرات؟ 
هل سيدرك العرب أن مجتمعاتهم بحاجة إلى قطاع صحي قوي، خاصة مع الحديث عن موجات أخرى من فيروس كورونا، واحتمال ظهور فيروسات أخرى قد تكون أشد فتكا من الفيروس الحالي؟ 
هل يدرك الحكام العرب حاجة المواطن إلى قطاع تعليمي قوي وفعال، خاصة مع الظروف التي فرضتها كورونا من حظر تجول وحجر منزلي والتدريس عن بعد، والتوسع في استخدام الإنترنت في العملية التعليمية؟ 
هل يعيد العرب النظر في خريطة وارداتهم، خاصة من الأغذية والقمح والأدوية، بحيث لا يظلون معتمدين على الخارج في الطعام والعلاج، ويبدأون على الفور في تحقيق الأمن الغذائي، خاصة مع توافر سيولة مالية ضخمة وقوى بشرية في المنطقة؟
هل يدرك العرب أن الوقت قد حان للتوزيع العادل للثروة وضرورة عدم تركزها في يد عدد محدود من الحكام والملوك والأمراء والمحسوبين عليهم من رجال أعمال؟

المساهمون