- تراجع القدرة الشرائية في الضفة الغربية بنسبة تتراوح بين 50 و60 بالمئة بسبب عدم حصول الموظفين في القطاع العام على رواتبهم كاملة وتراجع القوة الإنتاجية في القطاع الخاص.
- الاقتصاد الفلسطيني يواجه ثلاثة أشهر عجاف مقبلة مع توقعات بتراجع القدرة الشرائية وزيادة الوضع سوءاً، مما يتطلب خطط تضامن اجتماعي وترشيد الاستهلاك لتفادي تداعيات الأزمة.
ما زال العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يلقي بظلاله على الاقتصاد الفلسطيني الذي تتوفر في أسواقه السلع الأساسية مع أسعار مناسبة مقارنة بالسنوات الماضية.
غير أن القدرة الشرائية للمواطنين الفلسطينيين تراجعت بشكل ملحوظ، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على الاقتصاد الفلسطيني الذي "يتعرض لواحدة من أكبر الصدمات المسجّلة في التاريخ الاقتصادي الحديث"، وفق ما نشرته مجموعة البنك الدولي.
أسوأ المراحل الاقتصادية
وعلى الرغم من اعتبار شهر رمضان المبارك من المواسم التجارية النشطة، إلا أن الضفة الغربية تشهد أسوأ مراحلها الاقتصادية منذ نحو 30 عامًا، وفق ما يقول مدير مديرية وزارة الاقتصاد في بيت لحم ماهر القيسي، خلال حديث مع "العربي الجديد"، مشيرا إلى أن القدرة الشرائية تراجعت لدى المواطن بنسبة تراوح بين 50 و60 بالمئة بفعل عوامل عديدة.
أبرز هذه العوامل، وفق القيسي، هو تأثر العمال الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة بالتطورات، وعددهم نحو 200 ألف عامل، بالإضافة لعدم حصول الموظف في القطاع العام على إجمالي مجموع رواتب 6 شهور بفعل الأزمة المالية، وعدم انتظام الرواتب منذ نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2021، وتراجع القوة الإنتاجية لدى القطاع الخاص بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة وتسريح عددٍ كبير من العمال لديه.
هذه العوامل جعلت العرض السلعي التجاري في السوق الفلسطيني يرتفع، مقابل طلب منخفض لدى المستهلك، كما يقول القيسي، الذي يعزو ذلك إلى تراجع السيولة النقدية بشكل كبير لدى المواطن مقارنة بالأعوام السابقة، ما يوحي باستمرار الحركة التجارية لكن بشكل بطيء، مشيرًا إلى إن المبيعات انخفضت لدى تجار اللحوم على سبيل المثال باعتبارها حاجة أساسية في شهر رمضان، بنسبة تراوح ما بين 40 و60 بالمئة، وفق متابعات الوزارة الميدانية.
قدرة شرائية ضعيفة
من جانبه، أشار أمين سر اتحاد الغرف التجارية والصناعية سمير حزبون، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى غياب مبلغ نحو 11 مليار شيكل منذ بدء الحرب كانت تتدفق للسوق الفلسطيني من الحركة الشرائية للعمال في الأراضي المحتلة، مع انخفاض دخل الموظف الفلسطيني بنسبة 35 بالمئة، تزامنًا مع ارتفاع متذبذب بأسعار بعض السلع نظرًا لارتفاع تكاليف النقل، وسط ارتفاع نسبة البطالة في القطاع الخاص لنسبة تصل إلى 38 بالمئة. وأكد حزبون أن كل ذلك أدى إلى الوصول لقدرة شرائية ضعيفة.
ويعتقد أمين سر اتحاد الغرف التجارية والصناعية أن استمرار العدوان على غزة سيكبّد القطاع الاقتصادي الفلسطيني خسائر غير مسبوقة، وسط غياب أفق اقتصادي آمن، لا سيما بعد بدء استهلاك الناس مدّخراتهم المالية بهدف تغطية الحاجة الشرائية، بمعنى صرف الأموال التي كانت مخزّنة للأزمات بهدف شراء حاجات أساسية في شهر رمضان؛ ذلك كله يشير إلى احتمال وصول المواطن إلى مرحلة من انعدام القدرة على شراء الأساسيات في المرحلة التي تلي شهر رمضان.
ويلفت حزبون إلى أن التجار باتوا يلجأون إلى بيع البضاعة المكدّسة عندهم بسعر الكلفة، أو بأقل منها، بهدف الحصول على مبالغ نقدية ملموسة، لتغطية الالتزامات والشيكّات الواجبة عليهم، وهذا يعني انخفاض نسبة الأرباح، وبالتالي انعكاس ذلك على العامل في القطاع التجاري، وعلى استمرارية بعض القطاعات في الصمود والبقاء داخل السوق.
أشهر عجاف
ومن المتوقع، وفق حزبون، أن يمر السوق الفلسطيني بثلاثة أشهر "عجاف" خلال المرحلة القادمة، حسب تعبيره، وأنه لا حلول أمام المواطن إلا ترشيد الاستهلاك، ووضع خطط تضامن اجتماعي مع أصحاب الدخل المنخفض، لتفادي المرحلة الحالية، وما دون ذلك، يعني أن الاقتصاد الفلسطيني بحاجة إلى معجزة وسط حالة نفور من الاستثمار في الأسواق التجارية.
ويقول القيسي: "نحن مقبلون على أيام عيد الفطر التي تشهد سنويًا حركة تجارية نشطة، وما لم تتحسن الحركة التجارية والقدرة الشرائية، فإن الكثير من المحلّات ستضطر لإغلاق أبوابها، وخاصة أن السوق يشهد انتكاسات عديدة في القطاعات التجارية المختلفة، وتحديدًا الإنشائية التي تراجعت بنسبة 80 بالمئة، أي أنها شبه متوقفة عن العمل، بالإضافة لقطاعات أخرى مثل البناء ومصانع البلاستيك والإسفنج".
ونشر المركز الفلسطيني للإحصاء، الأحد الماضي، بيانًا حول انخفاض الصادرات في السوق الفلسطيني لشهر يناير/ كانون الثاني من هذا العام بنسبة 15 بالمئة، بالإضافة إلى انخفاض الواردات بنسبة 34 بالمئة مقارنة مع شهر يناير من العام الماضي، بالإضافة إلى انخفاضها من إسرائيل بنسبة 30 بالمئة، وبنسبة 39 بالمئة من مختلف دول العالم.
انخفاض الواردات من شأنه أن ينعكس على أموال المقاصة وتحصيلها، وما يترتب عليه من اعتباره أهم موارد السلطة الفلسطينية المالية، حيث يشير القيسي إلى أن العائد الضريبي في الوضع الطبيعي يراوح شهريًا ما بين 800 و900 مليون شيكل، بينما في الشهر الماضي، بلغ العائد نحو 400 مليون شيكل، ما يعني تراجعًا واضحًا في الوضع الاقتصادي الذي يعتبر انخفاض القدرة الشرائية أبرز نتائجه.