يطرح البنكان الأهلي المصري ومصر، أكبر بنكين تابعين للدولة، غداً الأربعاء، 4 شهادات دولارية للمصريين والأجانب بحد أدنى ألف دولار.
عائد الشهادات يعد مغرياً وقياسياً إلى حد ما، إذ يبلغ 7% سنوياً، وبالتالي يعد الأعلى داخل القطاع المصرفي منذ نحو 40 عاماً، ومن المتوقع أن تبادر بنوك مصرية عامة وخاصة وعربية وأجنبية بطرح شهادات مماثلة، وبعائد قريب من الفائدة الممنوحة من قبل البنكين.
الشهادات الجديدة لاقت استحسانا من قبل مصرفيين واقتصاديين، في حين تلقفهما البعض بمزيد من التشكك والريبة، خاصة في جدواها في وقف قيمة العملة المحلية في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الفائدة على الدولار على مستوى العالم، واحتمال رفع البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة غدا للمرة الـ 11 على التوالي منذ شهر مارس 2022.
دعونا نتفق بداية على أن البنكين الأهلي ومصر هما الذراع المالية للحكومة، وأبرز أدوات البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية، وبالتالي فإن الخطوة التي أقدما عليها من طرح الشهادات الدولارية تأتي في إطار محاولات حكومية لإعادة الانضباط لسوق الصرف المضطرب، وإحباط أي تعويم قريب للجنيه، أو على الأقل تأخيره بعض الوقت لالتقاط الأنفاس.
وكذا محاولة الحد من تأثيرات السوق السوداء الخطيرة التي تعد أحد مظاهر توتر العلاقة بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، ومصدر قلق كبير للمستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. وكذا مصدر قلق للمدخرين المصريين.
هذه نقطة جوهرية، أما عن النقاط الأخرى فيمكن رصدها في الآتي:
أولاً:
سعر الفائدة المطروح على الشهادات الجديدة والبالغ 7% لا يُعد مبالغاً فيه كثيراً، كما يحاول البعض أن يصور، فالبنوك العاملة في دول الخليج الثرية تمنح سعر فائدة 5% سنوياً على الودائع بالدولار، رغم توافر سيولة دولارية ضخمة لديها، وعدم معاناتها من شح في النقد الأجنبي، كما هو الحال في الحالة المصرية. وكذا البنوك العاملة في دول عربية أخرى والتي يتراوح السعر ما بين 5 و6% باستثناء الدول التي تعاني من أزمات مالية حادة.
ثانياً:
البنوك المصرية تسعى بشكل قوي لجذب مزيد من السيولة الدولارية، يساعدها في تحقيق أهداف عدة، أبرزها إعادة ردم الفجوة الدولارية التي تعاني منها، والبالغة نحو 24.3 مليار دولار، وفق أحدث الأرقام، كما تحاول البنوك، من خلال جمع تلك السيولة، تلبية احتياجات المستوردين والتجار من النقد الأجنبي، ومعالجة مشكلة تراكم البضائع المكدسة في الموانئ، والتي بحاجة إلى 5.5 مليارات دولار.
ثالثاً:
السيولة التي يمكن أن تجمعها البنوك من خلال طرح الشهادات الدولارية يمكن أن تساعد في تغطية اكتتابات أدوات الدين، سواء سندات أو أذون خزانة، والتي يطرحها البنك المركزي أو وزارة المالية بالنقد الأجنبي من وقت لآخر، وتساعد المركزي في إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي، أو سداد أعباء ديون خارجية.
رابعاً:
ما تقوم به البنوك من طرح شهادات دولارية بعائد قياسي، يمكن أن يساعدها في جمع جزء من السيولة الدولارية الضخمة الموجودة في بيوت المصريين و"تحت البلاطة"، وبالتالي تخفيف المضاربة في سوق الصرف بعض الشيء، وتخفيف تغذية السوق السوداء بسيولة جديدة.
خامساً:
وفق تصريحات محمد الأتربي، رئيس اتحاد بنوك مصر، ورئيس بنك مصر، فإن لدى القطاع المصرفي ودائع دولارية تبلغ نحو 50 مليار دولار، وبالتالي فإن البنوك لا تعاني، وفق التصريح، من شح شديد في النقد الأجنبي كما يردد البعض، بل تكمن المشكلة في إيرادات الدولة الدولارية، والالتزامات الضخمة المستحقة عليها، سواء لأغراض الديون الخارجية، أو كلفة الواردات، أو كبح ظاهرة "الدولرة" الخطيرة والتي تفشت في المجتمع المصري.
سادساً:
الشهادات الجديدة يمكن أن تجذب سيولة دولارية من الخارج، سواء من قبل المصريين المغتربين، أو الأجانب الذين يغريهم العائد العالي، لكن جزءاً من هؤلاء يحتاج إلى ضمانات ورسائل طمأنة عملية من وقت لآخر، خاصة في ما يتعلق بالجزء الخاص بضمان استرداد أموالهم في المواعيد المتفق عليها.
سابعاً:
بغض النظر عن تلك الاعتبارات وغيرها، فإن السؤال المطروح هنا هو عن أوجه استثمار حصيلة الشهادات الدولارية، ما المجالات التي يمكن أن تحقق عائداً يبلغ نحو 10% سنوياً، وربما أكثر، بحيث يحصل المدخر على 7%، والباقي يؤول للبنك في شكل إيرادات ومصروفات إدارية، وتغطية مخاطر.
ثامناً:
إذا أرادت البنوك، ومعها الحكومة، نجاح هذه الشهادات الدولارية، فيجب أن تحسن إدارة حصيلتها، بحيث لا توجه لتمويل مشروعات لا تدر عائداً بالنقد الأجنبي، حتى لو كانت قطاراً كهربائياً، أو مباني إدارية وحكومية في العاصمة الإدارية، أو مشاريع بنية تحتية، وأن تكون الأولوية لإعادة بناء أرصدة البنوك الدولارية التي تراجعت بشدة في السنوات الأخيرة، وتمويل واردات الحبوب والوقود والسلع الاستراتيجية.