يواجه أصحاب المنازل في المملكة المتحدة تحديات مالية متنامية في ظل الارتفاع المستمر لمعدلات الرهن العقاري الثابتة، حيث تتزايد الضغوط المالية على المستهلكين، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة والتحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد.
ووفقًا لشركة المعلومات المالية في المملكة المتحدة، "Moneyfacts"، ارتفع متوسط معدل الرهن العقاري السكني لمدة عامين إلى 6.23% في 26 يونيو/حزيران، متجاوزًا الرقم السابق البالغ 6.19%. ويمثل ذلك أعلى مستوى في سبعة أشهر منذ اضطرابات سوق العقارات، بعد الميزانية المصغرة في 16 نوفمبر/تشرين الثاني.
وتعزز هذه الأرقام الارتفاع المستمر لأسعار الفائدة في المملكة المتحدة، وذلك بعد قرار بنك إنكلترا الأخير برفع أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية في 22 يونيو/حزيران الجاري. ومعروف أن هذا الارتفاع في أسعار الفائدة يزيد من أعباء تكاليف الرهن العقاري على أصحاب المنازل.
وما يزيد من القلق هو التناقض الواضح بين تكاليف الرهن العقاري في المملكة المتحدة ونظرائهم وبالمثل، ارتفع متوسط معدل الرهن العقاري الثابت لمدة 5 سنوات بشكل طفيف إلى 5.86% من 5.83% في 23 يونيو/حزيران، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ نهاية نوفمبر/تشرين الثاني.
وتأتي هذه الارتفاعات في أسعار الفائدة في أعقاب قرار بنك إنكلترا الأخير بزيادة أسعار الفائدة، مما أدى إلى وصول سعر الفائدة البنكي إلى ذروته لمدة 15 عامًا عند 5%.
وفي استطلاع حديث أجرته رويترز، توقعت لجنة من الاقتصاديين أن تصل أسعار الفائدة في المملكة المتحدة إلى ذروتها عند 5.5% خلال موسم الخريف المقبل. ويتوقع الاقتصاديون، ارتفاعين متتاليين بمقدار ربع نقطة في الفائدة البريطانية في أغسطس/آب والآخر في سبتمبر/أيلول.
ويبدو أن المخاوف المتزايدة للبنك المركزي بشأن استمرار ارتفاع معدلات التضخم في بريطانيا، التي تظهر علامات على أنها قد تستغرق وقتًا أطول للانخفاض كانت الدافع وراء هذه الارتفاعات المتوقعة في أسعار الفائدة.
وتستمر توقعات السوق في الإشارة إلى أن أسعار الفائدة في المملكة المتحدة ستصل إلى 6% بحلول نهاية هذا العام، مما يعكس زيادة عن المعدل الحالي البالغ 5%. في الوقت الحالي، تشير تقديرات السوق إلى احتمالية شبه متساوية بأن يزيد بنك إنكلترا مرة أخرى أسعار الفائدة بشكل كبير، خلال اجتماعه المقبل في أغسطس/آب. وفي حال حدوث ذلك، من المحتمل أن يرتفع المعدل الأساسي إلى 5.5%، مما يُظهر الطبيعة الديناميكية للمشهد المالي.
وفي تطور ملحوظ، شهد سوق الرهن العقاري زيادة في مجموعة متنوعة من العروض المتاحة، مما وفّر للمقترضين نطاقاً أوسع من خيارات عروض الرهن العقاري. وفي المقابل، أظهر تحليل حزب العمال الأخير تناقضًا مقلقًا يواجه أصحاب المنازل في المملكة المتحدة، حيث قال إنهم تكبّدوا تكاليف رهن عقاري أعلى بكثير، مقارنةً بنظرائهم في دول أوروبية أخرى.
مع ذلك، فإن هذا التفاوت المالي البارز كان ماثلاً قبل تأثير قرار رفع سعر الفائدة في 22 يونيو/حزيران، الذي شهد زيادة نصف نقطة مئوية في أسعار الفائدة في المملكة المتحدة. وبناءً على ذلك، واجه ملاك المنازل البريطانيون إشكالية تحمّل تكاليف الرهن العقاري التي تزيد بآلاف الجنيهات الاسترلينية عن تلك التي يتحملها نظراؤهم الأوروبيون.
وهذا الوضع يعكس الهموم المستمرة لأصحاب المنازل في المملكة المتحدة، حيث يواجهون ضغوطًا مالية متزايدة نتيجة ارتفاع معدلات الرهن العقاري الثابتة وتكاليف الرهن الباهظة. وبالتزامن مع رفع سعر الفائدة الأخير، تزداد الأعباء المالية على أصحاب المنازل وتتسبب في تدهور الاستقرار الاقتصادي والمالي للعديد من الأسر في المملكة المتحدة.
وتعكس هذه الظاهرة الفجوة المتنامية بين مستوى تكاليف الرهن العقاري في المملكة المتحدة ونظيراتها الأوروبية، وهو أمر يشير إلى تراجع قدرة العائلات البريطانية على تحمل تكاليف التملك العقاري. وهو ما يعدّ تحديًا حقيقيًا للسياسيين وصنّاع القرار في المملكة المتحدة، حيث يجب عليهم التركيز على تطوير سياسات سكنية شاملة تعمل على تقليل تكاليف الرهن العقاري وتوفير فرص أكبر للإسكان ميسور التكلفة.
وفي آخر تحديث للوضع الحالي لمعدّلات الادّخار، كشفت شركة المعلومات المالية البريطانية عن ارتفاع مماثل لتلك التي لوحظت في معدلات الرهن العقاري. وأدّى هذا التحول التصاعدي في معدلات الادّخار إلى زيادة الضغط على البنوك البريطانية لتمرير أسعار الفائدة المتزايدة للمدّخرين.
وقد أثار أعضاء البرلمان مخاوفهم لأن تعديلات أسعار الفائدة للمدّخرين لم تواكب ارتفاع معدلات الفائدة المقدمة للمقترضين. وبالتالي أدّت معدلات الرهن العقاري المتزايدة التي تمتلك أرقامًا قياسية إلى سعي أعداد متزايدة من المشترين في الحصول على قروض طويلة الأجل تصل إلى 30 عامًا، في محاولة لتخفيض أقساطهم الشهرية.
ووفقًا لهيئة التجارة البريطانية، فإن أقل من الخمس، أي نحو (19%) من جميع القروض التي حصل عليها المشترون لأول مرة في مارس/آذار الماضي كانت لمدة 35 عامًا أو أكثر، بينما حصل أكثر من نصفهم على قروض لأكثر من 30 عامًا.
يأتي ذلك بالرغم من أن البيانات التي أصدرها بنك هاليفاكس البريطاني تشير إلى انخفاض أسعار المساكن، حيث شهدت أول انخفاض سنوي في الأسعار منذ عام 2012 في شهر مايو/أيار.
توجيهات البنوك
بدأت البنوك في اتخاذ إجراءات حذرة، نظرًا لتوقع التقلبات في أسواق أسعار المبادلة التي يعتمد عليها المقرضون عادةً لتسعير الرهون العقارية. وبالفعل غيّر بنك "أتش أس بي سي"، معدلات الرهن العقاري الخاصة به عدة مرات خلال الأسبوعين الماضيين وسحب بعض الصفقات بسبب الطلب المرتفع قبل الإعلان عن أخبار أسعار الفائدة.
وفي 26 يونيو، أبرم البنك صفقة قياسية ثابتة لمدة عامين بمعدل فائدة مبدئي ثابت يبلغ 5.29% حتى أغسطس 2025، تليها فائدة متغيرة حاليًا تبلغ 6.99%.
وهذه الصفقة تبيّن استراتيجية البنك في التعامل مع التقلبات الحالية في أسعار المبادلة والتأكيد على الاستقرار والتوازن. علاوة على ذلك، قدم البنك صفقة لمدة ثلاث سنوات بمعدل فائدة مبدئي يبلغ 5.49%، قبل أن يرتفع إلى المعدل المتغير البالغ 6.99%.
ومن الواضح أن هذه العروض تهدف إلى تلبية احتياجات المقترضين الذين يبحثون عن استقرار في مصروفاتهم وحماية أنفسهم من التقلبات المحتملة في أسعار الفائدة. وبالنسبة لمشتري المساكن المحتملين، قدم البنك فرصة للحصول على معدل ثابت قدره 4.89% لمدة خمس سنوات. وهذا يعني أنهم سيستفيدون من استقرار أقساط الرهن العقاري ذي السعر الثابت.
ومن جهته، رفع بنك "نيشن وايد"، بعض معدلات الرهن العقاري الثابتة للمقترضين الجدد. وقد جاء هذا القرار نتيجة لرغبة البنك في ضمان استمرارية الأسعار ومواجهة التحديات الحالية في سوق الرهن العقاري.
أمّا مصرف "لويدز بانك"، فحذّر في الشهر الماضي من قفزة في متأخرات الرهن العقاري مع ارتفاع أسعار الفائدة. وقال إنّه سيؤمّن رهناً عقارياً لمنزل بسعر 350.000 جنيه إسترليني في حال إيداع 90.000 جنيه إسترليني لمدة 25 عامًا بمعدل أولي قدره 6.11% لأولئك الذين يأخذون صفقة بسعر ثابت لمدة عامين و5.64% إذا اختاروا صفقة مدتها خمس سنوات.
كذلك، رفع وسطاء هاليفاكس أسعار الفائدة الثابتة منذ حوالي أسبوعين، بزيادة قدرها 0.82 نقطة مئوية. وللحصول على رهن عقاري بسعر ثابت لمدة عامين بنفس الشروط المذكورة أعلاه، أي عقار قدره 350،000 جنيه إسترليني، فإن المعدل الأولي هو 5.51%. وبعد أغسطس/آب 2025 يبدأ المعدل المتغير البالغ 7.99%.
من جانبه، حذّر الرئيس التنفيذي لبنك "باركليز" فينكاتاكا ريشنان، من صدمة دخل ضخمة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على مالكي المنازل والمستأجرين. وقدر أن مدفوعات حاملي الرهن العقاري والمستأجرين ستأخذ جزءًا يتراوح بين 28% و30% من دخلهم، مقارنة بـ20% في السنوات السابقة.