شيئا فشيئا يعود العالم إلى حالة الترقب والريبة من المستقبل وتوقعات تكبد خسائر فادحة وربما العودة إلى نقطة الصفر، وهي النقطة التي حاول التخلص منها خلال العامين الماضيين مع تراجع مخاطر وباء كورونا والمخاطر الجيوسياسية خاصة المتعلقة بتداعيات حرب أوكرانيا الخطيرة على اقتصادات العالم وفي المقدمة الاقتصادان الأوروبي والروسي.
كانت معظم التوقعات والتحليلات المرتقبة تشير إلى أن العالم سيودع فترة الخسائر الفادحة التي تعرض لها خلال فترة الوباء، وسيطوي قريبا صفحة التشدد النقدي وسحب الأموال من الأسواق ورفع سعر الفائدة بشكل قياسي، أو على أقصى تقدير بنهاية العام الجاري.
واستندت تلك التوقعات إلى مؤشرات عدة منها قرار أثنين من أكبر البنوك المركزية في العالم، وهما الفيدرالي الأميركي وبنك أوف إنكلترا، تثبيت سعر الفائدة هذا الأسبوع، وابتعاد الاقتصاد الأميركي، ولو مؤقتا، عن الوقوع في حفرة الركود الاقتصادي، وتباطؤ معدلات التضخم في الاقتصادات الكبرى، وتراجع الخسائر الناتجة عن حرب أوكرانيا.
أسعار النفط تتجه للارتفاع لتصل إلى 100 دولار وربما إلى 125 دولارا للبرميل وفق أحدث التوقعات
لكن الإشارات الأخيرة الصادرة من هنا وهناك تؤكد أن العالم لن يودع حالة الترقب قريبا، وأن قرار تثبيت أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى ما هو إلا حالة مؤقتة وربما يكون مجرد التقاط أنفاس ليس إلا.
فأسعار النفط تتجه للارتفاع لتصل إلى 100 دولار وربما إلى 125 دولارا للبرميل وفق أحدث توقعات صادرة عن بنك جي بي مورغان وهو واحد من أكبر المصارف الاستثمارية في العالم، وأن بنوكا كبرى منها "بنك أوف أميركا" و"سيتي غروب" و"غولدمان ساكس" و"ستاندرد شارتريد" وغيرها، سارت في هذا الاتجاه.
وفي حال حدوث قفزة في سعر النفط فإن العالم بات على موعد مع موجة تضخمية وقفزات جديدة في أسعار السلع والخدمات تمتد للاقتصادات القوية والناشئة على حد سواء، كما أن غموض ملف صادرات القمح الأوكراني، ورفض روسيا الضغوط الدولية لإعاداتها لاتفاق الحبوب، يمكن أن يرفع أسعار القمح والذرة والأرز وغيرها حول العالم خاصة مع إصابة الدول المنتجة الكبرى للأغذية بظروف مناخية صعبة ناتجة عن فيضانات أو طقس جاف.
في حال حدوث قفزة في سعر النفط فإن العالم بات على موعد مع موجة تضخمية وقفزات جديدة في أسعار السلع والخدمات
وهذه الموجة قد تدفع البنوك المركزي العالمية إما إلى معاودة رفع سعر الفائدة أو على الأقل تثبيتها، ولعل الإشارات الصادرة عن البنك المركزي الأميركي تسير في هذا الاتجاه، فبيان الفيدرالي كشف عن ميل غالبية أعضاء المجلس إلى المزيد من التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة بنسب إضافية قبل نهاية 2023، وأن هذه الأسعار ستظل مرتفعة حتى 2025.