سياسيو لبنان يتخلون عن حاكم البنك المركزي... التوقيف لخازن الأموال

16 مارس 2023
لبنانيون يتظاهرون ضد السياسات النقدية للمصرف المركزي (فرانس برس)
+ الخط -

طلبت وزارة العدل اللبنانية، أمس الأربعاء، من القضاء توقيف حاكم المصرف المركزي رياض سلامة وشقيقه ومساعِدته، وحجز أملاكهم وتجميد حساباتهم المصرفية، في خطوة أثارت تساؤلات حول تخلي الطبقة السياسية عنه في ظل الانهيار المالي المتسارع وتعرض السياسيين لاتهامات من قبل المجتمع الدولي بالمماطلة في معالجة أسباب الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ أواخر عام 2019.

جاء طلب التوقيف بموجب ادعاء شخصي تقدّمت به الدولة اللبنانية ممثلة في رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، في حق كل من رياض سلامة وشقيقه رجا سلامة ومساعدته ماريان مجيد الحويك، بجرائم "الرشوة والتزوير واستعمال المزوّر وتبييض الأموال والإثراء غير المشروع والتهرّب الضريبي".

وطلبت الوزارة "توقيفهم وحجز أملاكهم العقارية وتجميد حساباتهم المصرفية وحسابات أزواجهم وأولادهم القاصرين لمنعهم من التصرّف بها، حفاظاً على حقوق الدولة اللبنانية". كذلك طلبت "إصدار القرار الظني في حقهم تمهيداً لمحاكمتهم أمام محكمة الجنايات في بيروت لإنزال أشد العقوبات في حقهم"

وجاء طلب التوقيف بالتزامن مع تحديد القضاء اللبناني موعداً جديداً لاستجواب سلامة أمام محققين أوروبيين، بعد تغيّبه عن جلسة كانت مقررة، أمس، في إطار تحقيقات تتمحور على ثروته وشبهات غسل أموال.

وأشارت مصادر قضائية إلى أن جلسة استجواب سلامة رفعت إلى الخميس، فيما تقدّم وكيله القانوني بمذكرة توضيحية إلى النيابة العامة التمييزية تستند إلى مواد قانونية في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، أبرزها ما هو متعلق باعتبار الاستماع إلى حاكم المصرف المركزي من قبل قضاة أجانب انتهاكاً فاضحاً لسيادة القضاء، علماً أن هذه السردية جرى اعتمادها والتهويل بها سياسياً قبيل الزيارة الأولى التي قام بها الوفد الأوروبي القضائي إلى بيروت في يناير/ كانون الثاني الماضي.

واجتمعت رئيسة هيئة القضايا هيلانة إسكندر مع الوفد القضائي قبيل جلسة الاستجواب بهدف التنسيق في مسألة تدخل الدولة اللبنانية في الملفين الأوروبي واللبناني، وحماية حقوق الدولة، والاستفسار حول مشروعية استجواب سلامة.

في السياق، يقول المحامي والباحث اللبناني، ومن مؤسسي "المفكرة القانونية"، نزار صاغية، إن الحدث الأكبر حالياً هو موقف هيئة القضايا ممثلة بالدولة في الادعاء على سلامة، إذ إنها المرة الأولى التي تطالب فيها الدولة اللبنانية باسترداد مال منهوب، آملاً أن يتلو هذه الخطوة ادعاء أمام القضاء الأوروبي.

ويشير صاغية في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أهمية إعلان هيئة القضايا التدخل بالملف، ومراقبة ما يحصل على صعيد الدعاوى، وطلبها أن تكون جزءاً من الإجراءات، الأمر الذي يحيي نوعاً من الأمل بأن تغير الدولة في طريقة تعاطيها مع القضية، وتبدأ من جهتها الإجراءات القضائية في مسار ملف استرداد المال المنهوب، وهذه أول خطوة جدية منذ بدء الحديث عن هذا الموضوع.

ويرى صاغية أن "الأدلة التي تدين سلامة قوية جداً"، مشيراً إلى ضرورة "اتخاذ الحكومة قراراً فورياً بتوقيفه عن العمل ربطاً بالشبهات، إذ لا يمكن الادعاء على شخص من قبل قضاة لبنانيين ونيابة عامة لبنانية، بتبييض أموال واختلاس، وفي الوقت نفسه، تظلّ ثروات لبنان المتبقية في يده.. هذا أمر غير طبيعي". وشدد على أن الحكومة قادرة على اتخاذ هذا الإجراء ولو كانت بهيئة تصريف أعمال، كون الموضوع مرتبطاً بحماية الأموال العامة.

ويضيف أن "مجيء وفد قضائي أوروبي يمثل دولاً عدة فتحت ملفات رياض سلامة لديها يحتم عليه الحضور، الخميس، خصوصاً أن التحقيقات تجرى في بلدان من الصعب جداً السيطرة على قضائها".

بدوره، يأمل جاد طعمة منسق اللجنة القانونية في "المرصد الشعبي" أن "يكون طلب توقيف سلامة الباكورة لتدخل الدولة اللبنانية كمدعي شخصي في العديد من القضايا التي ترتبط باستعادة الأموال العامة المنهوبة".

وحول ما إذا كانت الطبقة السياسية تخلت عن سلامة، الذي كان يحظى أيضاً بدعم من المرجعية الكنسية، يقول طعمة "لا نستطيع الاستطراد حول تخلي الطبقة السياسية عن حاكم مصرف لبنان"، مضيفاً: "كافة الاحتمالات مفتوحة على صعيد القرارات التي ممكن أن تتخذ بحق سلامة".

ويرى أنه "يمكن إصدار قرار بمنع سلامة من أداء مهمته كحاكم المصرف المركزي كفترة مؤقتة نتيجة ما ستؤول إليه التحقيقات، لكن معروف أن سلامة فتى السياسيين في لبنان، وهو يلاحق عن جزء متعلق بأمواله الخاصة الموجودة في الخارج، والتي كانت حصته من تهريب أموال كبار السياسيين إلى الخارج، والتي قيمتها أضعاف الأموال التي اكتشفت على سلامة في قضية تبييض الأموال".

ولطالما نفى سلامة الذي يشغل منصبه منذ عام 1993 وكان ينظر إليه بمثابة عراب الاستقرار النقدي طيلة سنوات، الاتهامات الموجهة إليه، معتبراً أن ملاحقته تأتي في سياق عملية سياسية "لتشويه" صورته.

وفي 23 فبراير/ شباط الماضي، اتهم القضاء اللبناني سلامة "بارتكاب جرائم بينها اختلاس أموال عامة وغسل أموال". وفي 2021 وجّه الادعاء العام السويسري رسالة إلى لبنان حول الاشتباه في استيلاء رياض ورجا سلامة على أكثر من 300 مليون دولار من المصرف المركزي اللبناني "بشكل غير قانوني بين عامي 2002 و2015"، حيث "قاما بغسل الأموال في سويسرا".

كذلك حقق القضاء في لوكسمبورغ في قضية جنائية تتعلق بثروة حاكم المصرف المركزي، في حين أجرى القضاء الفرنسي في يونيو/ حزيران 2021 تحقيقاً بشأن حساباته، على خلفية اتهامه بـ"غسل أموال"، دون الإعلان عن نتائج تلك التحقيقات.

وعلى الرغم من كثرة الدعاوى القضائية بحق سلامة (72 عاماً) في لبنان والخارج، والشبهات بارتكابه جرائم مالية، بيد أنه يواصل مهامه في حاكمية البنك المركزي، التي أمضى فيها نحو 30 عاماً، والمنتظر مغادرتها في مايو/ أيار المقبل، وسط حديث جدي عن إقفال الباب نهائياً على تمديد ولايته.

ويأتي التطور الأخير بطلب توقيف حاكم المصرف المركزي في وقت تشهد فيه البلاد انهياراً فوضوياً على صعيد سعر صرف العملة الوطنية التي هوت إلى أكثر من 100 ألف ليرة للدولار الواحد، ودخول المصارف في إضراب مفتوح، ما يؤجج الغضب الشعبي ويزيد من الضغوط الخارجية على الطبقة السياسية.

ونقلت وكالة رويترز، أمس، عن مصادر سياسية قولها إن الدعم السياسي رفيع المستوى لسلامة بدأ يخبو، مضيفة أن بعض حلفاء سلامة القدامى ينأون الآن بأنفسهم عنه ويرونه عبئاً. وسيمثل رحيل سلامة علامة فارقة في الانهيار المالي الذي نتج عن الإنفاق الباهظ والفساد المستمر منذ عقود وكذلك السياسات المالية غير المستدامة لزعماء تركوا الأزمة تتفاقم منذ نحو أربع سنوات.

وبعد أن كان يوماً من روّاد القمم المصرفية والمطاعم الأنيقة في أوروبا صار سلامة الآن يقيد تحركاته ونادراً ما يظهر في الأماكن العامة باستثناء مقابلات تلفزيونية شبه منتظمة يدافع من خلالها عن تاريخه. وتنتشر رسوم غرافيتي مناهضة لسلامة على الجدران الخرسانية التي تحيط بمبنى مصرف لبنان في بيروت. ويعيش في شقة محصنة بالداخل ونادراً ما يتركها، وذلك بحسب مصدر مقرب منه قام بزيارته، وفق رويترز.

المساهمون