سقف الدين الأميركي.. هل تقترب الكارثة؟

25 ابريل 2023
رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي يبذل جهوداً كبيرة لحل أزمة سقف الدين (Getty)
+ الخط -

تزامن انتزاع الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس النواب مع اقتراب الدين العام الأميركي من سقفه، فلم يقبل أعضاء الكونغرس من الحزب البعيد عن البيت الأبيض رفعه بلا شروط، بينما تمسك الرئيس الأميركي جو بايدن بإنفاقه الاجتماعي السخي، ما وضع الاقتصاد الأكبر في العالم على شفا حفرة من النار، إذا لم يتوصل الحزبان الكبيران إلى اتفاق بنهاية يونيو/حزيران.

ومع استمرار المواجهة، تراجعت قيمة الدولار وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي، وانخفضت احتياطيات الدولار الأميركي التي تحتفظ بها البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم بشكل كبير، الأمر الذي ينذر بتداعيات واسعة المدى، حال تفاقم الأزمة.

وفي مقال له في جريدة فورين بوليسي، أشار الاقتصادي فيليبو غوري إلى أن الأزمة الحالية تقترب من الاقتصاد الأميركي في لحظة يتباطأ فيها بوضوح، في ظل معدلات تضخم قريبة من أعلى مستوياتها في أربعة عقود، ومعدلات فائدة هي الأعلى في أكثر من عقد ونصف.

وقال غوري إنه "نظرًا لأن الولايات المتحدة هي أكبر اقتصاد في العالم، فمن المرجح امتداد أي أزمة تواجهها إلى الدول الأخرى، وبالتالي، يمكن أن يؤدي التخلف عن السداد، أو استمرار عدم الاتفاق بين الحزبين لفترات مطولة، إلى اضطرابات اقتصادية شديدة تهز أرجاء العالم".

واعتبر الاقتصادي الكبير، الذي سبق له العمل في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة العمل الدولية والبنك المركزي الأوروبي، أن أزمة سقف الدين الأميركي قد تدفع الكثير من دول العالم إلى مراجعة ثقتها بالعملة الأميركية، ما قد يعجل بنهاية تفوقها الدولي، مضيفاً: "وهنا ستحدث الكارثة الكبرى التي ستؤدي بالضرورة إلى إضعاف الاقتصاد الأميركي وتقويض المكانة الدولية للولايات المتحدة المستمدة من الدولار".

وبالفعل، تستمد أميركا جزءاً كبيراً من نفوذها الاقتصادي من مكانة عملتها الرائدة، ونظرًا لأن معظم عمليات التجارة الدولية تُسّعر وتُسوّى حتى الآن من خلال العملة الخضراء. 

وخلال السنوات الأخيرة، ساعد الاستخدام واسع النطاق للدولار في تسهيل تنفيذ العقوبات الاقتصادية على عدة أطراف، من خلال حجب تلك الأطراف عن جانب هام من النظام المالي العالمي، وهو الجزء الذي يجرى التعامل فيه بالدولار الأميركي.

وبالنسبة لأي متابع لتراجيديا سقف الدين مؤخراً، تبدو الأحداث مشابهة لمواجهة 2011، حين سيطر الجمهوريون على مجلس النواب، وبعد مدة وجيزة، طالبوا الرئيس الأميركي باراك أوباما بسلسلة من التخفيضات الواسعة في الإنفاق، حال أراد رفع سقف الدين، ولكن الديمقراطيين رفضوا هذا المطلب، ما قاد الحزبين لحرب شرسة داخل أروقة الكابيتول، مقر الكونغرس الأميركي، أكثر من ستة أشهر.

وتركت تلك الحرب الشرسة بصمة واضحة في الأسواق المالية العالمية، حيث تسبب كل خبر عن تعثر مفاوضات خفض العجز في انخفاض أسعار سوق الأسهم العالمية بنحو 0.5% في المتوسط. كما تسببت مثل هذه الأخبار أيضًا في انخفاض أسعار سندات الأسواق الناشئة بنسبة تزيد عن 0.1%، وفقاً لغوري.

وخلال الفترة منذ بداية مايو/أيار وحتى نهاية الأزمة في يوليو/تموز من العام نفسه، انخفضت قيمة الدولار الأميركي بنحو 4% مقابل الين الياباني و4.5%مقابل الجنيه الإسترليني.

وكان الانخفاض في قيمة الدولار الأميركي كبيرًا حتى مقابل عملات الأسواق الناشئة المحفوفة بالمخاطر تقليدياً، حيث انخفضت قيمة العملة الخضراء بنحو 2.5%، على سبيل المثال، مقابل اليوان الصيني.

وبشكل عام، انخفضت الحصة العالمية لاحتياطيات العملات الأجنبية بالدولار الأميركي بنسبة 1.4% خلال تلك الفترة، بما يعادل أكثر من أربعة أضعاف متوسط الانخفاض السنوي منذ بداية الألفية.

وتشير بيانات أسواق الأسهم والسندات الأميركية، حتى الآن، إلى أن الأسواق العالمية لم تتأثر بأزمة سقف الدين، ولكن مع بدء احتدام الأزمة، يمكن أن ترتفع أسعار فائدة سندات الخزانة الأميركية، أي تنخفض أسعارها، ويمكن أن يؤدي هذا الارتفاع في العائدات إلى زيادة تكاليف التمويل في كل مكان، إذ تصبح الأصول الأكثر أمانًا فجأة أكثر كلفة، ولن تكون العواقب على البلدان الأخرى بسيطة.

وفي عام 2011 وخلال أزمة سقف الديون السابقة، كانت تكلفة التمويل العالمي منخفضة بصفة عامة، وكانت الأسواق الناشئة تتلقى مبالغ كبيرة من الاستثمارات الأجنبية، وهو ما ساهم في امتصاص صدمة أزمة الدين الأميركي وقتا.

لكن ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية والأوروبية، كما هو الحال في الأسواق الناشئة، حالياً، يعني أن معظم الاقتصادات ستكون مرشحة لمواجهة ظروف مالية أشد قسوة، وتكاليف اقتراض أكثر ارتفاعاً، حيث وصلت مستويات الديون السيادية في العديد من الدول إلى مستويات قياسية، كما أن هناك بلداناً لم تتعاف من العواقب الاقتصادية للوباء حتى الآن.

وفي هذا السياق، توقع غوري أن "صدمة سندات الخزانة الأميركية قد تتصاعد إلى موجة من التخلف عن السداد".

المساهمون