شح مياه الأردن..."أصحاب نفوذ" متهمون بسحب موارد المواطنين ومخاوف من العطش

30 مايو 2021
تراجع حاد لمنسوب المياه خلف سد الوحدة المقام على نهر اليرموك (Getty)
+ الخط -

أخذت قضية شح المياه في الأردن منحنى تصاعدياً في الآونة الأخيرة، مع تزايد حالات التعدي على الموارد المتاحة، بينما تتزايد المخاوف من تفاقم المشكلة مع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب لأغراض التنمية الاقتصادية، بينما يقف الاحتلال الإسرائيلي وراء تفاقم الأزمة، لسيطرته على مجاري مياه نهرَي الأردن واليرموك والتحكم فيهما، فيما يحصل الجانب الأردني على كميات محدودة، وفق الاتفاقات المبرمة، ويدفع ثمن الاحتياجات الإضافية إذا وافق الاحتلال على صرفها.

وفي تصريحات مثيرة للجدل، خرج وزير المياه والري، محمد النجار، نهاية إبريل/ نيسان الماضي، ليكشف عن وجود اعتداءات كبيرة على المياه في المملكة من قبل من وصفهم بـ"أصحاب نفوذ"، ما يؤثر على كميات المياه التي يتم ضخها للمواطنين.

وبعدها بأيام، أعلن مجلس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، أنه أحال إلى النيابة العامة، قضية أخرى تتعلق بإسناد وزارة المياه والري في 2017، حفر سبع آبار في منطقة خان الزبيب بالعاصمة عمان إلى إحدى شركات حفر الآبار بكلفة بلغت حوالي 15 ميلون دينار (21 مليون دولار)، رغم أن الدراسات أشارت إلى عدم صلاحية هذه المياه.

وبحسب مسؤول في هيئة النزاهة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" فإن التحقيقات بيّنت أن وزير المياه في ذلك الوقت، والذي كان أحد الشركاء في تلك الشركة قبل تسلمه حقيبة الوزارة، أحال العطاء دون الالتفات إلى نتائج الدراسة التي أكدت أن معالجة المياه المستخرجة من هذه الآبار صعبة التحقيق ومرتفعة التكاليف.

وتعد المياه الجوفية المصدر الرئيسي لمياه الشرب والاستعمالات الأخرى في الأردن، بنسبة تصل إلى 56% من جميع الاستخدامات، فيما تُعَدّ المياه السطحية المصدر الرئيسي للري في منطقة وادي الأردن، وهي تُستعمَل للأغراض البديلة بنسبة 31%، والنسبة الباقية تُغطى من خلال مصادر المياه غير التقليدية، مثل مياه الصرف الصحي المعالجة، والتحلية، بينما تعاني مصادر المياه الجوفية من الاستنزاف المستمر.

ولم تقتصر الملاحقات الحكومية على أصحاب النفوذ الذين يتعدون على مصادر المياه وقضايا الفساد التي شابهت حفر الآبار قبل سنوات، وإنما تطاول مواطنين. وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة المياه الأردنية، عمر سلامة، في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة تقوم بحملات مكثفة لضبط الاستخدامات غير المشروعة للمياه، خاصة السرقات التي تتم من قبل أفراد وأصحاب مزارع كبرى في مختلف المحافظات.

وأضاف سلامة أن الفاقد من المياه، والذي يتمثل في السرقات والتسرب بسبب أعطال في الشبكات، يقدر بما نسبته 48% من إجمالي كميات المياه التي تضخ للمواطنين والمنشآت، مشيرا إلى إحالة العديد من القضايا إلى المحاكم، فيما تواصل الطواقم المختصة في الوزارة والجهات المعنية متابعة الاعتداءات على خطوط المياه، لا سيما الرئيسية منها والتي تستنزف كميات كبيرة.

وتابع أن نسبة الفاقد وسرقات المياه في العاصمة عمان وحدها تبلغ حوالي 38% من إجمالي الكميات المخصصة لها، وفي مدينة العقبة جنوب البلاد تبلغ 28%، فيما تختلف النسب بين المحافظات الأخرى.

ولفت النجار إلى وجود عجز في مياه الشرب يقدر بنحو 20 مليون متر مكعب هذا العام مقارنة بالعام الماضي، أما العجز الكلي فيقدر بحوالي 40 مليون متر مكعب. وقدرت وزارة المياه، في وقت سابق، حجم سرقة المياه بحوالي 100 مليون متر مكعب سنوياً من مصادر المياه المختلفة، لكنها قالت إن تلك الاعتداءات تراجعت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، بسبب عمليات الرقابة والغرامات والعقوبات التي تقع على المتورطين فيها.

وبينما تتهم الحكومة أصحاب مزارع بالتعدي على موارد المياه، أكد رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، عدنان الخدام في تصريح خاص أن نقص المياه من أهم المشكلات التي تواجه المزارعين، مضيفا أن بعض المزارعين صرفوا النظر عن الزراعة بسبب نقص المياه وعدم السماح لهم بحفر الآبار الجوفية لتوفير احتياجات مزارعهم.

وفي ظل تحديات نقص المياه والمخاوف من تقلص المساحات المزروعة، يواجه الأردن خطر انحسار الأمن الغذائي، ما يزيد من الضغوط التي يواجهها البلد منذ سنوات.

وفي تقرير حديث لوزارة المياه، اطلعت عليه "العربي الجديد"، فإن الأردن يعتبر أفقر دول العالم مائياً، نظراً لموقعه الجغرافي ضمن المناطق الجافة، خاصة أن معظم مساحة البلاد مناطق صحراوية أو هامشية قليلة الأمطار.

وتشكل حصة الفرد من المياه أقل من 0.8% من الحصة العالمية، إذ لا يحصل الفرد على أكثر من 100 متر مكعب سنوياً من المياه، بينما حصص الفرد في الدول المجاورة للأردن تزيد على نحو 1300 متر مكعب سنوياً.

وأشار التقرير إلى أن مسألة ازدياد عدد السكان بشكل طبيعي أو غير طبيعي بسبب الهجرات، وما يصاحب ذلك من زيادة في الطلب على المياه، يفاقم من مشكلة التزويد المائي لجميع الأغراض، ويقلل من حصة الفرد، لافتا إلى ضرورة معالجة الأمر من خلال تطوير مصادر مائية غير تقليدية ورفع كفاءة استخدام المياه.

وتُعد مصادر المياه في الأردن محدودة، إذ يحصل على حصته من مياه نهرَي الأردن واليرموك، بواقع 55 مليون متر مكعب سنوياً، بينما للأردن الحق في طلب شراء كميات إضافية من الاحتلال الإسرائيلي، وفقا لمعاهدة السلام الموقّعة بين الجانبين.

ومؤخراً، تلقّى الأردن خطاباً رسمياً من سلطات الاحتلال، يتضمن موافقتها على بيع كميات من المياه تبلغ 8 ملايين متر مكعب. ويأتي تحكم الاحتلال في المياه، رغم أن 97% من نهر الأردن البالغ طوله قرابة 360 كيلومتراً يقع في الأردن وسورية ولبنان والأراضي المحتلة عام 1967، بينما يقع 3% فقط من حوضه في الأراضي التي تحتلها إسرائيل عام 1948.

كذلك حوض نهر اليرموك يقع بالكامل في سورية والأردن بنسبة 80% للأولى، و20% للثانية. وحذر تقرير دولي متخصص، من مواجهة الأردن أزمة مياه عذبة عميقة ومتعددة الأوجه، ما يؤثر على استقرار الأمن المائي للسكان إذا لم يتم اتخاذ تدابير ضرورية.

وتوقّع التقرير الصادر مؤخراً عن موقع "New Security Beat"، أن يعاني ما يتجاوز 90% من السكان ذوي الدخل المنخفض في الأردن من انعدام "الأمن المائي الحاد بحلول نهاية القرن"، بينما نشرت الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة بحثاً قبل أيام أرجعت فيه تدهور الأمن المائي في الأردن إلى النمو الاجتماعي والاقتصادي والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وتغير المناخ.

المساهمون