سورية... "المحمية الزراعية المستدامة" خطوة لتحقيق الاكتفاء الذاتي

28 ديسمبر 2024
مطالب بدعم حكومي أكبر للقطاع الزراعي (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مشروع المحمية الزراعية المستدامة: يهدف إلى توفير الإمدادات الغذائية وفرص العمل في ريف جسر الشغور، باستخدام تقنيات الزراعة المحمية بالبيوت البلاستيكية لزراعة محاصيل متنوعة طوال العام، مما يعزز الإنتاجية ويقلل الاعتماد على العوامل الجوية.

- دور النساء وتأثيره الاجتماعي: تُدار المحمية بدعم تقني وتعمل فيها 24 مزارعة، معظمهن أرامل، مما يوفر لهن بيئة عمل مستقرة ودخل ثابت، ويعزز دور المرأة في المجتمع ويدعم الاقتصاد المحلي.

- التقنيات الزراعية والتحديات: يعتمد المشروع على تقنيات حديثة للتحكم في البيئة الزراعية، ويواجه تحديات مناخية مثل الصقيع، لكنه يعزز الاستدامة الزراعية ويزيد من الإنتاج المحلي والصادرات.

في ريف جسر الشغور (شمال سورية)، ومع استمرار الظروف الصعبة التي يعيشها سكان المنطقة، يُعد مشروع المحمية الزراعية المستدامة أحد المشاريع المبتكرة التي تساهم في توفير الإمدادات الغذائية وفرص عمل للذين يواجهون تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة. ويأتي ذلك بينما تبحث سورية عن تنويع اقتصادها وتنميته عقب سقوط نظام بشار الأسد

المحمية للبيوت البلاستيكية هي مساحة مخصصة للزراعة تستخدم فيها تقنيات حديثة مثل البيوت البلاستيكية لتوفير بيئة محكومة للمزروعات، جاءت تسميتها بالمحمية لأنه يتم التحكم فيها بدرجة الحرارة والرطوبة والإضاءة، فهذه البيوت تسمح بزراعة محاصيل متنوعة على مدار العام، حتى في الظروف الجوية الصعبة، مما يعزز الإنتاجية ويقلل من الاعتماد على العوامل الجوية الخارجية. 

المشاريع الزراعية التي تعتمد على المحميات تسهم في التنمية المستدامة من خلال تحسين استخدام الموارد الطبيعية وتقليل الهدر، فهي توفر حلولاً مبتكرة لمشاكل مثل ندرة المياه وتدهور الأراضي، كما تساهم في تعزيز الأمن الغذائي، وتستخدم أساليب زراعية مستدامة مثل الري بالتنقيط، كذلك تستخدم الطاقة المتجددة في بعض الحالات، هذه المشاريع تساعد أيضاً في تحقيق التوازن بين الإنتاج الزراعي وحماية البيئة، مما يجعلها جزءاً أساسياً من رؤية التنمية المستدامة في العديد من البلدان.

المحمية في شمال سورية يديرها ماهر عبد الرزاق بارود، تعتمد بشكل رئيسي على تمويل شخصي منه لتطويرها، ويُشرف عليها بدعم تقني من المهندس موسى البكر هذا التعاون بين الخبرات الزراعية والتقنية يساهم بتحسين الإنتاج وزيادة كفاءة الزراعة داخل المحمية. يعمل في هذه المحمية نحو 24 مزارعة، معظمهن من الأرامل اللواتي يقطن في مخيمات قريبة من منطقة المحمية، توفر هذه المحمية بيئة عمل مستقرة تساهم بتحسين أوضاعهن المعيشية وتوفير دخل ثابت، ما يعزز دور المرأة في المجتمع ويدعم الاقتصاد المحلي في الشمال السوري.

نساء عاملات في المحمية

تعمل النساء في المحمية لمدة سبع ساعات يومياً، ويتقاضين 100 ليرة تركية أجراً يومياً، تشمل مهامهن اليومية مثل إزالة الأعشاب الضارة، والعناية بالمحاصيل، وقطافها، على سبيل المثال، خلال العناية بمحاصيل البندورة، يتم قص رأس كل شتلة فوق العقدة الخامسة لضمان عدم تضخم الثمار وتحقيق إنتاجية أفضل. 

السيدة أم أحمد، 40 عاماً، في حديثها لـ"العربي الجديد" تقول: "أعمل مع مجموعة من النساء في المحمية المستدامة لقطاف البندورة (الطماطم) والكوسا والخيار والفريز، كل يوم نخرج للعمل في المحمية، نعمل معاً كفريق واحد، نزرع ونحصد وفقاً للمعايير التي تعلمناها. 

وتقول: "كل الخضروات تُحصد بعد جهد كبير، وأحياناً يتطلب الأمر وقتاً طويلاً بالأيام، خاصة في فترات الصيف، أما الفريز فنحن نحرص على حصاده في الوقت المناسب ليكون في أفضل حالاته، العمل في المحمية ليس مصدر رزق ويعكس التزامنا بالعناية بالأرض والحفاظ على استدامتها، فنحن نعمل لضمان جودة المحاصيل واستمرارية الإنتاج على المدى الطويل". 

تقول إحدى العاملات في المحمية فاطمة 34 عاماً لـ"العربي الجديد": "أنا أرملة وأعيش في المخيم مع أطفالي، العمل في المحمية يعطيني شعوراً بالاستقلالية وأشعر أنني أساهم في دعم عائلتي على نحو كبير، ما يميز هذا العمل هو أنه فرصة للتعلم والنمو، تعلمنا كيفية العناية بالمحاصيل وكيفية استخدام التقنيات الزراعية الحديثة، وهو ما لم أكن أعرفه في الماضي". 

أما المزارعة سعاد، فتقول لـ"العربي الجديد": "منذ أن بدأت العمل في المحمية، أصبحت قادرة على توفير احتياجات أسرتي، أعمل بجد لأنني أعرف أن هذا العمل يساعد في توفير المال لي ولعائلتي ويسهم في استدامة ووفرة الخضروات في المنطقة، هذا المشروع يحمل بأيامه روح التعاون بيننا جميعاً، نعمل معاً كعائلة واحدة، ونحن نرى نتائج عملنا في المحاصيل التي نجنيها كل يوم".

تقنيات الزراعة المحمية في سورية

يعتمد المشروع على تقنيات الزراعة المحمية التي تتيح التحكم في البيئة الزراعية بشكل أكبر، مثل درجة الحرارة والرطوبة والإضاءة، هذا يسمح بإنتاج محاصيل عالية الجودة وكمية كبيرة من الخضار في بيئة مستقرة، مما يعزز الإنتاجية على مدار العام. 

وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، قال مدير ومشرف المشروع، ماهر عبد الرزاق بارود: "يمثل مشروع المحمية الزراعية، المستدامة خطوة مهمة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي الزراعي ودعم المجتمعات المحلية في شمال سورية، كما يساهم المشروع في توفير فرص عمل لسكان المنطقة في ظل التحديات الاقتصادية والبيئية، يعتبر هذا المشروع الأول من نوعه في إدلب والشمال السوري، حيث رُكّبت البيوت البلاستيكية بنظام تركي حديث وغير معروف في المنطقة".

وأضاف بارود أن المشروع يهدف إلى زراعة مجموعة متنوعة من المحاصيل مثل البندورة والخيار والكوسا والباذنجان والفريز، وفي الآونة الأخيرة جُرّبت زراعة الموز القزم، وقد حققت التجربة نجاحاً ملحوظاً، كما قُسّمت المواسم الزراعية في المشروع إلى موسمين رئيسيين: الصيفي الذي يبدأ في الشهر الثاني من العام، والشتوي الذي يبدأ في الشهر الثامن. 

ووفقاً لبارود، فإنه يتم تنظيم الزراعة داخل غرف مكيفة لضمان أفضل الظروف لنمو المحاصيل، واستقطب المشروع خبراء ومهندسين زراعيين من تركيا، قاموا بتنفيذ ورش تعليمية للمهندسين المحليين، ما ساهم في نقل المعرفة والتقنيات الحديثة إلى المنطقة. وقال إن المشروع يعزز الاستدامة الزراعية في المنطقة ويدعم الإنتاج المحلي ويزيد من صادرات الخضار والفواكه إلى الدول الأوربية، بما في ذلك تركيا وأوكرانيا وروسيا. 

توفير الخضروات

من جانبه، قال مشرف المشروع المهندس موسى البكر، لـ"العربي الجديد": "تتجاوز مساحة المحمية الزراعية 6000 كيلومتر مربع، كل دونم يُزرع ضمن المحمية يعود بمحصول يعادل ستة أضعاف المحاصيل التي تزرع في الأراضي المكشوفة، هذه الطريقة توفر الخضروات على مدار العام، مما يساهم بشكل كبير في استقرار السوق المحلي". 

وأشار البكر إلى أن المحمية تواجه تحديات نتيجة الظروف المناخية، خاصة في الشتاء، إذ يؤثر الصقيع على المحاصيل لذلك، وتحتاج البيوت البلاستيكية إلى تدفئة دائمة للحفاظ على الإنتاجية. وأضاف أن المحاصيل التي تزرع في البيوت البلاستيكية توفر عائداً مالياً يفوق ما يمكن تحصيله من الأراضي المكشوفة.
وقال مدير مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي في إدلب مصطفى الموحد، لـ"العربي الجديد": "عملنا بجهود متواصلة لدعم القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، أصبح هناك انتشار واضح للبيوت المحمية في الشمال السوري، مما ساهم في توفير مصدر دخل مستدام للأهالي وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة". 

يهدف المشروع إلى تعزيز الإنتاج الزراعي المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، ما يعزز من الاستقلالية الاقتصادية للمنطقة. كما أن توفر الخضروات على مدار العام يساهم في استقرار أسعار المواد الغذائية في السوق المحلي.
يُذكر أن عدد البيوت البلاستيكية في الداخل السوري قد وصل إلى نحو 168 ألف بيت بلاستيكي، وفق الخطة الإنتاجية الزراعية لموسم 2023/2024، إذ تزرع فيها محاصيل متنوعة تساهم في دعم الأمن الغذائي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي في المنطقة، بحسب بيانات رسمية.

المساهمون