شتاء قارس ينتظر السوريين... أزمة تدفئة خانقة وسط شح المحروقات

03 نوفمبر 2024
الحطب والأثاث التالف صارا أحد موارد التدفئة في ظل شح المحروقات (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهدت أسعار المازوت في السوق السوداء السورية ارتفاعاً كبيراً، مما دفع الأسر للبحث عن بدائل مثل الحطب وروث الحيوانات، ما أدى لزيادة الطلب وارتفاع أسعار هذه البدائل أيضاً.
- في ظل غياب الدعم الحكومي، ظهرت أساليب تقليدية وحديثة للتدفئة، مثل جمع الجذور النباتية وتخزين روث الحيوانات، لكن قطع الأشجار الجائر يهدد البيئة.
- تعاني العائلات من صعوبة تأمين التدفئة، مما يثير مخاوف صحية خطيرة، ويطالب المواطنون بتدخل المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية لتوفير الدعم وتجنب كارثة إنسانية.

شهدت أسعار مادة المازوت في السوق السوداء في سورية ارتفاعاً جنونياً خلال الأيام الماضية، حيث بلغ سعر الليتر الواحد 18 ألف ليرة، ووصل سعر البرميل إلى 3 ملايين و600 ألف ليرة (232.2 دولاراً)، ليلقي هذا الارتفاع بظلاله على الواقع المعيشي للمواطنين، ويحرمهم الدفء شتاءً.

قال مازن الخطيب، من طرطوس، وهو أب لأربعة أطفال، لـ"لعربي الجديد" "أقل كمية نحتاج إليها من المازوت هي أربعة براميل لتدفئة البيت في منطقة جبلية باردة شتاء كمنطقتنا، ولا أدري كيف سأؤمن هذا المبلغ".

مع اقتراب فصل الشتاء، بدأت أصوات السوريين تعلو، مع تخلي حكومة نظام بشار الأسد عن مسؤوليتها بتأمين وسائل الدفء لهم، ما اضطر غالبيتهم إلى البحث عن بدائل، كالحطب وروث البقر والأغنام وبقايا "تفل" الزيتون المضغوط. وأدى ازدياد الطلب على هذه البدائل إلى ارتفاع أسعارها، ما دفع المعدمين إلى ارتياد مكبات القمامة لجمع ما تيسر من البلاستيك والورق المقوى أو أي شيء يمكن إشعاله.

تحدثت أم حمزة من قرية خربة الشياب في ريف دمشق، وهي أم لثلاثة أطفال أيتام، عن معاناتها التي بدأت تزداد مع اقتراب فصل الشتاء، مع تفكيرها في كيفية تأمين ما يقي أسرتها شر البرد. وقالت لـ"العربي الجديد" إنها جمعت منذ أول الصيف عبوات الشيبس والبسكويت، الورقية والبلاستيكية، وقامت بتقطيعها وصرّها في أكياس بلاستيكية، لتوقدها لأطفالها في فصل الشتاء، موضحة أنها تأتي بها من محال البقالة في القرية. وأضافت: "حتى قشور البصل والخضراوات أقوم بتجفيفها بالشمس وصرها أيضاً بأكياس للغاية ذاتها".

أساليب عدة برزت للبحث عن مصادر للدفء، وأخرى قديمة عفى عنها الزمن عادت إلى الظهور مجدداً. وعن ذلك قال حمد حرب، أحد سكان الريف الشرقي لمحافظة السويداء (جنوب شرقي دمشق)، إنه عاد إلى جمع "الجزل" وهو عبارة عن تجمع لجذور نباتية كان يستخدمها بدو المنطقة لإشعال النار. وأضاف حرب لـ"العربي الجديد" أن "جمع الجزل مهنة شاقة، ولكن الحاجة إلى توفير وسيلة للدفء تنسيني مشقة جمعها، بالإضافة إلى أنها متوفرة في منطقتي وتغنيني شر شراء الحطب باهظ الثمن".

وفي الجهة الغربية من محافظة السويداء، يقوم الأهالي بجمع نوع آخر من الجذور النباتية بهدف تأمين مصدر للدفء، ويعرف في تلك المنطقة بـ "خميلة الأرض"، وهو عبارة عن مجموع جذري متخشب على هيئة الكمأ أو البطاطا، كما أن هناك من يجمعها لبيعها بمبالغ مقبولة مقارنة بأنواع أخرى من الحطب.

ولقد عاد العديد من السكان لعادة تخزين "الكسح" وهو روث الأغنام و"الزبل" وهو روث الأبقار، بعد أن يقوموا بتشكيلها وفق قوالب مناسبة لإيقادها في "الوجاق"، و"الببور" وهي مدافئ تقليدية تعمل بالوقود الصلب من أخشاب وورق وغير ذلك.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

وأصبح هناك معامل تعيد تشكيل وتدوير وتطوير المخلفات الحيوانية بخلطها بمواد أخرى قابلة للاشتعال كـ"تفل" الزيتون ونشارة الخشب، بعد خلطها وضغطها بقوالب تضمن احتراقاً كاملاً وحجماً أقل وعمر احتراق أطول، وبأسعار منافسة لحطب الأشجار بما يعادل نصف السعر للطن الواحد.

كما أن هناك معامل أخرى لمعالجة الورق والكرتون وضعطه بقوالب أيضاً لتوفير حطب الورق بأسعار أكثر انخفاضاً وتمتاز بقلة الدخان، وفق ما قال أحد أصحاب هذه المعامل لـ"العربي الجديد". كذلك لجأ بعض المعدمين منذ العام الماضي إلى اختراع وسائل تدفئة بسيطة وبدائية لكنها غير مجدية كثيراً، كما يقول الناشط الإعلامي عامر ديوب من طرطوس، مشيراً إلى أنها ربما وسائل لإعطاء إحساس بالدفء لا أكثر، مثل مدافئ "السبيرتو" التي تعمل بالكحول، والشمعة بالملح والفخار، والتي روجها الإعلام الرسمي على أنها وسائل تدفئة بديلة.

وبينما تحاول الغالبية توفير وسائل الدفء بطرق مشروعة، يتجه بعض التجار، والقليل من الناس الذين لا يملكون الوصول إلى الوسائل سابقة الذكر إلى الأحراش والغابات، فالقانعون منهم يكتفون بجمع الأغصان، فيما يقدم الطامعون على قطع الأشجار بشكل جائر متجاهلين ما سيخلفه التحطيب الجائر من آثار مناخية وبيئية خطيرة.

من ناحية أخرى تفتقر عائلات كثيرة لقدرتها على تأمين أي وسيلة من وسائل التدفئة، فقد عبرت سلوى الأحمد، من ريف حلب الجنوبي، عن خوفها من برد الشتاء قائلة إنها باتت تخشى على أطفالها من الصقيع، لكنها لا تستطيع شراء ملابس شتوية عوضاً عن عدم قدرتها على شراء وقود التدفئة. أما فاطمة الجوراني من ريف حمص، فقالت: "زوجي وأنا نعيش في خوف ورعب من الشتاء القادم، لا نعرف كيف سنواجهه، في ظل انعدام أسباب الدفء".

في هذا الشأن حذر أحمد مهنا (خبير صحي) من تداعيات هذه الأزمة، مؤكداً أن ارتفاع أسعار المحروقات وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين قد يؤديان إلى زيادة الأمراض النفسية من جهة، والعضوية خاصة التنفسية وأمراض الكلى والأعصاب من جهة أخرى، نتيجة البرد أو استخدام وسائل تدفئة غير آمنة، خاصة لدى الأطفال وكبار السن، وقد يؤدي في أماكن النزوح إلى وفيات، لذلك، فإنّ تأمين التدفئة هو أمر حيوي وهام.

ومع اقتراب الشتاء، يخشى المواطنون من أن يتحول البرد القارس إلى تهديد حقيقي لحياتهم، وأن يسبّب وفيات. لذا، يطالبون المجتمع المدني والمنظمات الصحية والإنسانية بضرورة إيجاد حلول والتدخل العاجل لمعالجة هذه الأزمة، وتوفير الدعم اللازم للمواطنين، وتوفير كميات كافية من المازوت بأسعار معقولة.

المساهمون