تونس ذاهبة إلى صندوق النقد الدولي، لأنّ هذا هو الحل الوحيد لأزمتها المالية والاقتصادية من وجهة نظر حكومة قيس سعيد التي وجدت نفسها أمام أعتى أزمة مالية تمر بها البلاد.
أزمة بدت ملامحها قوية مؤخراً في حدوث قفزات في أسعار السلع والخدمات، واختفاء سلع من الأسواق، والتأخر في صرف رواتب الموظفين بالدولة الذين يتجاوز عددهم 700 ألف موظف.
ومع تأخر المنح والدعم الإقليمي والدولي، فإن هذه الحكومة ترى أنها في حاجة إلى تدبير موارد ضخمة وسريعة لتغطية بنود الأجور والإنفاق العام، وتغطية عجز الموازنة العامة، وسداد أقساط الديون الخارجية، ومواجهة المضاربات على العملة المحلية، ووأد أي اضطرابات محتملة في سوق الصرف الأجنبي.
بالطبع لن تذهب حكومة سعيد إلى نزهة قصيرة أو تدخل في مفاوضات سهلة مع صندوق النقد الدولي، بل ذاهبة لمفاوضات شاقة ومعقدة خاصة إذا لم يكن لديها ضمانات مقدمة من بعض دول الخليج، وتحديدا السعودية والإمارات، للقروض الضخمة التي ستحصل عليها تونس من المؤسسات الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد، ذلك لأن تلك الضمانات تُسرّع من إجراءات منح القروض كما حدث مع مصر في الأعوام الخمسة الأخيرة.
تونس ترغب في الحصول بداية على قرض سريع بقيمة أربعة مليارات دولار من الصندوق لحل الأزمات الطارئة ومنها سداد الرواتب وتغطية كلفة الواردات، على أن يعقبها الحصول على قروض أخرى من مؤسسات منها البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وغيرها من المؤسسات العالمية والإقليمية مثل صندوق النقد العربي والبنك الإسلامي للتنمية وغيرها.
والحصول على قروض من تلك المؤسسات وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي ليس بالأمر السهل، فهناك شروط على الدول المقترضة تنفيذها حرفياً، والشروط معروفة مثل تعويم العملة الوطنية، أو على الأقل خفض قيمتها مقابل الدولار، وتوقف الحكومة عن تقديم الدعم لسلع وخدمات ضرورية للمواطن مثل الوقود بكل أنواعه، البنزين والسولار والغاز، وكذا للكهرباء والمياه، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية ورفع تكلفة المواصلات العامة، وخفض عدد موظفي الجهاز الإداري للدولة، ولاحقا وقف دعم الخبز والتعليم والصحة.
ويبدو أنّ حكومة قيس سعيد بدأت بالفعل في تنفيذ بعض هذه الشروط تمهيدا للدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي خلال شهر إبريل/نيسان المقبل.
فقد رفعت سعر الوقود 4 مرات خلال عام، وبدأت تطبيق برنامج أسمته أيضاً "الإصلاح الاقتصادي" من أبرز ملامحه تثبيت كلفة الأجور في الموازنة العامة، ولاحقاً خفض أجور الموظفين بنسبة 10%، وتجميد التوظيف في القطاع الحكومي، ووقف أيّ تعيينات جديدة في الجهاز الإداري للدولة، وتسريح بعض الموظفين وإحالتهم على التقاعد المبكر وتشجيع المغادرة الطوعية للموظفين. كما يتضمن البرنامج بيع عدد من الشركات العامة، وخفض الإنفاق العام وزيادة الضرائب، ورفع أسعار الطاقة والمواد المدعومة.
مهمة حكومة قيس سعيد في المفاوضات المقبلة مع صندوق النقد وتمرير برنامج "الإصلاح الاقتصادي" لن تكون سهلة لعدة اعتبارات، فتونس لديها مجتمع مدني قوي مثل اتحاد الشغل وغيره والذي سيرفض تمرير برنامج بهذه القسوة بحق المواطن والموظفين والأسواق، وتونس تعيش حالة احتقان سياسي زادت عقب انقلاب سعيد في 24 يوليو/تموز الماضي، وبالتالي من الصعب انتزاع توافق مجتمعي حول تلك الشروط القاسية التي تعد عربون لقروض صندوق النقد.
كما أنّه ليس بمقدور قيس سعيد فرض برنامجه الذي يصفه بالإصلاحي بالقبضة الأمنية واعتقال أي رافض لإجراءات التقشف القاسية، أو ضربه بالرصاص الحي كما حدث في دول عربية أخرى، وبالتالي فإنّه سيدخل في مواجهة مع المواطن المشحون بالغضب أصلاً.