تتجه أنظار المزارعين في المغرب إلى السماء أملا في أمطار تغيثهم وتقيهم خسائر جديدة لا طاقة لهم بها، إذ يواجه البلد عجزاً مقلقاً في المياه بسبب الجفاف الذي شهده في العام الأخير، يهدد الموسم الزراعي المقبل الذي يبدأ في أكتوبر/تشرين الأول، ما دعا الحكومة إلى الاستنفار لإيجاد حلول لتقليل تداعيات الأزمة.
وتأتي أزمة المياه في وقت يعاني المزارعون من صعوبة في الحصول على البذور وغلاء الوقود، إلا أن هذه المصاعب يمكن تجاوزها في حال توفُّر قطرات الحياة. وشهد الموسم الأخير تراجع الأمطار منذ سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة 50%، حيث تراوح العجز ما بين 17% و48% في بعض الأحواض المائية، وبين 50% و65% في أحواض أخرى.
الحكومة تشكل لجان يقظة
وعمدت الحكومة في ظل ندرة المياه إلى تشكيل "لجان يقظة" في العديد من الأقاليم مع تبني العديد من المشاريع الرامية إلى توفير المياه بشكل عاجل في العديد من المناطق، خاصة في القرى والمراكز الريفية وتوفير صهاريج وإصلاح قنوات نقل المياه وحفر آبار لاستغلال المياه الجوفية.
وتظهر بيانات صادرة عن وزارة التجهيز والماء، قبل يومين، أن مخزون المياه في عموم السدود لم يتعد 26.1% خلال الأسبوع الأخير من أغسطس/آب، مقابل 42% في الفترة نفسها من العام الماضي. غير أن النسبة تتراجع كثيرا عن هذه المعدلات في بعض السدود لتصل إلى ما بين 6% و8%، بسبب الاختلالات المناخية التي يشهدها العديد من بلدان البحر الأبيض المتوسط، ومنها فرنسا وإسبانيا وتونس.
يقول محمد الهاكش، الخبير في القطاع الزراعي والرئيس السابق لاتحاد الجامعة الوطنية للزراعة، إن تعبئة المياه الجوفية تعتبر مهمة من أجل تدبير فترات الخصاص، غير أن تلك المياه استغلت بطريقة مفرطة ما يستدعي سياسة واضحة في هذا المجال.
ويضيف الهاكش أن السلطات العمومية، تسعى إلى تجاوز هذه الظروف عبر حلول تتمثل في تحويل المياه بين الأحواض التي تعرف فوائض وتلك التي تعاني من خصاص وتعزيز المياه الجوفية، وإنشاء مشاريع لتحلية المياه، غير أن ذلك لا يغني عن تدابير آنية لمعالجة الخصاص.
ويضيف أن هناك مخاوف من أن تضغط ندرة المياه بشكل أكبر على المزارعين الصغار والمتوسطين، الذين يعتمدون على الأمطار من أجل ممارسة نشاطهم الإنتاجي.
استهلاك مفرط للمياه
بدوره، يقول الطاهر السرايري، الأستاذ في معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، إن مشكلة المياه تتضح بشكل كبير على مستوى الزراعة التي تستهلك 85% من مجمل المياه في المغرب، مشيرا في ندوة علمية نظمها أحد المراكز الثقافية، نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن المغرب كان دائما يعرف مناخاً شبه جاف، غير أن السياسة الفلاحية التي جرى تبنيها في الأربعة عشر عاماً الأخيرة تقوم على زراعات تستند إلى استهلاك مفرط للمياه.
ويرى أن السقي بالتنقيط الذي اعتمد في تلك السياسة لم يحل المشكل، لافتا إلى أنه جرى في الوقت نفسه استنزاف المياه الجوفية في بعض المناطق، ما سيعرض المغرب لصعوبات في المستقبل. وينبه إلى أن ذلك يحدث في الوقت الذي تراجعت حصة الفرد من المياه من ألفي متر مكعب في ستينيات القرن الماضي إلى 600 متر مكعب قبل الأزمة الحالية التي يرجح أن تنخفض معها تلك الحصة إلى 400 متر مكعب.