ألقت أزمة السيولة وقفزات الدولار أمام الجنيه بظلالها القاتمة على المشروعات المنفذة في مصر، بخاصة في ما يسمى مدن الجيل الرابع وعلى رأسها العاصمة الإدارية.
وفي هذا السياق، شكا مقاولون منفذون يعملون مع شركات مقاولات مملوكة لأجهزة وجهات سيادية في تلك المشروعات مما اعتبروه "تعمدا" في عدم استلام الاستشاريين العاملين مع هذه الشركات والجهات للأعمال المنفذة بحجة عدم جاهزيتها بالشكل الأمثل، وبالتالي تأخير مستحقاتهم.
واتهم أبو علاء، وهو اسم مستعار لمقاول يعمل في أحد مشروعات العاصمة الإدارية، الاستشاريين بإصرار الشركات والجهات المشرفة على الأعمال على عدم الاستلام، بل التذرع بوجود عيوب أو نقص في العمل الذي جرى تنفيذه.
وتابع متحدثاً لـ"العربي الجديد": هي حيلة لتأخير منحنا مستحقاتنا لانعدام توافر الأموال لدى شركات المقاولات الكبيرة التي تتولى المشروعات الكبرى.
بدوره، ألمح مقاول من الباطن يعمل بإحدى مشروعات العاصمة الإدارية التي تتولاها تلك الشركات، إلى تراكم مستحقات العديد من المقاولين لدى الشركات التي تشكو بدورها من عدم استلام الدفعات السابقة من مستحقاتها لدى الدولة، بسبب الأزمة الاقتصادية بالبلاد.
وأوضح المتحدث الذي رفض ذكر اسمه في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ حيلة إغراء الشركات بتعاقدات جديدة مقابل تسليم دفعات من مقابل تنفيذ المشروعات القديمة لم تعد تجدي نفعاً، لنفاد السيولة لدى الشركات والمقاولين على حد سواء، علاوة على الانخفاض المتتالي في قيمة الجنيه المصري، ما يجعل من الدفعات المالية المستلمة عن أعمال سابقة بلا قيمة حقيقية اليوم.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد كلف في أحد لقاءاته المذاعة على الهواء أحد المقاولين ويدعى الحاج سعيد بتنفيذ أحد المشروعات الجديدة مقابل منحه جزءاً من مستحقاته القديمة.
من بين الوقائع المتداولة في سوق المقاولات، ما جرى من تعمد عدم استلام الأعمال التي نفذتها إحدى الشركات بالمتحف المصري الكبير المقرر افتتاحه خلال أشهر، والمطالبة باستبدال المواد المستخدمة في امتصاص الصوت لعدم صلاحيتها، وهي 5 آلاف متر من المواد العازلة للصوت استخدمتها إحدى الشركات في أعمالها خارج مصر، لكن الاستشاري رفض الاستلام بحجة عدم صلاحيتها، وطلب استبدالها.
يتولى الإشراف على عدد من المشروعات المنفذة عسكريون تابعون للهيئة الهندسية للقوات المسلحة
بدوره نفى مهندس استشاري أن يكون تأخر الاستلام متعمداً، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن مسؤولي الحكومة يتشددون بشكل بالغ في التدقيق على كل شيء، و"أحيانا بطريقة مبالغ فيها"، ملمحاً إلى أن الاستشاريين معذورون لأنهم يتعاملون مع "عقليات عسكرية صارمة"، تتولى الإشراف والاستلام.
ويتولى الإشراف على عدد من المشروعات المنفذة عسكريون تابعون للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ومنهم على سبيل المثال رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة اللواء عاطف مفتاح مساعد المشرف العام على مشروع المتحف المصري الكبير، وهو المشروع السياحي الأهم الذي تتولى هيئات أممية المشاركة في الإنفاق على تنفيذه.
ونشرت الجريدة الرسمية قبل أسبوع، قراراً جديداً لرئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بشأن ترشيد الإنفاق العام بالجهات الداخلة في الموازنة العامة للدولة والهيئات العامة الاقتصادية في ظل أزمة شح الدولار التي تعاني منها مصر في الآونة الأخيرة. تضمن القرار الوزاري تأجيل تنفيذ أي مشروع جديد لم يتم البدء في تنفيذه وله مكون دولاري، رغبةً من الحكومة في ترشيد الإنفاق والحفاظ على السيولة الدولارية بالدولة.
ولا يشمل القرار المشروعات التي يُعمل فيها حالياً وتحتاج إلى معدات بعملة صعبة، ولن يتم وقف العمل في هذه المشروعات وهي مستمرة بصورة طبيعية.
وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي، صدر يوم 10 يناير/ كانون الثاني الجاري، أن مصر التزمت بمرونة سعر العملة، أي تركه للعرض والطلب، ومنح دور أكبر للقطاع الخاص، ومجموعة من الإصلاحات النقدية والمالية، عندما توصلت إلى اتفاق على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
أنفقت الحكومة بسخاء على مشروعات البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية
ووفق المعلومات التي كشف عنها الصندوق، فإنه من بين تعهدات الحكومة المصرية للصندوق مقابل الحصول على قرض مالي إبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، وذلك للحدّ من معدل التضخم المرتفع والحفاظ على العملة الأجنبية، من دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.
وأنفقت الحكومة بسخاء على مشروعات البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك بناء شبكة واسعة من الطرق والجسور، فضلاً عن إقامة مدن جديدة، ومشروعات حكومية بالعاصمة الإدارية الجديدة مثل الحي الحكومي. كما بدأت العمل في مشروع للسكك الحديدية فائقة السرعة، ومشروع آخر لإقامة محطة للطاقة النووية، تبلغ كلفة كلّ منهما نحو 30 مليار دولار.