"غيوم العاصفة قد تجمعت"، هكذا يصف تارانت بارسونز، كبير الاقتصاديين في المعهد الملكي للمسّاحين القانونيين في بريطانيا، واقع القطاع العقاري في البلاد. ويشرح في حديث مع مجلة "نيغوشياييتر"، المتخصصة بالعقارات، أنه من المحتمل أن يقوض التضخم المرتفع في المملكة المتحدة التحسن الأخير في النشاط العقاري، مع اتجاه بنك إنكلترا إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات من خلال رفع أسعار الفائدة، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الرهن العقاري، وفي نهاية المطاف الحد من القدرة على تحمل تكاليف شراء المساكن.
لا بل يبدو أن القطاع المصرفي يتوقع هذا مع قيام العديد من البنوك وجمعيات البناء بالفعل بتقديم منتجات ذات معدلات فائدة أعلى. عملياً، أظهرت البيانات، الخميس، أن أسعار المنازل في المملكة المتحدة شهدت انخفاضاً سنوياً لأول مرة منذ عقد، وفقاً لبنك هاليفاكس، في إشارة إلى أن تأثير ارتفاع أسعار الفائدة على ميزانيات الأسر قد أدى إلى توقف طفرة الإسكان الطويلة في البلاد.
وكانت تكلفة المنزل الشهر الماضي أقل بنسبة 1 في المائة في مايو/ أيار مما كانت عليه في نفس الشهر من العام الماضي، وهي المرة الأولى التي تنخفض فيها الأسعار على أساس سنوي منذ ديسمبر/ كانون الأول 2012.
تأتي هذه الأرقام في الوقت الذي لا يظهر فيه الاضطراب في سوق الرهن العقاري أي علامة على التراجع، مع استمرار البنوك وجمعيات البناء في سحب قروض المنازل من رفوفها، غالباً من دون سابق إنذار، ورفع تكلفة صفقاتها ذات السعر الثابت. حيث إن التضخم المرتفع عند 8.7 في المائة وزيادات سعر الفائدة في المملكة المتحدة أحدثت فوضى في سوق الرهن العقاري. "كما هو متوقع، تلاشى الانتعاش القصير الذي شهدناه في سوق الإسكان في الربع الأول من هذا العام، مع تأثير ارتفاع معدلات الفائدة"، وفق حديث كيم كينيرد، مدير شركة هاليفاكس مع "الغارديان"، وشرح أن ذلك "سيؤثر حتماً على الثقة في سوق الإسكان، حيث يقوم كل من المشترين والبائعين بتعديل توقعاتهم".
وقال تقرير هاليفاكس إن التغيير الشهري في متوسط سعر منزل في المملكة المتحدة ظل ثابتاً تقريباً في مايو عند 286,532 جنيهاً إسترلينياً، (تراجع في إبريل/ نيسان بنسبة 0.4 في المائة مقارنة بشهر مارس/آذار)، مع انخفاض الأسعار بنحو 7500 جنيه إسترليني في المتوسط مقارنة مع ذروة الصيف الماضي.
كما أشار كينيرد إلى تأثير التباطؤ في عدد موافقات الرهن العقاري، مع انهيار الإقراض إلى أدنى مستوى شهري على الإطلاق، وانخفاض عدد الصفقات المنجزة كعلامات صارخة على تباطؤ الطلب في السوق. وتابع كينيرد: "لا يزال من المتوقع حدوث المزيد من الضغوط الهبوطية على أسعار المساكن.
مع استمرار ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلكين، تقوم الأسواق بتسعير عدة ارتفاعات أخرى في الأسعار". ومن المقرر أن تنهي أكثر من 100 ألف أسرة صفقاتها ذات الفائدة الثابتة هذا الشهر. تشير بيانات من مكتب الإحصاءات الوطنية إلى أن عدد الصفقات الثابتة التي ستنتهي في عام 2023 ستبلغ ذروتها في الربع الثاني من هذا العام عند 371000 صفقة.
يوم الأربعاء، بلغ متوسط سعر الفائدة على الرهن العقاري الثابت الجديد لمدة عامين 5.79 في المائة، وفقاً لمزود البيانات المالية "موني فاكتس"، مقارنة بـ 5.26 في المائة في بداية مايو. وهذا يعني أن الشخص الذي ينفذ مثل هذه الصفقة يواجه الآن دفع 756 جنيهاً إسترلينياً سنوياً أكثر من الشخص الذي سجل ما يعادله قبل أكثر من شهر بقليل، بناءً على رهن عقاري نموذجي قيمته 200 ألف جنيه إسترليني.
ومع استمرار المقرضين في زيادة معدلات الاقتراض وسحب الصفقات، تقترض أعداد قياسية من المشترين قروضاً تستمر أكثر من 35 عاماً، في محاولة لجعل المدفوعات الشهرية ميسورة التكلفة. وتعزز أرقام هاليفاكس البيانات الصادرة عن "نشن وايد سوساييتي"، والتي قالت الأسبوع الماضي إن الأسعار استأنفت انخفاضها في مايو. رسمت هاليفاكس سابقاً صورة أكثر إشراقاً لسوق الإسكان من نيشن وايد.
أما الآن فكلاهما يبلغان عن انخفاض الأسعار كعلامة واضحة على الضغوط الهبوطية على السوق. قال توم بيل، رئيس قسم الأبحاث السكنية في المملكة المتحدة في"ناست فرانك" العقارية، لوكالة "بلومبيرغ": "هذه ليست الأزمة المالية العالمية-الجزء الثاني لأسعار المساكن.
سيظل أي انخفاض تحت السيطرة من خلال ارتفاع الأجور، وانخفاض البطالة، والمبيعات النقدية، والمستويات القياسية المرتفعة للمساكن، والرهون العقارية والمدخرات التي تراكمت خلال الوباء". وقد حذر بعض الاقتصاديين من أن أسعار العقارات قد تنخفض بنسبة 10 في المائة هذا العام، على الرغم من أن نقص العرض وسوق العمل القوية يوفران بعض الدعم. وشهد جنوب إنكلترا ولندن أكبر انخفاضات على أساس سنوي.
عانت الشقق من أكبر انخفاض في القيمة، حيث تراجعت بنسبة 1.9 في المائة مقارنة بالعام الماضي. حذرت وكالة التصنيف الائتماني فيتش، يوم الثلاثاء، من أن القدرة على تحمل تكاليف الرهن العقاري، أي نسبة الدخل التي تُنفق على مدفوعات قروض المنزل الشهرية، ستتدهور إلى أضعف مستوياتها منذ عام 2008 في المملكة المتحدة هذا العام.
وتظهر أحدث أبحاث المؤسسة الملكية للمسّاحين القانونيين أن صافي الرصيد الرئيسي لاستفسارات المشترين الجدد كان -18 في المائة في مايو. على الرغم من أن هذا يشير إلى اتجاه ضعيف في طلب الشراء، إلا أن القراءة الأخيرة ارتفعت من صافي رصيد -34 في المائة في إبريل، وتمثل أقل رقم سلبي على مدار الـ12 شهراً الماضية.