صغار المزارعين يُطعمون المصريين ويكافحون من أجل البقاء

24 يوليو 2022
مزارعون يحصدون القمح في مصر (خالد الدسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

بينما يعاني العالم من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الطاقة والغذاء، يتبلور الدور الحاسم لصغار المزارعين في إطعام المصريين في البلد العربي الأكبر لجهة عدد السكان، لكنهم يعانون رغم ذلك ظروفاً معيشية قاسية.

ما بين المديونيات وبيع المحاصيل بالخسارة، يقول المزارع المصري زكريا أبو الدهب لوكالة "فرانس برس" من حقله الصغير في محافظة القليوبية شمال القاهرة، حيث يزرع القمح والبصل، إن "الفلاح الصغير مات"، في إشارة إلى شدة الضغوط الواقعة عليه.

وأضاف أبو الدهب بعد أن أخذ رشفة من كوب الشاي الساخن في أثناء راحة الظهيرة في ظل أحد أبراج الاتصالات المثبتة بجوار أرضه: "أحاول بيع محصول البصل، لكنني لا أجد سوقاً له. أريد فقط أن أحصّل مصروفاتي، فقد تكلفت في زراعته 20 ألف جنيه (ألف دولار تقريباً)"، سائلاً: "لا أعرف كيف سأدفع الإيجار (للأرض)".

لم تؤثر مشكلة أبو الدهب بحجم البصل المعروض في الأسواق المصرية بالتأكيد، ولكنها تعد مؤشراً على أزمات العديد من صغار المزارعين على مستوى عقبات التمويل والتسويق والبنية التحتية، ما يخلق فجوات هائلة بين العرض والطلب.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فإن أصحاب الحيازات الزراعية الصغيرة التي تقل عن ثلاثة أفدنة (12600 متر مربع) ينتجون حوالى 47% من المحاصيل الحقلية في مصر.

وبحسب منظمة فاو، تُعَدّ هذه الحقول الصغيرة "المنتج الأوّلي" للغذاء في مصر، بينما تركز الحيازات الزراعية الأكبر حجماً على الصادرات، وقد ظهرت هذه الآلية قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وتعتمد مصر على البلدين المتحاربين لتوفير نحو 80% من وارداتها من القمح، الذي تُعَدّ القاهرة من أكبر مستورديه على مستوى العالم.

وأما باقي احتياجات السوق المحلية، فتُسدَّد عبر اللجوء إلى صغار المزارعين لتسلّم حصادهم من القمح.

الحرب الروسية والواجب الوطني

وقال أستاذ علم الاجتماع الريفي صقر النور لـ"فرانس برس": "لولا نسبة الـ40% التي ننتجها محلياً من القمح، لكان الوضع أسوأ بكثير"، مشيراً إلى عواقب الحرب الروسية الأوكرانية.

في مارس/ آذار الماضي، ألزمت الحكومة المصرية مزارعي القمح بتوريد نصف محصولهم على الأقل إلى المخازن العامة، ووصفت ذلك بـ"الواجب الوطني"، في ظل الأحداث العالمية الجارية.

وبحلول يونيو/ حزيران، سلّم المزارعون أكثر من 3.5 ملايين طن من القمح للحكومة، بحسب بيانات وزارة التموين المصرية، وهو ما يجاوز نصف المستهدف من كميات القمح المحلي المقرر توريدها حتى نهاية موسم الحصاد في أغسطس/آب.

وعلّق النور على ذلك بالقول: "عندما تعرضت الدولة لضائقة قررت أن تعيد تنفيذ إجراءات كانت قد مُنعت من قبل، مثل التوريد الإجباري.. دون خدمات" عائدة على ذلك، مشيراً إلى أن دعم البذور والمبيدات والأسمدة الزراعية تراجع تدريجاً على مدى عقود.

وحتى سعر التوريد المحلي الذي كانت تعرضه الحكومة، أعلى من سعر طن القمح عالمياً، لتحفيز المزارع على التسليم، لم تعد قادرة على عرض مثله بسبب الارتفاع الشديد في الأسعار العالمية.

ويتساءل أبو الدهب، وهو يشعر بيأس شديد: "أنا مدين بالمال لبائع المبيدات، وبائع الأسمدة.. ماذا أفعل حتى أسدد؟ سأبيع (محصولي) بأي سعر رغماً عني".

النجاة من الخسائر

وتحت أشعة شمس الصباح الباكر الدافئة الممزوجة بالنسيم البارد، انتشر 17 رجلاً وامرأة في حقل صغير بمحافظة بني سويف التي تبعد 150 كيلومتراً جنوب القاهرة.

وقال المزارع محمد عبد المعز، الذي أصبح يزرع الفلفل الإيطالي في فصل الصيف بدلاً من القمح في محاولة للنجاة بنفسه من الخسائر التي يواجهها الفلاحون: "هناك من ترك الأرض تبور ومكث في المنزل"، نتيجة الخسائر المتلاحقة التي مني بها.

وجد عبد المعز شريكاً يدعمه، بدلاً من ترك الأرض، وهي شركة "مزارع" الناشئة للتكنولوجيا والتمويل في مجال الزراعة.

ويقول رائد الأعمال المصري حسين أبو بكر، إن شركته تهدف إلى "ربط المزارع الصغيرة بالنظام البيئي وأصحاب المصلحة".

وتقدم الشركة عقوداً رقمية للمزارعين وحلولاً للتمويل والدعم، كما تحدد أسعار الشراء وتلتزمها كشكل من الحماية "حتى لو انخفض سعر السوق.. قبل أن يضع المزارع فأسه في الأرض"، وفق أبو بكر.

ويضيف أبو بكر أن "مزارع" هي طريقة "توحد صوت الفلاح" وتجعله "جزءاً من منظومة"، في غياب الجمعيات التعاونية المحلية الفعالة التي أُهمِلَت بسبب "التدخل الحكومي الشديد" لتوزيع الأسمدة المدعومة.

وفي السياق، يرى أستاذ علم الاجتماع الريفي، صقر النور، أن هذه الحماية ضرورية، لأن المزارع "الحلقة الأضعف في سلسلة القيمة".

ويقول النور إن "القدرة التفاوضية للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة محدودة للغاية، خصوصاً عندما لا تكون سعة التخزين كافية لمحاصيلهم"، مضيفاً: "يجب أن يتمتع الفلاحون بحرية التنظيم حتى يتمكنوا من تأسيس تعاونيات زراعية".

المساهمون