باستثمارات تتجاوز الـ 30 مليار دولار، قدم إطلاق السعودية شركة الطيران الوطنية الجديدة "طيران الرياض"، مؤشراً على المكانة الاقتصادية التي يتجه قطاع الطيران لاحتلالها في طفرة النمو التي تشهدها المملكة، وفي إطار حلم تحويل الرياض إلى مركز عالمي للسياحة والأعمال.
هناك خطط سعودية جادة للمنافسة مع شركات الطيران الرائدة في المنطقة، خاصة في دولة الإمارات (طيران الإمارات، والاتحاد للطيران)، والخطوط الجوية القطرية، حسبما أوردت صحيفة "ذا تليغراف" في تقرير نقل عن مصادر مطلعة على هذه الخطط بأن المرشحين المحتملين للوظائف في الشركة الجديدة "أُبلغوا بأن طيران الرياض تخطط لأن تشكل مستقبل الطيران على مستوى العالم".
ويستهدف إنشاء الشركة نقل 30 مليون مسافر دولي بحلول عام 2030، مقارنة بأقل من 4 ملايين مسافر على شركة الخطوط الجوية السعودية حالياً، بما ينسجم مع مخططات مشروع "رؤية 2030"، الذي رصد 100 مليار دولار، على مدى السنوات الثماني المقبلة، يذهب الجزء الأكبر منها لإنشاء شركة الطيران الوطنية الجديدة، بحسب تقرير الصحيفة البريطانية.
ومن شأن "طيران الرياض" تحويل عاصمة السعودية إلى "بوابة إلى العالم"، حسبما أوردت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، في إطار محاولات المملكة للتحول إلى مركز جذب لقطاعي الأعمال والسياحة.
ورؤية 2030 أعلنها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في إبريل/نيسان 2016، وتشمل إصلاحات جذرية في قطاعات مختلفة، بما فيها الطيران، وتستهدف بالأساس تنويع اقتصاد المملكة، بما ينهي حقبة الاعتماد الأحادي على العائدات النفطية.
والشركة الجديدة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادي بالسعودية)، ويرأس مجلس إدارتها محافظ الصندوق، ياسر الرميان، وتهدف إلى إطلاق رحلات تصل لأكثر من 100 وجهةٍ حول العالم بحلول عام 2030، وتقديم مستويات من الخدمات المتكاملة، بما يرفع من عائدات قطاع الطيران، وإسهامه بمجمل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
وكشفت السعودية النقاب رسمياً عن الشركة الجديدة في 12 مارس/آذار الماضي، وبعدها بأيام قليلة أبرم الصندوق السيادي صفقة تاريخية مع شركة "بوينغ" الأميركية؛ لشراء أسطول مكون من 72 طائرة.
ومن المتوقع أن تساهم "طيران الرياض" في نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للسعودية، بقيمة تصل إلى 75 مليار ريال (20 مليار دولار)، لارتباطه المباشر بتعزيز عائدات السياحة، فضلاً عن استحداث أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، حسبما أوردت وكالة بلومبيرغ.
ويرى خبير الاقتصاد السعودي، سليمان العساف، أن إطلاق "طيران الرياض" سيمثل فرصة اقتصادية وازنة للمملكة، خاصة أن "مستوى شركة الخطوط الجوية السعودية، التي تأسست منذ نحو 80 عاماً، لا يرقى إلى طموح السعوديين ولا ولاة الأمر"، حسب تعبيره.
ويضيف العساف، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن الهدف من إطلاق شركة الطيران الجديدة هو توفير خدمة "طيران فخم" لوجهات محددة، ولخدمة فئة معينة من الركاب، وهي الفئة التي تبحث عن خدمات الخمس نجوم، ما يعني التركيز على عنصر الجودة بالأساس.
وينوه العساف، في هذا السياق، بأن إطلاق "طيران الرياض" يرتبط بمستهدفات السياحة السعودية بشكل وثيق، إذ تستهدف المملكة زيادة عدد السياح إلى 100 مليون سنوياً، بما يمثل 3 أضعاف العدد الحالي.
وبحسب الخبير الاقتصادي السعودي، فإن صفقة طائرات بوينغ من شأنها ضمان "البداية القوية" لطيران الرياض، خاصة بعد الإعلان عن إطلاق أولى رحلاتها بنهاية عام 2025.
لكن خبير الطيران المستقل، أليكس ماتشيراس، يرى، في المقابل، أن التوسع السعودي في قطاع الطيران المدني يثير أسئلة صعبة حول كيفية استحواذ "الرياض للطيران" على حصة في السوق، خاصة في ظل تزايد خيارات الرحلات الطويلة بدون توقف، والتي تتجنب منطقة الشرق الأوسط تماماً، حسبما أوردت وكالة فرانس برس.
ويشير ماتشيراس إلى أن "تكرار نماذج الأعمال الناجحة لشركات الطيران الخليجية المجاورة والبناء عليها، سيكون أمراً صعباً في سوق مزدحمة تتاح فيها للركاب خيارات كثيرة".
توقعات مجلس المطارات الدولي تبدو أقرب لتقدير العساف، إذ أعلن المجلس عن توقعات بأن تشهد مطارات الشرق الأوسط 1,1 مليار مسافر بحلول عام 2040، في مقابل 405 ملايين في عام 2019، ما يعني أن السوق تحتمل مزيداً من الشركات، حسبما أورد موقع "بيزنس ترافيللر".
ومن هنا تعتمد السعودية استراتيجية للتوسع في قطاع الطيران، والتي تستند جزئياً إلى الاستفادة من عدد سكان المملكة، البالغ 35 مليون نسمة تقريباً، وهي ميزة تنافسية لا تملكها الدول الخليجية المنافسة.
وإزاء ذلك، من المتوقع أن تطلق السعودية شركة ثالثة، هي "طيران نيوم"، التي سيكون مقرها المدينة المستقبلية التي تحمل الاسم ذاته، على أن تبدأ عملياتها في 2024، حسبما أورد موقع "غلف بيزنس".
كما تخطط السعودية لبناء مطار جديد في الرياض، سيكون قادراً على استيعاب 185 مليون مسافر سنوياً، وذلك في إطار حلم "مركز السياحة والأعمال العالمي" برؤية 2030.