وبينما كان العالم يترقب صدمة اليونان وإعلان افلاسها من قبل الدائنين وطرها من منطقة اليورو، إذا به يتلقى صدمة الصين العظيمة التي شهدت أسواقها حالة من الذعر الشديد أدت إلى تكبد بورصتها خسائر فادحة تقدر بنحو 3.2 تريليون دولار خلال أقل من شهر، وفقدان الأسهم نحو 30% من قيمتها. بالطبع فقد دعم اضطراب البورصات الصينية وأسواق المال بها مخاوف المستثمرين من زعزعة استقرار النظام المالي العالمي برمته، والذي يواجه مشاكل كبيرة، من بينها أزمة ديون اليونان والصراعات والقلاقل الدولية والحروب الاقتصادية ونقص السيولة وحروب منطقة الشرق الأوسط.
مؤشرات الأزمة الصينية لا تقتصر فقط على الهبوط الكبير في أسعار أسهم بورصة شنغهاي، فهناك مؤشرات أخرى أكثر خطورة، منها تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني إلى 7% في الربع الأول من العام 2015، وهو أضعف أداء له منذ 6 أعوام. ومن المتوقع، أن تشهد الصين بنهاية العام الحالي أضعف معدل نمو تسجله منذ ربع قرن، وهذا التباطؤ يقلص الإيرادات العامة وفرص العمل، وربما يؤثر سلبا على الصادرات أحد أبرز موارد احتياطي النقد الأجنبي، وهناك أيضاً فقاعات اقتصادية في القطاع العقاري وقطاعات إنتاجية أخرى، بشكل قد ينجم عنه أزمة ائتمان في هذه القطاعات وتعثرها عن سداد مليارات الدولارات المستحقة على المؤسسات العاملة بها كما حدث داخل أميركا في أغسطس/آب 2008.
دعنا من صدمة البورصة الصينية لأنها قد لا تعبر عن أوضاع الاقتصاد في بعض الأحيان، ولننظر لمؤشرات أخرى منها احتياطي النقد الأجنبي للصين الذي شهد ارتفاعا سريعا في السنوات الأخيرة مع تنمية الاقتصاد الموجه للتصدير وفتح أسواق خارجية، حيث شهدت الصين خلال الشهور الماضية هروب مليارات الدولارات من سوق المال والصرف، بخاصة الأموال التي توصف بالساخنة، ليسجل الاحتياطي هبوطا قياسيا خلال الربع الأول من العام الجاري، حيث فقد نحو 79.5 مليار دولار، كما شهد أيضا انخفاضا بنحو 29.3 مليار دولار بالربع الأخير من العام 2014، ومن المتوقع أن تزيد وتيرة تراجع الاحتياطي الأجنبي مع الهزة الأخيرة التي أصابت البورصة الصينية.
ومن المؤشرات المقلقلة، ليس للاقتصاد الصيني فقط بل للاقتصاد العالمي وبخاصة الخليجي، تراجع معدل طلب الصين الضخم على المواد الخام العالمية وفي مقدمتها النفط والمعادن، علما بأن الصين استوردت في عام 2014 ما يقرب من 6.2 ملايين برميل من النفط يوميا، منها حوالي 3.1 ملايين برميل من منطقة الشرق الأوسط، توزعت ما بين 989 ألف برميل من السعودية، 573 ألف برميل من العراق و546 ألف برميل من إيران.
وهناك أيضا انخفاض في نسبة استثمارات الأصول الثابتة داخل الصين بنحو 12% على أساس سنوي لتسجل 1.96 تريليون دولار خلال الربع الأول من العام الجاري حسب بيانات أصدرتها الهيئة الصينية العامة للإحصاء.
كل هذه مؤشرات تقول إن الاقتصاد الصيني يدخل مرحلة خطرة رغم ما تفعله الصين حاليا للحيلولة دون انهيار الاقتصاد، أو على الأقل الحفاظ على معدل نمو وتأكيد مجلس الوزراء الصيني، الأربعاء، إن البلاد تخطط لإنفاق 250 مليار يوان (40.3 مليار دولار)، لتحفيز النمو في قطاعات الاقتصاد الأكثر احتياجا للدعم.
في السنوات الماضية كان الرهان على الصين في قيادة الاقتصاد العالمي العليل والمنهار منذ العام 2008 على خلفية الازمة المالية التي انطلقت من أميركا وانتقلت لأوروبا ثم لأسواق العالم، وكانت الصين تمتلك مؤهلات مالية واقتصادية وبشرية وتصنيعية وتسويقية للقيام بهذا الدور، فلديها معدل نمو قوي فاق في بعض السنوات 13% مقابل معدل نمو سلبي او ضعيف بمنطقة اليورو والولايات المتحدة، ولديها احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي تفوق 4 تريليونات دولار.
أضف الى ذلك الإمكانات الضخمة التي تتمتع بها الصين من أيدٍ عاملة وسوق ضخم يتجاوز أكثر من مليار نسمة وصناعة قوية خاصة في مجالات الالكترونيات والتقنيات الحديثة، اما الآن فإن التخوف من ان تقود الصين العالم نحو الانزلاق نحو أزمة مالية عالمية تساعدها في ذلك أزمة اليونان المعقدة .
ولو سقطت الصين فإنها ستأخذ كل دول العالم نحو الهاوية بما فيها أميركا نفسها، فالبلد الأسيوي الأكبر يمتلك استثمارات ضخمة داخل اميركا، و70% من الاحتياطي الصيني الأجنبي مستثمر في الدولار الأميركي وداخل بنوك وسندات خزانة واذون أميركية، وسحب كل هذه الأموال من سوق لم يستفق بعد من آثار أزمة 2008 يمكن أن يسبب كارثة مالية له وللصين أيضاً.
اقرأ أيضا: واندلعت شرارة الأزمة المالية الجديدة