شمول موازنة مصر ومصير الصناديق المحصنة

29 مارس 2024
تأثيرات تطاول المواطنين (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الحكومات المصرية تتبع نهج إعادة هيكلة الهيئات الحكومية لتحسين الأداء، لكن غالبًا ما كان التركيز على الشكل دون المضمون. مؤخرًا، وافقت على مشروع قانون لضم الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة لتحقيق شمول الموازنة والسيطرة على الدين العام بشكل تدريجي على مدى 5 سنوات.
- هذه الخطوة تأتي في ظل أزمة اقتصادية، حيث تواجه مصر تحديات مثل العجز المستمر وتضخم الديون. الضم يهدف لتحقيق شفافية أكبر وتحسين الوضع المالي، لكن يواجه تحديات في إدارة الاستثمارات وتحديد أسعار السلع والخدمات.
- التعديل يعد فرصة لتحسين إدارة الهيئات الاقتصادية وشركات القطاع العام بتركيز على الكفاءة والمحاسبة، ويُتوقع أن ينهي فوضى الرواتب ويساهم في تعديل هيكل الأجور. يتطلب الأمر شفافية وتوضيحًا من الحكومة لضمان تحقيق التغيير المنشود.

دأبت الحكومات المصرية على مدار العقود الماضية، على ممارسات مثيرة للعجب، من ضم وفصل هيئات وإدارات، والزعم أن وراء هذه الخطوات تحسين الأداء، لكن الواقع أفرز نتيجة يلمسها الجميع، وهي أن هذه التغييرات تُعنى بالشكل دون المضمون، ولم تسفر عن قيمة مضافة. وفي ضوء رصد أحدث هذه الممارسات، ما نشره موقع وزارة المالية المصرية، ووسائل الإعلام، بناء على تصريح وزير المالية محمد معيط، من أن الحكومة وافقت على مشروع قانون بشأن ضم الهيئات الاقتصادية للموازنة العامة للدولة، لتحقيق مبدأ شمول الموازنة، والسيطرة على سقف الدين العام للحكومة، وحسب التصريح، فإنّ الحكومة قد أحالت مشروع القانون لمجلس النواب.

وينتظر حسب ما أعلنه الوزير، أن يتم تطبيق الضم الكامل للهيئات الاقتصادية للموازنة بشكل تدريجي وعلى مدار 5 سنوات، وأن تكون البداية مع العام المالي 2024/ 2025، علماً بأن عدد الهيئات يصل إلى 59 هيئة. وتأتي هذه الخطوة في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة في مصر، وبخاصة تلك المشكلات المتعلقة بالموازنة العامة للدولة من عجز دائم، وتضخم في المديونية، ظهرت خطورتها بشكل أكبر، من خلال بيانات نشرتها وزارة المالية، بتقريرها المالي الشهري في ديسمبر 2023، من كون زيادة فوائد الديون عن إجمالي الإيرادات العامة، خلال الفترة من (يوليو 2023 – يناير 2024، إذ بلغ إجمالي الإيرادات خلال الفترة 951.9 مليار جنيه، بينما بلغت فوائد القروض 962.8 مليار جنيه.

علاقة الهيئات الاقتصادية بالموازنة

المفترض أن تعبر الموازنة العامة عن حقيقة الوضع المالي للدولة، ولذلك يعد مبدأ الشمول من أهم خصائص تلك الموازنة. لكن الواقع في مصر مختلف، فثمة تعديلات عدة تمت على قانون الموازنة العامة، جعلت الوصول لحقيقة الوضع المالي العام أمرا صعبا. ففي عام 1979، تم تعديل قانون الموازنة العامة للدولة، ليفصل موازنة الهيئات الاقتصادية عن الموازنة، وجعل العلاقة بين تلك الهيئات والموازنة، هي علاقة العجز والفائض. بمعنى أن تُعد هذه الهيئات موازناتها بعيدًا عن الموازنة العامة، وما يتحقق من أرباح لهذه الهيئات يحول للخزانة العامة، وكذلك ما تسفر عنه أعمالها من خسائر تتحملها الموازنة.

وكذلك جرى الأمر لشركات قطاع الأعمال العام، حيث تمارس أنشطتها، وتدبير استثماراتها، وبقيت علاقاتها بالموازنة هي علاقة العجز والفائض. أما عن الحسابات والصناديق الخاصة، فحدث ولا حرج، حيث سمحت عدة قوانين على مدار العقود الماضية بإنشائها، وأبرزها قوانين الموازنة العامة، والإدارة المحلية، والجامعات، والبنك المركزي.

وبعد عام 2013، أُنشئت صناديق بقوانين خاصة، جعلتها شبه محصنة من الرقابة المكفولة لمجلس النواب، مثل صندوق "تحيا مصر" وصندوق "مصر السيادي"، وعلى سبيل المثال فالصندوق السيادي لا تؤول نتائج أنشطته إلى الموازنة العامة، بل ترحل للسنوات المقبلة، وهو ما حرم الموازنة من موارد مهمة، وبخاصة أن رأس مال الصندوق يأتي من خلال حصوله على الأصول الرأسمالية للدولة.

أداء سلبي

حسب بيانات البيان المالي لموازنة العام المالي الحالي 2023/2024، قدر صافي علاقة الهيئات الاقتصادية بالموازنة بخسائر 169.7 مليار جنيه في العام المالي 2022/2023. فقد حولت هذه الهيئات مبلغ 184.9 مليار جنيه للموازنة عام 2022/2023، بينما حصلت على قروض ومساهمات 245.6 مليار جنيه، أما في مشروع موازنة 2023/2024، فقد ارتفع صافي علاقة الموازنة العامة بهذه الهيئات إلى خسائر بنحو 182.5 مليار جنيه.

ومن الهيئات التي تحقق فائضاً ويحول للموازنة كل عام، منذ سنوات، على سبيل المثال، قناة السويس، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والهيئة العامة للبترول، بينما الهيئات التي تشكل عبئًا وخسائر للموازنة على سبيل المثال، اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهيئة السكة الحديدية.

تحديات التطبيق والثمار المنتظرة

بعد أكثر من 40 عاماً من انفصال هذه الهيئات عن الموازنة، فإنها رتبت أوضاعًا إدارية ومالية، تتطلب ما يواكب التعديل المنتظر، لكن المفترض أن هذه الهيئات تدبر أمور استثماراتها بنفسها، بالإضافة إلى الدعم الحكومي لبعضها. فهل سيستمر الوضع على ما هو عليه فيما يتعلق بتدبير الاستثمارات، أم سيتم ضم أمر استثماراتها للبند السادس بالموازنة العامة، والخاص بالاستثمارات العامة، وهنا سنجد أن الموازنة عادت مرة أخرى لتمول أنشطة خدمية وإنتاجية. وسيكون هناك تحد آخر، يتعلق بتحديد أسعار سلع وخدمات هذه الهيئات، وهل سنعود لإشكالية الأسعار الاجتماعية مرة أخرى، وهو أمر إذا تم العمل به، فسيعمل على تفاقم أزمة الدين العام، وليس السيطرة عليها كما يزعم التعديل المنتظر.

وثمة تحد آخر، في حالة التطبيق الكامل وضم كافة الهيئات الاقتصادية للموازنة، فإن هناك بعض الهيئات بحكم قانون إنشائها، تتمتع بميزة ترحيل فائض نشاطها للأعوام القادمة، ولا يحول للموازنة. ويستلزم الأمر تعديل قوانين هذه الهيئات ليطبق عليها التعديل التشريعي المنتظر. وسيكون التحدي الأكبر أمام تطبيق التعديل المنتظر، هو السيطرة على الصناديق الخاصة داخل هذه الهيئات، فهل ستظل هذه الصناديق تعمل وفق لوائح أو قرارات إنشائها، أم سيتم ضمها بالكامل للموازنة؟

ولعل من المفيد هنا أن نذكر، أنه إذا كانت هناك نية صادقة لتطبيق مبدأ شمول الموازنة أن يتم بالفعل ضم صندوقي "تحيا مصر" و"الصندوق السيادي" للموازنة العامة، لكي تمكن السيطرة الكاملة على الجزء الأكبر من الموارد العامة للدولة، والخروج من الأزمة المالية الخانقة. أما عن الثمار المنتظرة من التشريع الجديد، فهي متعددة، ومنها على سبيل المثال، أن ترفع الحكومة يدها عن إدارة هذه الهيئات، وأن تكون الإدارة تعتمد على مبدأ الكفاءة والمحاسبة، وليس فرض أهل الثقة.

وأن تنتهي فوضى الرواتب داخل أروقة هذه الهيئات، ولتكن فرصة لتقوم الحكومة بتعديل حقيقي لهيكل الأجور والمرتبات، لكل العاملين بها، سواء في تلك الهيئات أو شركات قطاع الأعمال العام أو في القطاع الخدمي. فلا يزال التفاوت قائمًا بين أصحاب المهنة الواحدة، من حيث الرواتب والمكافآت، وعلى سبيل المثال في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والهيئة العامة لقناة السويس، أو الهيئة العامة للبترول، وكذلك في باقي المؤسسات التابعة للحكومة سواء في الهيئات أو غيرها.

ويرتجى أن تتم عملية الضم، من خلال الكفاءات والمؤسسات الحكومية، ومن موارد ذاتية، ولا نفاجأ بأن الحكومة قد حصلت على قروض من جهات خارجية من أجل تنفيذ عملية الضم، أو أن تشترط الجهات المانحة أن تتم عمليات الضم، من خلال مؤسسات القطاع الخاص، أو بعيداً عن الأجهزة الرقابية. كعادة الحكومة في ما تقوم به من خدمات، فإنها تقدم وعودا عامة، ولا تلتزم بنتائج محددة، فهذه الخطوة كانت تتطلب الإشارة بشكل واضح وصريح، ما أسفرت عنه التجربة الماضية لفصل الهيئات الاقتصادية عن الموازنة، من سلبيات، والحديث بصراحة عن تكلفة اقتصادية وموارد مهدرة بسبب الوضع القائم.

كما يلزم أن توضح الحكومة ما سيسفر عنه التعديل المنتظر من نتائج محددة، ولو تقريبية، في ما يتعلق بالعوائد المالية، والخطوات المؤدية لترشيد الدين العام، حتى لا نظل في دوامة التغيير بدون نتائج. وإذا كانت الحكومة جادة في تطبيق مبدأ شمول الموازنة، فهل يمكنها العمل على ضم المؤسسات الاقتصادية المدنية للجيش إلى الموازنة العامة.

المساهمون