بعدما تحسّن سعر صرف الليرة بشكل كبير خلال أسبوع، يتساءل السوريون لماذا لم ينعكس تعافي العملة على الأسعار؟ بل ما زالت موجات الغلاء تتواصل في سلع أو مثبتة عند حدود نشْرة نهاية عام 2022 وقت هوت العملة المحلية إلى أدنى مستوى بتاريخها، مسجلة 7 آلاف ليرة مقابل الدولار.
ولم ينعكس سعر الصرف الجديد، بحسب مصادر من دمشق تحدثت لـ"العربي الجديد"، إلا على السكر الذي انخفض سعره بشكل طفيف، من 7 آلاف ليرة إلى 6500 ليرة للكيلو، لتحافظ أسعار السلع المستوردة على ارتفاعها، رغم تراجع سعر الدولار يوم الأحد الماضي إلى 5850 ليرة.
وأكدت المصادر أن الأرز المصري حافظ على سعر 7500 ليرة للكيلو ولم يزل سعر كيلو زيت عباد الشمس 20 ألف ليرة، بينما ارتفع كيلو العدس إلى 9 آلاف ليرة وكيلو الحمص إلى 8 آلاف ليرة، كما لم تسلم جميع المعلبات المستوردة من الارتفاع.
تعافٍ مريب
يصف المحلل المالي، علي الشامي، من دمشق، تحسّن سعر صرف الليرة السورية، من أكثر من 7 آلاف للدولار الأسبوع الماضي إلى أقل من 6000 ليرة "بالغريب والمريب" إذ لم يطرأ أي حدث يبرر هذا التعافي، سوى تشديد الرقابة الأمنية وما قيل عن ضخ دولارات من لبنان، لأن إعادة تسعير الليرة رسمياً، من 2500 إلى 3000 ليرة للحوالات ومن 3015 إلى 4522 ليرة للمصارف والنشْرة الرسمية، لم تزل بعيدة عن سعر السوق ولا تبرر التحسّن الكبير في سعر الليرة.
ويؤكد الشامي لـ"العربي الجديد" أن الدولار بالسعر الرسمي غير متوفر بالسوق ولا تقدمه شركات الصيرفة للتجار، الأمر الذي سيدفع بالليرة للتهاوي ثانية بواقع استمرار طلب التجار، بعد زوال التدخل المباشر، سواء من مصرف سورية المركزي الذي قيل إنه تدخل عبر شركات الصيرفة ببيع الدولار "لأيام قليلة" أو من لبنان "كما قرأنا وسمعنا". ودعا إلى تحرير سعر الليرة قائلا: "لا نقول تعويمها دفعة واحدة بل تحريرها من التسعير الرسمي والتدخل الأمني والسماح بالتعامل بالدولار عن طريق الدفع الإلكتروني".
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي أسامة القاضي إن تحسّن الليرة خلال الأسبوع الأخير "تم بفعل أمني" مترافق مع ضخ دولار بالسوق، ولكن الأثر مرحلي وستعاود الليرة التهاوي بواقع ما وصفها بأزمة حلفاء بشار الأسد (إيران ولبنان وروسيا) وتهاوي سعر صرف عملاتها. ويرى القاضي خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن "أساس الأزمة بدمشق هو المحروقات"، فبعد ما وصفه بمعاقبة إيران للنظام السوري وتقنين توريد النفط، ارتفعت الأسعار وتدهورت الليرة وتراجع الإنتاج والتصدير، مشيراً إلى استمرار غلاء المشتقات النفطية بسورية رغم تحسّن الليرة.
وأضاف أن "المازوت بلغ نحو 10 آلاف ليرة لليتر والبنزين وصل إلى 13 ألف ليرة". وفي حين لا يستبعد القاضي لجوء نظام الأسد إلى إلغاء أصفار من العملة السورية وضخ فئات نقدية كبيرة قريباً، يشير إلى أن تخبط حكومة الأسد، خاصة القرار 1701 الخاص بالانسحاب من تمويل المستوردات والدعم والرفع المتتالي للأسعار، سيزيد من التضخم ويعيد الليرة للتهاوي.
حذر وترقب
لم يقتنع السوريون بأسباب تحسّن سعر صرف الليرة، بل يتوقع كثيرون عودة التهاوي ثانية، الأمر الذي انعكس حذراً وترقباً، سواء بطرح المواد من المستودعات أو حتى إبرام صفقات كبرى قد تأتي على رساميل التجار.
ويرى تاجر المواد الغذائية بمنطقة دُمّر بالعاصمة دمشق، أحمد جوخدار، أن تحسّن سعر الصرف "خلال النشرات فقط" لأن الدولار بالسعر المعلن حاليا يبلغ 5850 ليرة غير متوفر بالسوق، مؤكداً خلال اتصال مع "العربي الجديد" تشديد الرقابة الأمنية على محال الصيرفة بمنطقتي "المرجة والحريقة" بالعاصمة السورية وأن شركات الصرافة الكبرى الأربع، لا تبيع الدولار بالسعر المعلن.
ويشير التاجر السوري إلى شح عرض المواد الغذائية المستوردة، لأن الجميع يشكك في استمرار تحسّن سعر الليرة، مبيناً أن "القصة ليست احتكاراً أو استغلال الفترة، بل تم استيراد المواد بدولار مرتفع والحكومة لا تموّل المستوردات".
من جانبه، يصف أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، استقرار الأسعار بعد تحسّن سعر الصرف بـ"النسبي" رغم الانخفاض المتواصل بسعر الصرف في السوق السوداء، لافتاً إلى أنه خلال الفترة السابقة التي ارتفع فيها سعر الصرف وتجاوز عتبة 7 آلاف "عزف التجار عن التوزيع للأسواق، الأمر الذي أدى إلى حصول ندرة بتوافر المواد".
ويضيف حبزة خلال تصريحات صحافية أن المواد في السوق تشهد حالة شح واضحة، وخصوصاً بالنسبة للمواد الغذائية لذا لن يلمس المواطن خلال الفترة الحالية انخفاضاً في الأسعار.
ويقول الصناعي السوري، محمد طيب العلو لـ"العربي الجديد" إن تكاليف الإنتاج لم تتغير بعد تحسّن سعر صرف الليرة، وبالتالي لم ينعكس تعافي الليرة على السعر النهائي وأسعار المستهلكين، لأن الصناعيين يستجرون المحروقات من السوق السوداء بأسعار مرتفعة كما يدفعون "الإتاوات" لإدخال المواد الأولية رغم انسحاب الحكومة من الدعم أو حتى التمويل بسعر الدولار الرسمي. ويشير العلو إلى أن قرارات حكومة الأسد "وكأنها تسعى لقتل الصناعة ومعاقبة المستهلكين" مبيناً أن حكومة بشار الأسد تلزم المستوردين ببيع مؤسسة التجارة الحكومية جزءاً من المستوردات بسعر التكلفة.
استمرار غلاء الأسعار
تتطابق آراء من تواصل معهم "العربي الجديد" من العاصمة السورية دمشق، حول استمرار ارتفاع الأسعار "أو ثباتها" رغم تحسّن سعر صرف الليرة خلال الأسبوع الأخير، مشيرين إلى تراجع المبيع بالأسواق بسبب عدم القدرة الشرائية ما ينذر بركود وخسائر ستطاول الجميع، حسب المصادر. وتبيّن المصادر أن سعر كيلو البندورة (الطماطم) 3200 ليرة وسعر كيلو اللبن (زبادي) بأسواق دمشق 13600 ليرة وكيلو الحليب 3500 ليرة.
يصف أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، استقرار الأسعار بعد تحسّن سعر الصرف بـ"النسبي" رغم الانخفاض المتواصل بسعر الصرف في السوق السوداء
ويرى الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم أن تكاليف الإنتاج، وبمقدمتها المشتقات النفطية التي أثرت أيضاً على تكاليف النقل، هي سبب ارتفاع أسعار المنتجات المحلية، كما أن المعيقات والإتاوات أمام التجار هي من أسباب ارتفاع أسعار المواد المستوردة. ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد": بدل أن يتجه نظام الأسد إلى شعار "دعه ينتج دعه يصدر" نراه يخلق كل أسباب تهجير الصناعيين وإعاقة الإنتاج.
ويرى أن تضخم الأسعار سيستمر هذا العام، بعدما سجل أرقاماً قياسية العام الماضي. ويشير الجاسم إلى أن المستهلك السوري هو من يدفع ثمن الغلاء بواقع تثبيت الأجر عند نحو 100 ألف ليرة فيما تزيد النفقات للأسرة عن 3 ملايين ليرة شهرياً.
وحسب مركز "قاسيون" من دمشق، فقد ارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية، بنحو 500 ألف ليرة سورية منذ شهر أيلول/سبتمبر الماضي حتى نهاية عام 2022، لتبلغ كلفة معيشة أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص، نحو 4 ملايين ليرة.