قفزت أصول جهاز قطر للاستثمار (صندوق الثروة السيادي) إلى 461 مليار دولار في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، بزيادة نحو 13% عما كانت عليه في نهاية 2021، والبالغة 354 مليار دولار، ونحو 340 مليار دولار في عام 2017.
وانتقل الصندوق من المرتبة الحادية عشرة إلى المرتبة التاسعة عالميا والرابعة عربيا، وفقا لبيانات معهد صندوق الثروة السيادية (SWFI)..
وتأتي تلك القفزة الملحوظة في قيمة أصول الصندوق السيادي والتي تدعمها إيرادات قوية من صادرات الطاقة والغاز الطبيعي المسال رغم إنفاق الحكومة القطرية نحو 220 مليار دولار على البنية التحتية من طرق وجسور وانفاق ومواصلات وتوسعات مطار حمد الدولي وبناء مدن جديدة وملاعب كأس العالم 2022 التي تجري حاليا في الدوحة.
وتتوزع أصول الصندوق السيادي القطري جغرافياً في أكثر من 80 بلدا في قارات العالم المختلفة، وتتنوع استثماراته في قطاعات عديدة، كالعقارات والطاقة والصناعة والتكنولوجيا وسوق الأوراق المالية والبنوك والضيافة والرياضة والطاقة النظيفة وغيرها.
تنويع الاستثمارات واستغلال الفوائض
حسب البيانات الرسمية، قفزت أصول الصندوق خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 107 مليارات دولار. وأرجع خبراء اقتصاد هذه القفزة إلى العوائد الضخمة التي تجنيها قطر من صادرات الطاقة خاصة الغاز الطبيعي واستراتيجية تنويع الاستثمارات وتوسيعها جغرافياً وقطاعياً، وقدرة الجهاز على الاستثمار على المدى البعيد لنحو 25 عاماً، وأكدوا انعكاس ذلك إيجابياً على الاقتصاد القطري الذي حقق أعلى مستوى نمو منذ سبع سنوات، إذ رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد القطري إلى 3.4% في عام 2022.
وحققت قطر طفرة في إيراداتها التصديرية خلال الـ9 أشهر الأولى من العام الجاري، بدعم من ارتفاع أسعار الغاز المسال، التي حلّقت إلى مستويات قياسية في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وارتفعت عوائد الصادرات القطرية خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي إلى 13.07 مليار دولار، مقابل 12.85 مليار دولار في أغسطس/آب، ومن المتوقع أن تشهد ارتفاعًا أكبر خلال أكتوبر/تشرين الأول.
وعن أبرز الأسباب وراء قفزة أصول الصندوق السيادي القطري عن العام الفائت، يقول المستشار الاقتصادي والمحلل المالي رمزي قاسمية، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "تحقيق دولة قطر فائضاً في الموازنة المالية العامة هو نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة خلال العالم الحالي.
وقفزت أسعار الطاقة في الأسواق العالمية، خاصة النفط، عقب تراجع مخاطر وباء كورونا وزيادة الطلب العالمي على الخام الأسود من قبل كبار مستهلكي الطاقة مثل الصين، كما قفزت أسعار الغاز الطبيعي بشكل غير مسبوق عقب اندلاع حرب أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي، وما اعقبها من حرب طاقة شرسة بين روسيا والغرب.
وبحسب وكالات التصنيف الائتماني الدولية، يتراوح الفائض في الموازنة القطرية بين 44 و47 مليار ريال مقارنة مع 4 مليارات ريال فائض موازنة عام 2021، وبالتالي، يجرى تحويل جزء من هذه الفوائض إلى الصندوق السيادي، الأمر الذي ساهم في زيادة موجودات الصندوق نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
ولفت قاسمية إلى توسيع استثمارات الصندوق في عدة مجالات وقطاعات، ففي التكنولوجيا، ضخ الجهاز استثمارات جديدة تقدر قيمتها بنحو 8 مليارات دولار، بالإضافة إلى زيادة استثماراته في مصر ودول أخرى .
وحول تأثير ارتفاعات أصول الصندوق السيادي على بورصة قطر، نفى رمزية وجود تأثير مباشر على البورصة، معللاً ذلك بأن استثمارات الصندوق في سوق الدوحة للأوراق المالية تتميز بأنها استثمارات غير نشطة كونها طويلة الأجل، موضحا أن تحسن الموازنة المالية العامة للدولة، إلى جانب الفوائض في الميزان التجاري، الذي ارتفع على أساس سنوي نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بنحو 18% وبمقدار 25 مليار ريال (الدولار = نحو 3.65 ريالات)، يساهم في تحسن أداء البورصة بشكل غير مباشر.
عوائد مرتفعة ونمو متواصل
حسب تصريحات سابقة لرئيس الاستثمار في إقليم أميركا الشمالية والجنوبية في الجهاز، محمد السويدي، يسعى جهاز قطر للاستثمار خلال المرحلة الراهنة لتوسعة استثماراته في قطاعات التكنولوجيا والصحة، لأن تلك القطاعات أصبحت ضخمة وتتميز بالتنوع، ولا بد أن يكون للجهاز موطئ قدم بها، خاصة أن استثمارات الجهاز السابقة أثبتت أهميتها خلال جائحة كورونا، سواء ضمن قطاع التكنولوجيا والأمن السيبراني الذي يتوقع أن يشهد نموا كبيرا، أو استثمارات القطاع الصحي وتطوير الأدوية .
وأرجع الأستاذ الجامعي والخبير الاقتصادي، مراد كواشي، ارتفاع أصول الصندوق السيادي القطري 11 مليار دولار في الربع الثالث من العام الجاري إلى نجاح استراتيجيته في التنويع في الاستثمارات، إذ أوجد استثمارات في العديد من القطاعات والكثير من الدول، فقد استثمر في القطاع الزراعي من خلال البنك الزراعي الصيني، واستثمر في صناعة السيارات بشراء حصة 17% من شركة فولكس فاغن الألمانية، وفي الرياضة من خلال استحواذه على فريق باريس سان جيرمان الفرنسي، والأوراق المالية عبر رؤوس أموال في بورصة الصين بنحو 5 مليارات دولار، ما مكنه من تحقيق عوائد كبيرة وارتفاع رأسماله وأصوله الاستثمارية.
وأكد كواشي، لـ"العربي الجديد"، أن إيرادات الصندوق السيادي تُضيف دفعة للاقتصاد القطري، وتُحقق طفرة نوعية ليس على المستوى الآسيوي فقط بل العالمي، فقد حقق الاقتصاد القطري خلال 2022 نموا قارب 3.4%، وهو أعلى معدل منذ 2015، وحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سيحقق نمواً مرتفعاً خلال العامين المقبلين.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الصندوق السيادي سيلعب دوراً محورياً في كسر ارتباط الاقتصاد القطري الريعي بالغاز والنفط، أي تنويع الاقتصاد، مؤكداً أن قطر ستجني الكثير من العوائد، مع اكتساب خبرات في قطاعات مختلفة تسمح بتطوير وتقدم مختلف القطاعات الصناعية والإنتاجية والخدمية.
تسارع وتيرة الصفقات
وتسارعت وتيرة صفقات الصندوق السيادي القطري خلال العام الجاري، وشملت عدة بلدان وقطاعات، وشدد الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار منصور بن إبراهيم آل محمود، خلال منتدى قطر الاقتصادي في يونيو/ حزيران الماضي، على سعي قطر للاستثمار في مختلف القطاعات، وتوسيع مشاريعها الحالية، مستفيدة في ذلك من الفوائض المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار النفط.
وقال: "إن الأموال الناتجة عن زيادة أسعار النفط ستشكل فرصة للاستثمار في مختلف القطاعات، لافتاً إلى أن الجهاز يصب تركيزه حالياً على الاستثمارات في قطاعي التكنولوجيا والصحة والتقنيات التي ستعين على المضي قدما في مشاريع قطر الاقتصادية، إذ توجد بالفعل استثمارات قطرية في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا في القطاع التكنولوجي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، كشف جهاز قطر للاستثمار عن استثمار 2.43 مليار يورو في شركة "آر دبليو إي" الألمانية متعددة الجنسيات العاملة في مجال الطاقة، لدعم استراتيجية "النمو الأخضر" المتسارعة التي تنتهجها الشركة.
وستصدر الشركة سنداً إلزامياً قابلاً للتحويل إلى شركة تابعة لجهاز قطر للاستثمار، وسيجرى تحويل السند إلى أسهم عادية جديدة لحاملها، من المتوقع أن تمثل أقل بقليل من 10% من رأسمال الشركة الألمانية الحالي.
جولة استثمارات عالمية
شارك جهاز قـطر للاستثمار في قيادة جولة استثمار تُقدر بقيمة 260 مليون دولار في شركة الأدوية البيولوجية BioXcel Therapeutic، التي تستخدم أساليب الذكاء الاصطناعي لتطوير الأدوية التحويلية في علم الأعصاب وعلم الأورام المناعية. كما استثمر أيضاً في Rebel Foods الهندية الناشئة المتخصصة في المطابخ السحابية.
ويجري صندوق قطر السيادي مباحثات لشراء حصة تبلغ 20% من شركة فودافون مصر، في صفقة تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار، في أكبر مشغل لشبكات الهاتف المحمول في مصر وشركات أخرى، ومن المتوقع الانتهاء من المباحثات وتوقيع الاتفاقية في نهاية 2022.
وأنجز جهاز قطر للاستثمار، أخيرا، صفقة استحواذ من مجموعة سوفت بنك اليابانية القابضة متعددة الجنسيات، عبر شراء حصة تبلغ 84%، ما يوازي 67.8 مليون سهم من أسهم شركة التجارة الإلكترونية والتسوق عبر الإنترنت البريطانية "تي إتش جي" (THG)، بسعر 39 جنيهاً إسترلينياً للسهم.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كشف الجهاز عن استثمار بقيمة 2.38 مليار دولار في شركة المرافق الألمانية RWE لدعم استراتيجية الشركة المتسارعة نحو النمو الأخضر.
وخلال سبتمبر/ أيلول الماضي، اشترى جهاز قطر للاستثمار حصة تبلغ 4.99% من الطرح العام "الاكتتاب العام" لعملاق السيارات الرياضية العالمية "بورشه"، إلى جانب 3 مستثمرين آخرين هم: الصندوق السيادي النرويجي، وهو أكبر صندوق سيادي في العالم، وجهاز أبوظبي للاستثمار وشركة الصناديق المشتركة "تي رو برايس"، وضخ المستثمرون الأربعة نحو 3.68 مليارات يورو للاستحواذ على أسهم ممتازة في الطرح الأكبر في أوروبا.
كما استحوذ جهاز قطر للاستثمار على حصة في شركة نفق أوراسيا في إسطنبول من" إس.كيه. جروب"، الشريك الكوري الجنوبي في المشروع، ولم يُكشف عن قيمة الحصة حتى الآن.
يجري صندوق قطر السيادي مباحثات لشراء حصة تبلغ 20% من شركة فودافون مصر، في صفقة تقدر قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار
وفي الشهر ذاته، استثمر صندوق قطر السيادي 250 مليون يورو في شركة "إينوفا فيد" الفرنسية، الناشطة في قطاع التكنولوجيا الحيوية وإنتاج المكونات المشتقة من الحشرات لتغذية الحيوانات وتربية الأحياء المائية.
وفي أغسطس/ آب، أعلن جهاز قطر للاستثمار عن تطلعه للاستثمار بمبلغ ثلاثة مليارات دولار في القطاعات التجارية والاستثمارية المختلفة في باكستان.
وفي يوليو/ تموز، استحوذ الصندوق على فندق كراون بلازا في العاصمة الكينية نيروبي، ضمن صفقة تقدر بنحو 38.8 مليون دولار، ونفذ الصفقة صندوق "كاسادا" للضيافة المدعوم من جهاز قطر للاستثمار ليستحوذ على فندق كراون بلازا المكون من 16 طابقاً.
وفي مارس/ آذار، نفذ جهاز قطر للاستثمار ومجموعة (بروكفيلد) الأميركية للاستثمار المالي صفقة بقيمة 2.85 مليار دولار، عبر بيع 49% من مبنى (ون مانهاتن) المكون من 67 طابقاً في غرب مانهاتن في نيويورك.
وفي الدوحة، أطلق الجهاز مبادرة صناعة السوق لتعزيز السيولة في بورصة قطر، بهدف تمكين صانعي السوق المرخصين من الوصول إلى جزء من حيازات الأسهم المملوكة لجهاز قطر وبرامج الحوافز، من أجل دعم سيولة الأسهم المدرجة في بورصة قطر، ويأتي ذلك في سياق التزام الصندوق السيادي بتعميق سوق رأس المال بما يساهم في جذب مديري الأصول الأجنبية للاستثمار في قطر من جهة، وتحفيز مشاركة الأفراد التي ستساعد في تنويع وتوسيع السوق من جهة أخرى.
التركيز على قطاعات المستقبل
تركز استراتيجية جهاز قطر للاستثمار لعام 2023 على القطاعات التي تشكل مستقبل الاقتصاد العالمي ويكون لها تأثير إيجابي، وفقاً للرئيس التنفيذي للاستثمار في أوروبا وروسيا وتركيا في الجهاز أحمد علي الحمادي، الذي أوضح في تصريح صحافي سابق أن الاستثمارات الجديدة ستشمل مجموعة واسعة من القطاعات، سواء أكانت السيارات الكهربائية أم البروتينات النباتية أم الذكاء الاصطناعي.
ويبلغ عمر الصندوق السيادي نحو 17 عاماً، إذ تأسس جهاز قطر للاستثمار بالقرار الأميري رقم 22 لسنة 2005، كصندوق ثروة سيادي مختص بالاستثمار المحلي والخارجي، وإدارة فوائض النفط والغاز الطبيعي.