عامان على الحراك الجزائري

22 فبراير 2021
مشهد من الحراك الجزائري (Getty)
+ الخط -

تزامناً مع الذكرى العاشرة لانطلاق شرارة ثورات الربيع العربي، تمرّ هذه الأيام الذكرى السنوية الثانية لانطلاق الحراك الاحتجاجي غير المسبوق الذي بدأ في 22 فبراير/شباط 2019 وأطاح بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد عقدين من استلامه دفّة الحُكم.

لقد سارت الاحتجاجات الجزائرية منذ سنة 2011 على إيقاع مختلف، وكانت بطيئة نسبياً في الوصول إلى نقطة الغليان مقارنة بجيرانها، حتى تمكَّن الحراك الشعبي من هزّ عرش الفساد في الجزائر، وكان سيَدخل فصلاً آخر لولا جائحة كورونا التي ضغطت على فرامله ومنحت الأولوية للقضايا الاقتصادية بدلاً من الملفات السياسية.

في مثل هذه الأيام من عام 2019، خرج الجزائريون إلى الشوارع بحثاً عن الكرامة واحتجاجاً على تفشِّي الفساد، تدهور الأوضاع المعيشية، انتشار البطالة، تغوّل المحسوبية، تردِّي نوعية الخدمات العمومية، سعي بوتفليقة خلف عهدة خامسة على الرغم من صحته المتردِّية، وانغماس النخبة السياسية الحاكمة آنذاك في تجميع الثروات والتمسُّك بالسلطة، مُتناسية مصلحة عامة الجزائريين الذين تملَّكهم الإحباط وتبدَّدت ثقتهم في مؤسسات بلدهم، وازدادت حيرتهم حول مصير قرابة تريليون دولار من صادرات الجزائر من النفط والغاز، وتأكَّدت قناعتهم بانزلاق مبالغ خيالية من المال العام نحو الحسابات المصرفية الأجنبية للفاسدين الذين خيَّبوا الآمال وأساؤوا استخدام سلطتهم، مستغلِّين تفويض الشعب لهم.

لقد أغفلت النخبة الحاكمة السابقة أنّ شباب الجيل الجديد الذين خرجوا للشوارع هم أكثر طموحاً وتطلُّعا للمستقبل واتِّصالاً بالعالم الخارجي وأقلّ ارتعاباً من سنوات الإرهاب والعشرية السوداء، التي راح ضحيتها زهاء ربع مليون جزائري في التسعينيات، مقارنة بالأجيال السابقة.

وكانت النتيجة الزجّ بالعديد من رجال الأعمال والوزراء السابقين والسياسيين خلف القضبان، وهذا ما يُعتبر أيضاً من أبرز ما تمخَّض عنه الحراك الشعبي.

وبعد تسعة أشهر من ذلك الحراك، فاز الرئيس عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية، التي أُجريت يوم 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، مُعلناً عن بزوغ فجر الجزائر الجديدة التي تعهَّد ببنائها، قبل أن تصطدم حكومته بلائحة من الأزمات الخانقة والقضايا المستعجلة وإرث سلفه بوتفليقة الذي ترك له ملفات مُلغَّمة، لاسيَّما على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

وحرصاً منه على ترسيخ شرعيته والتأسيس لتغيير يستجيب لبعض مطالب الحراك، أوفى تبون بوعده المُتمثل في تعديل الدستور. وتمَّ في الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني 2020 الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور الذي يحمل في طياته تلجيماً للعهدات الرئاسية والبرلمانية، وتشجيعاً غير مسبوق لتأسيس الجمعيات، وإلزاماً للموظفين الحكوميين بالتصريح بممتلكاتهم، وتجريماً للتهرُّب الضريبي الذي كسر حاجز 100 مليار دولار، ولكنّه لم يكن ترياقاً فعّالاً للمشاكل المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد الجزائري، ولم يُشكِّل نقطة تحوّل لبلد يئنّ تحت ركام الاختلالات الهيكلية والنقائص المؤسساتية والفراغات التنموية والتحدّيات الاقتصادية التي تفرضها الظروف الحالية في العالم.

بعد مرور سنتين على الحراك، تقف حكومة تبون الآن أمام صراع اقتصادي مرير على جبهتين، إصلاح ما أفسده نظام بوتفليقة وإصلاح ما أفسدته الجائحة، وهي في أمس الحاجة الآن إلى إيجاد توليفة سليمة ومتوازنة من السياسات الاقتصادية التي تُمكِّن من إرجاع النبض للاقتصاد الذي يُحتضر إكلينيكياً وتشغيل رافعات النمو الاقتصادي وانتشال الدينار من الحضيض.

لا تزال هناك هوّة سحيقة من عدم الثقة التي تفصل بين الحاكم والمحكوم في الجزائر، وترميم جسور الثقة لن يكون ممكناً إلاّ من خلال التركيز أولاًّ وقبل كل شيء على الشقّ الاقتصادي عند تصميم السياسات واتِّخاذ القرارات وتطبيق الإجراءات الحكومية، كالتركيز مثلاً على:

1- دعم الفئات المستضعفة التي لا تجد قوت يومها في ظلّ استمرار جائحة كورونا.

2- مدّ يد العون المادي لأصحاب المهن الحرّة الذين توقَّفت أعمالهم بسبب فيروس كوفيد-19.

3- إنهاء أزمة السيولة الخانقة.

4- الحيلولة دون ارتفاع أسعار المواد الأساسية.

5- تعزيز تقديم خدمات الرعاية الصحية على مستوى المؤسسات الاستشفائية الحكومية، بهدف تقليل الضغط المادي على أصحاب الدخل المحدود ومنعدمي الدخل.

6- كذلك، بذل ما أمكن من الجهود لوقف تدهور قيمة الدينار الجزائري مقابل الدولار واليورو، بغية الحدّ من تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، لاسيَّما البسطاء والفقراء منهم.

7- الابتعاد كل البعد عن اللجوء إلى جيب المواطن لإسناد ميزانية الحكومة التي أنهكتها نفقات التسيير والتجهيز.

8- الحرص على توفير مناصب شغل للشباب العاطل عن العمل الذي يتدفَّق بأعداد هائلة سنوياً على سوق العمل.

9- تعزيز البنية التحتية، خاصة الطرقات والجسور، لاسيَّما في المناطق المهمَّشة، لأنّ مبادرة الحكومة باتِّخاذ هذه الإجراءات في الوقت الحالي هي وحدها التي ستحلّ أزمة الثقة القائمة بين المواطنين والسلطة، خاصة في ظلّ تَصدُّر الاقتصاد وليس السياسة اهتمامات الشارع الجزائري.

للأسف، لم ينقلب الوضع الاقتصادي للمواطن البسيط من الأسوأ إلى الأفضل، ابتداءً من النقطة الفاصلة بين جزائر ما قبل الحراك والجزائر الجديدة بعد مرور سنتين على الحراك، حيث تشير نتائج الدورة السادسة لاستطلاع الباروميتر العربي، الذي تمَّ إجراؤه في الجزائر خلال الفترة الممتدة ما بين 15 أغسطس/آب و5 سبتمبر/أيلول 2020، إلى أنّ 55 بالمائة من الجزائريين المستجوبين كانوا سلبيين ومتشائمين في تقييم وضعهم الاقتصادي.

وزادت جائحة كورونا الطين بلّة، حيث عبّر 59 بالمائة من المستجوبين، الذين تفوق أعمارهم الـ30 سنة، عن قلقهم الكبير من فقدان مصدر دخلهم في السنة القادمة، وأفاد 69 بالمائة من المستجوبين بأنّ دخلهم لا يغطِّي نفقاتهم الشهرية.

كما أكَّد 43 بالمائة من المستجوبين الذين لا يغطِّي دخلهم مصاريفهم الشهرية على عدم رضاهم عن أداء الحكومة في الاستجابة لتفشِّي جائحة كورونا، وأشار 82 بالمائة من المستجوبين إلى أنّ الفساد لا يزال منتشراً في أجهزة الدولة. وفي المقابل، أشاد 73 بالمائة من المستجوبين بجهود الحكومة في مكافحة الفساد الذي لن ينتهي بين ليلة وضحاها.

خلاصة القول، إنّ الجزائر الجديدة غارقة في أزمات اقتصادية تتطلَّب اتِّخاذ قرارات مهمة وسريعة وفعّالة، أهمها ترشيد الإنفاق الحكومي، وتوجيه الدعم لمستحقّيه، لاسيَّما الفئات الهشّة الأكثر احتياجاً له، والضرب بيد من حديد على جميع أشكال الفساد لتفادي حدوث موجة ثانية من الحراك أكثر قوّة من ذي قبل.

المساهمون