أعرب رئيس وفد صندوق النقد الدولي إرنستو راميرز عن رغبة إدارة الصندوق في استمرار التعاون مع لبنان ودعمه، مستغرباً الغموض الذي ساد على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية لجهة القيام بما يلزم من إصلاحات للنهوض بالاقتصاد اللبناني، خصوصاً أن كل تأخير يؤدي إلى خسارة لبنان وقتاً ونتائج.
وشدد وفد الصندوق، خلال لقائه الرئيس اللبناني ميشال عون اليوم الأربعاء، على ضرورة استعادة الثقة بالقطاع المالي والمصرفي المتمثل بمصرف لبنان والمصارف، لافتاً إلى أنه كان يأمل بأن يحقق لبنان تقدماً في الإصلاحات بعد الانتخابات النيابية التي جرت في مايو/ أيار الماضي، للتمكّن من توقيع الاتفاق النهائي التمويلي في أواخر سبتمبر/أيلول الجاري أو أوائل أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وشدد الوفد على "ضرورة توحيد سعر الصرف والإسراع في إعداد مشروع موازنة 2023 بعد إقرار موازنة العام الحالي".
ويشهد لبنان فوضى كبيرة على مستوى سعر الصرف، سواء المعتمد من قبل مصرف لبنان المركزي عبر منصته "صيرفة"، وسجل أخيراً 29800 ليرة، والذي تتعاطى به المصارف تبعاً للتعاميم التي تصدر، أي 8 آلاف ليرة، والتي تضرب قيمة الودائع الدولارية، في وقتٍ يتخطى فيه سعر صرف الدولار في السوق السوداء عتبة الـ37 ألف ليرة ويسجل أسعاراً متقلبة كل يوم حتى وصل إلى 39 ألف ليرة قبل أن ينخفض اليوم الأربعاء.
وقال بيان المكتب الإعلامي للرئاسة اللبنانية إن عون عرض مع رئيس بعثة صندوق النقد الدولي نتائج الاتصالات التي أجراها الأخير مع عددٍ من المسؤولين اللبنانيين والمعنيين في قطاعي المال والمصارف.
وأشار البيان إلى أن راميرز شكر عون للموقف الذي اتخذه لجهة رده قانون السرية المصرفية لإدخاله تعديلات عليه تجعله مطابقاً للمعايير الدولية، معلناً دعم الصندوق للدعم الذي يقدمه الرئيس اللبناني للإصلاحات التي وردت في بنود الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه مع الصندوق في شهر إبريل/نيسان الفائت.
وأبلغ الرئيس عون الوفد بأنه "كان ينتظر تحقيق العديد من الإجراءات الإصلاحية المتفق عليها مع صندوق النقد، إلا أنّ عراقيل عدة برزت من عدد من الأطراف في الداخل أخّرت تحقيق ما كان مطلوباً، والذي يشكل بداية لعملية النهوض الاقتصادي في البلاد، لا بل إن هذه العراقيل عمّقت نسبة التراجع في الوضع الاقتصادي".
رئيس الجمهورية استقبل وفد بعثة صندوق النقد الدولي: كنا ننتظر الكثير من الإصلاحات لكن عرقلة اطراف داخلية عمّقت نسبة تراجع الوضع الاقتصادي pic.twitter.com/1JCD5nqNoM
— Lebanese Presidency (@LBpresidency) September 21, 2022
وقال مصدرٌ مقرّب من الرئاسة اللبنانية لـ"العربي الجديد"، إن صندوق النقد الدولي أكد لعون أنه سيبقى مطلعاً على عمل المسؤولين اللبنانيين وطريقة تعاطيهم مع الإصلاحات المطلوبة، وخصوصاً لناحية عمل البرلمان اللبناني والحكومة على صعيد القوانين المطلوب إقرارها، خصوصاً الكابيتال كونترول، والسرية المصرفية، وموازنة العام 2022، ويأمل بأن يصار إلى تشكيل حكومة سريعاً بصلاحيات كاملة حتى تكثف العمل بالإصلاحات، ولا سيما أن الوضع لا يحتمل المزيد من المماطلة.
وأشار وفد الصندوق، بحسب المصدر، إلى أن هناك نوعاً من الخيبة لناحية التأخير الحاصل والمماطلة وسط أزمة اقتصادية حادة لا تحتمل التباطؤ، لكن في المقابل هناك أجواء إيجابية تلقاها الوفد من المسؤولين اللبنانيين بتكثيف الجلسات توصلاً لاتفاق في الملفات الخلافية على مستوى السلطتين التنفيذية والتشريعية، يأمل بأن ترتد بالتزام لبنان بالاستحقاقات الدستورية ومواعيدها المحددة لتؤكد جدية الساسة في التعاطي مع المرحلة.
وفي 11 إبريل/نيسان الماضي، تم الإعلان عن توصل صندوق النقد الدولي إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن السياسات الاقتصادية مع لبنان للاستفادة من تسهيل الصندوق الممدد لمدة أربع سنوات، مع طلب إتاحة موارد من الصندوق بقيمة 2173.9 مليون وحدة حقوق سحب خاصة، أي ما يعادل 3 مليارات دولار أميركي.
وتتسلط الأضواء على الجلسة التشريعية التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري يوم الاثنين المقبل، لمتابعة درس وإقرار مشروع الموازنة العامة لعام 2022، وذلك بعدما سقط نصاب الجلسة الأخيرة نتيجة انسحاب كتل نيابية منها اعتراضاً على التعديلات التي طرأت عليها والأرقام التي تناولتها بشكل غير واقعي ولا يحوي أي رؤية اقتصادية واجتماعية، وعدم استنادها إلى خطة إنقاذية فعلية، وعدم حلّها مشكلة تعدد سعر الصرف.
ولا يزال المجتمع الدولي يترقب الوضع لبنانياً، ويؤكد عدم تقديم أي دعم للبنان قبل البدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة منه، والتي تحمي بالدرجة الأولى المودعين المحتجزة أموالهم منذ عام 2019، وذلك فيما يعتبر أن صانعي القرار اللبنانيين عاجزون حتى اللحظة عن تنفيذ التدابير الضرورية المطلوبة لإخراج البلاد من المأزق الذي تمرّ به.
وتزامنت جولة صندوق النقد الدولي مع إقفال البنوك أبوابها احتجاجاً على عمليات الاقتحام التي قام بها المودعون في الفترة الماضية، أشدها كان يوم الجمعة الماضي. وقد قررت الجمعية تمديد إضرابها الذي كان مفترضا أن ينتهي اليوم، بعدما استمرّ لثلاثة أيام، وذلك لعدم حصولها على ضمانات أمنية تحمي فروعها والموظفين، واستمرار المخاطر والتهديدات، علماً أن الآراء ضمن الجمعية منقسمة، وهناك مصارف كانت ولا تزال ترفض الإقفال.