لا يختلف مأزق الموازنة السعودية لعام 2020 عن المأزق الذي ستتعرض له معظم الموازنات الخليجية خلال العام المقبل، من حيث العجز المالي الكبير، وزيادة الدين العام، واللجوء للاقتراض وربما زيادة الأسعار، والملفت زيادة الإنفاق العام في الموازنات الجديدة رغم تراجع الإيرادات العامة.
ربما تكون موازنة قطر هي الاستثناء، حيث ستحقق فائضا خلال عام 2020، للعام الثاني، مقابل عجز كبير في موازنة العام 2017.
وفي ظل العجز الكبير المتوقع في بعض الموازنات الخليجية للعام القادم، فإن هناك ضرورة لأن تبحث حكومات دول المنطقة من الآن عن أدوات ومصادر أخرى لتعظيم الإيرادات العامة بعيداً عن المصادر التقليدية المتمثلة في النفط، وبعيداً أيضا عن اللجوء إلى جيب المواطن، وفرض مزيد من الضرائب والرسوم، خاصة تلك التي تطاول المواطن الفقير أو العمالة الأجنبية الوافدة.
سبب عجز الموازنات الخليجية للعام 2020 يكمن بشكل أساسي في توقعات بعدم حدوث تحسّن ملحوظ في أسعار النفط خلال العام القادم، رغم القرار الجريء الذي اتخذته منظمة الدول المصدرة للنفط " أوبك" والمتحالفون معها، وفي مقدمتهم روسيا، يومي الخميس والجمعة الماضيين بفيينا، ويقضي بإجراء خفض إضافي في الإنتاج النفطي بكمية تقدر بنحو 500 ألف برميل يوميا بداية من العام 2020، ليرتفع الخفض إلى 1.7 مليون برميل. وكان الهدف من هذا القرار هو خفض المعروض النفطي في الأسواق العالمية، وبالتالي دفع أسعار النفط لأعلى، أو على الأقل الحفاظ على مستوياتها عند 60 دولاراً للبرميل الواحد.
قبل ثلاثة أيام، كشفت الحكومة السعودية عن أبرز مؤشرات موازنة العام 2020، وكان من أبرز هذه المؤشرات ارتفاع العجز المالي، وتراجع احتياطات الحكومة المالية، وزيادة الانفاق العسكري.
وفي التفاصيل، توقعت السعودية تراجع إيراداتها المالية في 2020 بنسبة 9% لتصل إلى 833 مليار ريال (222.13 مليار دولار)، مقارنة مع توقعات تبلغ 917 مليار ريال (244.54 مليار دولار) في 2019.
وتراجع الإيرادات أمر منطقي وله ما يبرره، وهو هبوط الإيرادات النفطية بنسبة 15% لتصل إلى 513 مليار ريال (136.8 مليار دولار)، علما أن هذا التراجع لا تقابله زيادة في الإيرادات الأخرى غير النفطية التي ستنمو فقط بنسبة 2% لتصل حصيلتها إلى 320 مليار ريال (85.34 مليار دولار).
وربما تلجأ الحكومة السعودية هنا للاقتراض من الأسواق الدولية، وهو ما كشف عنه مسؤول كبير بوزارة المالية السعودية أمس الأربعاء حيث كشف عن أن المملكة ربما تطرح سندات دولية في موعد قريب لجمع ديون بقيمة 32 مليار دولار في العام القادم. وقد تلجأ الحكومة إلى زيادة الأسعار بما فيها الوقود أو زيادة الضرائب المفروضة خاصة ضريبة القيمة المضافة.
ومن أبرز مؤشرات الموازنة السعودية الجديدة كذلك ارتفاع توقعات العجز الجاري في موازنة 2020 ليصل إلى 187 مليار ريال (50 مليار دولار)، وهو ما يزيد عن العجز المتوقع لعام 2019 والمقدر بنحو 131 مليار ريال (35 مليار دولار)، وكذا تراجع الاحتياطات الحكومية المالية، إلى 346 مليار ريال (92.3 مليار دولار)، مقارنة مع 467 مليار ريال (124.53 مليار دولار) في 2019، وزيادة الدين العام بنسبة 11.2% في 2020 إلى 754 مليار ريال (201.1 مليار دولار).
ومن بين المؤشرات استمرار زيادة الإنفاق العسكري في السعودية خلال 2020 والذي سيحل ثانيا بعد التعليم بنسبة 17.8 بالمئة من إجمالي النفقات العامة، وبقيمة تبلغ 182 مليار ريال (48.53 مليار دولار).
حال الموازنة السعودية لا يختلف كثيرا عن حال موازنات خليجية أخرى، منها البحرين وسلطنة عمان والكويت، فهناك مثلا انخفاض في ميزانية الكويت، بسبب توقعات انخفاض أسعار البترول وتباطؤ الاقتصاد العالمي. وللتعامل مع هذا التحدي تعمل الحكومة على تنويع الاقتصاد المحلي وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة في تطوير ونمو اقتصاد البلاد.
خطورة مؤشرات موازنات الخليج لعام 2019 أنها قد تدفع الحكومات نحو زيادة الضرائب والرسوم وأسعار الوقود وغيرها بدلا من ترشيد الانفاق العام خاصة على التسلح، كما قد تدفع مؤشرات زيادة العجز والدين العام مؤسسات تصنيف عالمية إلى إعادة النظر في تصنيف تلك الدول خاصة التي تعاني من عجز مالي محلي وخارجي.