في محاولة لإعادة توزيع ثروات الأميركيين، ووفاءً بأحد أهم وعود حملته الانتخابية، لم يكتف الرئيس الأميركي جو بايدن بجهود إنعاش الاقتصاد، بعد عام الجائحة الذي شهد تراجع العرض والطلب في أغلب القطاعات، ليبدأ الإعلان عن خططه الهادفة لتضييق الفجوة الواسعة بين دخول أثرياء أميركا وفقرائها، والتي ستكون التعديلات الضريبية على رأسها.
وبعد إعلان رغبته باضطلاع الحكومة الفيدرالية بدور أكبر في محاولات إنعاش الاقتصاد، وإقرار حزم إنعاش تقترب قيمتها من ستة تريليونات دولار، تضاف إلى عجز الموازنة القياسي الحالي، لا يجد بايدن سبيلاً لتوفير الأموال اللازمة لتلك الحزم إلا إعادة فرض بعض الضرائب التي أوقفها أو قلصها الرئيس السابق دونالد ترامب على الفئات الأعلى دخلاً، بالإضافة إلى فرض المزيد من الضرائب على بعض العمليات، مثل الأرباح الرأسمالية التي ينوي مضاعفتها تقريباً والنزول بالحد الأدنى لمستويات الربحية الخاضعة لها، بالإضافة إلى فرض المزيد من الضرائب على التركات والعطايا.
وفي دراسة حديثة أعدها معهد الضرائب والسياسة الاقتصادية في الولايات المتحدة، أكد ستيف وامهوف، مدير المعهد، وماثيو جاردنر، كبير الباحثين في المعهد، أن متوسط الدخل السنوي لدى نسبة 1% الأعلى دخلاً، التي سيقع عليها العبء الأكبر من زيادة الضرائب، بلغ 2.2 مليون دولار، وأن ثلثي تلك الفئة سيشهد زيادة في الضرائب المستحقة عليه بما يقرب من 159 ألف دولار في العام.
وبينما شهد العام الأول لجائحة فيروس كورونا انضمام أكثر من عشرين مليون أميركي إلى طوابير الراغبين في الحصول على الوجبات المجانية وطالبي تعويضات البطالة التي كلفت الدولة مليارات الدولارات، فإن مجموعة من المليارديرات زادت ثرواتهم بنحو 1.62 تريليون دولار في 2020، لترتفع قيمة أصولهم بنسبة 55%، فيما استحوذ 15 مليارديراً منهم على أكثر من ثلثي هذه الثروات.
وتحت عنوان "خطة الأسر الأميركية"، فصّل الرئيس القادم من الحزب الديمقراطي خططه لإنفاق ما يتم تحصيله من ضرائب إضافية على أثرياء الأميركيين، ليؤكد توجيه النسبة الأكبر منها إلى الإنفاق على التعليم ودور الحضانة للأطفال، كما التوسع في منح إجازات مدفوعة الأجر للآباء والأمهات.
وفي عبارة شهيرة وجهها لأعضاء الكونغرس قبل أسابيع قليلة، قال بايدن "أعتقد أنه من حقك أن تصبح مليونيراً أو مليارديراً، لكن يتعين عليك أن تتحمل نصيبك العادل من الضرائب".
ومنذ اللحظات الأولى لوصول بايدن للبيت الأبيض، وربما قبل ذلك، يبذل المستشارون الماليون وشركة إدارة الثروات جهوداً مكثفة للعثور على أدوات الاستثمار الأمثل التي يمكنهم من خلالها تجنب أقصى ما يمكن من العبء المتوقع من الضرائب الجديدة، التي لا يعلم أحد حتى الآن كيف سيكون شكلها عند اجتياز محطة التصويت الأصعب في الكونغرس.
وفي تعاملهم مع خطط رفع الضرائب، لن يقف أثرياء أميركا مكتوفي الأيدي، حيث يتوقع محللون أن يقوم بعض هؤلاء بالتسريع بحصولهم على مداخيلهم، إن أمكنهم ذلك، قبل أن تتم الزيادة المتوقعة، خاصة في ما يخص الحصول على بعض الحوافز الآن بدلاً من لاحقاً، أو الاتفاق على تقديم موعد الحصول على بعض مستحقاتهم.
وبدأ مديرو الثروات في نصح عملائهم بتحويل حسابات التقاعد الخاصة بهم من الأنواع التي تؤجل دفع الضرائب على المدخرات لحين الوصول إلى سن 59 سنة ونصف إلى تلك التي تفرض دفع الضرائب عليها الآن، للاستفادة من معدلات الضريبة الحالية المنخفضة قبل زيادتها.
ويعارض أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري، الذين دعموا مشروع رئيسهم السابق دونالد ترامب لأكبر خفض ضريبي تشهده البلاد خلال عقود، جزءاً كبيراً من خطط بايدن الضريبية، مؤكدين أن نسبة كبيرة من الإنفاق على البنية التحتية الذي يبرر به بايدن رفع الضرائب تعد مُبالغا بها، وأن بعض أوجه إنفاق تلك المبالغ ليست ضرورية.
وقبل أيام، أكد السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، والنائب كيفين ماكارثي، زعيم الأقلية الجمهورية بمجلس النواب، رفضهما زيادة الضرائب لتمويل الإنفاق على مشروعات بايدن لتحسين البنية التحتية بالولايات المتحدة.
وقال ماكونيل، الذي زامل بايدن في الكونغرس لأكثر من عقدين، وتمكنا معاً خلال فترة رئاسة باراك أوباما التي كان بايدن وقتها نائباً له، من الاتفاق على قانون الضرائب ورفع سقف الدين، إن نواب حزبه غير مستعدين لفتح ملف تعديل قانون الإصلاح الضريبي الذي أقره ترامب، مطلع عام 2018، ووصفه ماكونيل بأنه "خط أحمر".
واقترح الجمهوريون فرض رسوم (لم يحددوا قيمتها حتى الآن) على من يستخدمون البنية التحتية المراد تحديثها، وهو ما يرفضه تماماً أعضاء الحزب الديمقراطي، ولم يتفق ممثلو الحزبين إلا على رفض فكرة الاستمرار في التوسع بالاقتراض من أجل تمويل الزيادات المقترحة في الإنفاق.
وفي محاولة لعرقلة جهود بايدن للحصول على تأييد لمشروعه، قال ماكونيل إن أعضاء حزبه يمكنهم الموافقة على خطة تحديث البنية التحتية بكلفة لا تتجاوز 800 مليار دولار، مقارنة بأكثر من تريليوني دولار اقترحها بايدن. ورغم محاولات بايدن لكسب تأييد الشركات الأميركية الكبرى لخطته الضريبية ولمشروعات البنية التحتية، ما زال أغلب الرؤساء التنفيذيين لتلك الشركات يأملون في إيجاد بدائل أخرى لتمويل مشروعات الإنفاق التي يتحمس لها الجميع.
وفي لقاء مع إحدى القنوات التلفزيونية في وقت سابق من مايو/ أيار الجاري، أشار ديفيد ريكس، الرئيس التنفيذي لشركة الأدوية الشهيرة "إي إل آي ليلي"، إلى أن الشركات الأميركية الصناعية تخصص مبالغ ضخمة للإنفاق الاستثماري وللإنفاق على البنية التحتية الخاصة بها، مؤكداً أن "فرض ضرائب على تلك الشركات سيكون فكرة سيئة جداً، في وقتٍ نحاول فيه إنعاش الاقتصاد".