مشروع "طريق التنمية" الذي أعلنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أواخر مايو/أيار الماضي، يعزز سياسة تركيا المتمثلة في كونها دولة مركزية في مجال الطاقة.
هذا المشروع التنموي الذي يشمل الطريق البري والحديدي الممتد من العراق إلى تركيا وموانئها، يوصف بأنه "أساس الاقتصاد المستدام غير النفطي"، حيث يسمح لتركيا بنقل النفط والغاز الطبيعي من العراق إلى الأسواق العالمية.
ويهدف العراق من ذلك إلى اختصار مدة السفر بين آسيا وأوروبا عبر تركيا، فضلا عن رغبته في أن يصبح مركزا للعبور في المنطقة.
كما يساهم المشروع المعروف أيضا باسم "طريق حرير العراق"، في إجراء التجارة بشكل أسرع وأكثر كفاءة، وإنشاء طريق منافس لقناة السويس.
ويربط المشروع ميناء الفاو في الخليج العربي، والمقرر أن يكون أكبر ميناء في الشرق الوسط (مخطط الانتهاء منه في 2025)، بتركيا عبر السكك الحديدية والطرق السريعة.
وتبلغ الميزانية الاستثمارية للمشروع حوالي 17 مليار دولار، على أن يتم إنجازه على ثلاث مراحل، تنتهي الأولى عام 2028 والثانية 2033 والثالثة 2050.
زيادة إمكانيات تركيا في تصدير الطاقة
وفي حديث لوكالة "الأناضول"، قال مؤسس منصة دراسات الشرق الأوسط وأوراسيا وآسيا والمحيط الهادئ "ODAP" علي سمين، إن "الحكومة العراقية طرحت ميناء الفاو الكبير على جدول أعمالها عام 2005، لكنه توقف بسبب الأزمة الاقتصادية والمشكلات الأمنية في البلاد".
وأضاف: "للميناء أهمية بالنسبة للاقتصاد العراقي، حيث سيقلل اعتماد الدخل القومي للعراق على النفط من 40-60 بالمائة".
وأردف قائلا: "المشروع سيكون بديلا للعراق الذي يعتمد دخله على النفط فقط".
وذكر أنه مع اندلاع الحرب بأوكرانيا فإن روسيا "فقدت مكانتها موردا موثوقا للطاقة"، في حين أن "الجهات الفاعلة الأوروبية تراجع استراتيجياتها لتأمين احتياجاتها من الطاقة".
وأوضح سمين أن المشروع من شأنه أن "يساهم في النمو الاقتصادي لتركيا ويعزز قدرتها التنافسية في قطاع الطاقة".
ولفت إلى اندلاع جدل عالمي حول سبيل إيصال الغاز الطبيعي المسال القطري إلى أوروبا حينما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير/شباط 2022.
وقال: "ميناء الفاو الكبير يقدم نفسه بديلا أفضل لنقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر الأراضي العراقية، وذلك نظرا لجدواه الاقتصادية بمسار أقصر".
كما يزيد ميناء الفاو الكبير، وفق سمين، "إمكانات تركيا لتصدير الطاقة"، قائلا: "تركيا يمكن أن تنقل موارد الطاقة العراقية إلى الأسواق العالمية وتلعب دورا فاعلا في تجارة الطاقة".
دور ريادي لتركيا والعراق في التجارة العالمية
من ناحيته، قال الخبير في شؤون العراق بمركز دراسات الشرق الأوسط "ORSAM"، واثق السعدون، إن "دفع عجلة التعاون الاقتصادي الاستراتيجي بين العراق وتركيا من خلال مشروع طريق التنمية، سيرفع البلدين إلى دور ريادي متكامل في التجارة العالمية وخطوط نقل الطاقة".
وأضاف: "بخطوط نقلها المتطورة، ستكون تركيا بوابة العراق إلى أوروبا، وبالتالي سيشكل البلدان جسرا بين أوروبا وآسيا".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني خلال زيارة رسمية أجراها إلى أنقرة في مارس/آذار الماضي.
وقال الرئيس أردوغان خلال مؤتمر صحافي في ختام اللقاء آنذاك: "أكدنا عزمنا العمل معا لإنجاز مشروع طريق التنمية الرامي إلى بناء ممر نقل بري وسكة حديد يمتد من البصرة إلى الحدود التركية".
وأضاف: "اتخذنا خطوة جادة تظهر إرادتنا للعمل معا لتحقيق هذا الهدف، من خلال إعلان أنقرة الذي اتفقنا عليه، وإن طريق التنمية لا يعتبر مشروعا استراتيجيا مهما لتركيا والعراق فحسب، بل للمنطقة بأسرها".
وأوضح أن "ملايين الأشخاص في مناطق واسعة من أوروبا إلى الخليج سيستفيدون من القيمة المضافة التي ستظهر مع إنشاء هذا الطريق".
كما قال إن "هذا المشروع سيعزز التعاون الإقليمي ويطور تجارتنا ويقوي علاقاتنا الإنسانية، وندرك أن الدول الشقيقة الأخرى أيضا تهتم بهذا المشروع، أنا على ثقة أننا مع مشاركتهم، سنتمكن من تحويل مشروع طريق التنمية إلى طريق الحرير الجديد لمنطقتنا".
وتعد فكرة المشروع قديمة، إذ تعود إلى اتفاق بين السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1842-1918) والإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني (1859-1941) لإنجاز مشروع خط سكك حديدية "برلين - بغداد - البصرة".
وبحسب مقال سابق للمؤرخ العراقي إبراهيم العلاف، فإن ألمانيا استطاعت عام 1899 الحصول على امتياز من السلطان عبد الحميد الثاني، وبموجبه أصبح بإمكانهم مد سكة حديد الأناضول من إسطنبول إلى مدينة الموصل (شمالي العراق) ومنها إلى بغداد والبصرة، كما كان مقررا أيضا أن ينتهي هذا الخط بالكويت.
وأشار العلاف إلى أن السكة الحديدية وصلت إلى مدينة سامراء (جنوب بغداد) لكن العمل بها توقف عام 1914، بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
(الأناضول)