26 أكتوبر 2023
+ الخط -

نقلت "رويترز" عن مصادر ملاحية ومحللين أنّ العقوبات الأميركية على شركات الشحن التي تنقل النفط الروسي في انتهاك لـسقف الأسعار الذي حددته مجموعة السبع قد تدفع المزيد من الشحنات الروسية إلى السفن المشار إليها باسم "الأسطول الشبح" أو "الأسطول الوهمي" أو "الأسطول المظلم" بعيداً عن الناقلات الرئيسية.

ويمنع هذا السقف الشركات الغربية من تقديم الخدمات البحرية لصادرات النفط الروسي المنقولة بحراً، والتي يُباع برميلها بسعر يتجاوز 60 دولاراً.

فقد تم تصميم هذا السقف للحفاظ على تدفق النفط إلى الأسواق مع تقليل عائدات روسيا من صادراته التي يمكنها استخدامها لتمويل حرب أوكرانيا، لكن هذه السياسة أدت إلى استحداث سوق شحن عالمية ذات مستويين.

ويعتمد أحد المستويين على السفن المعروفة باسم "أسطول الأشباح" والتي تجاوزت عمرها الافتراضي التقليدي، بما يعني أنها أكثر عرضة لخطر التسربات والانسكابات. أما المستوى الآخر، فيضم السفن الرئيسية التي تستخدم الخدمات الغربية لشحنات النفط القانونية، بما في ذلك من روسيا بموجب شروط الحد الأقصى للسعر.

وقالت غالبية 10 مطلعين على الصناعة والمحللين أجرت "رويترز" مقابلات معهم إنّ تطبيق الولايات المتحدة للحد الأقصى للأسعار من المرجح أن يمنع مالكي مجموعة السبع من تجارة الخام الروسي، على الأقل في المدى القصير، وأشاروا إلى المخاطر والتكاليف المتزايدة لإثبات أن شحناتهم متوافقة مع سقف السعر، وقالوا إنّ النتيجة قد تكون استخدام المزيد من السفن الوهمية للشحنات الروسية.

وخفض أصحاب الناقلات الغربية بالفعل شحنات الحد الأقصى للسعر في الأشهر الأخيرة بسبب المخاوف من ارتفاع أسعار النفط العالمية، ما يعني أنّ قيمة الخام الروسي تجاوزت حد الـ60 دولاراً للبرميل.

وفي حين لم يستجب كبار مالكي السفن بما في ذلك "تيكاي" و"يوروناف" و"ميرسك" على الفور لطلبات "رويترز" للتعليق أو امتنعوا عنه، قال إيوانيس باباديميتريو، من شركة التحليلات "فورتيكسا"، إنّ نسبة صادرات النفط الخام الروسية المحملة على متن السفن المتمركزة في الاتحاد الأوروبي انخفضت إلى نحو 20% في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، نزولاً من 35% في يونيو/ حزيران المنصرم.

وفي 12 أكتوبر، فرض البيت الأبيض للمرة الأولى منذ تطبيق سقف الأسعار في ديسمبر/ كانون الأول، عقوبات على ناقلتين مسجلتين في تركيا والإمارات قال إنهما تحملان النفط الروسي بشكل ينتهك الحد الأقصى أثناء استخدامهما.

أدت سياسة الغرب القاضية بتحديد 60 دولاراً سقفاً لسعر برميل النفط الروسي إلى استحداث سوق شحن عالمية ذات مستويين

وقد يتم أيضاً منع مالكي السفن من القيام برحلات روسية إذا قامت شركات الطاقة الكبرى بتشديد متطلبات السفن بسبب العقوبات، فيما تقول مصادر في الصناعة إن شركات النفط الكبرى، بما في ذلك "شل" و"بي بي"، تتجنب عملياً الناقلات المعروفة بأنها تحمل الخام الروسي.

ووجدت شركة النفط الأميركية العملاقة "إكسون موبيل" نفسها عالقة في هذه الورطة، لأنها استأجرت سابقاً إحدى الناقلات التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات وهي "ياسا غولدن بوسفور" مع أنه لم يكن هناك ما يشير إلى أن "إكسون" انتهكت أي لوائح.

في هذا الصدد، اعتبر مايك سالتهاوس، من "نادي نورثستاندارد للحماية والتعويض"، أن استمرار شركات النفط الكبرى في رحلات الحد الأقصى للسعر، باعتبارها من أكبر شركات نقل النفط على مستوى العالم، سيكون بمثابة "مثبط كبير" للمالكين المستقلين في مجموعة السبع لمواصلة رحلات الحد الأقصى للسعر إذا تجنبتها شركات الطاقة الكبرى.

رفع مستوى التدقيق يرفع تكاليف نقل النفط

تجدر الإشارة إلى أن زيادة التدقيق اللازم لتجنب المشاكل يمكن أن تجعل التكاليف باهظة. فقد صرحت شركة "إف جي إي لاستشارات الطاقة" لـ"رويترز" بأن "الجميع سيقومون بالتحقق 3 مرات للتأكد من أن كل ما ينقلونه مكشوف، وهذا يفرض كلفة إضافية ويؤدي إلى ارتفاع أسعار الشحن".

يرى بعض كبار المحللين الخبراء في سوق النفط العالمية أن إزالة سقف الأسعار قد تكون هي السبيل لمعاقبة روسيا حقاً

كما قالت مصادر ملاحية لـ"رويترز" إن العقوبات الأميركية أدت فعلاً إلى رفع أسعار الشحن. على سبيل المثال، تأثرت أسعار شحن النفط من موانئ البلطيق الروسية إلى الهند بشكل خاص بسياسة الحد الأقصى للأسعار الأميركية، حيث كانت الهند واحدة من المشترين الرئيسيين للوقود الروسي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.

ومع ذلك، فإن تأثير ارتفاع أسعار الشحن الروسية تم حجبه من خلال الارتفاع العالمي في تكاليف الشحن، حيث أدى احتمال تصاعد الصراع في الشرق الأوسط إلى زيادة علاوة المخاطر على الشحن.

المزيد من ناقلات النفط الشبحية على خطوط الشحن البحرية

على المدى القصير، قد يكون هناك طلب خاص على السفن الوهمية المتاحة، وهو ما يجعل استئجارها أكثر كلفة. لكن على المدى الطويل، فإن زيادة مشتريات السفن المستعملة يمكن أن تؤدي إلى تضخم الأسطول الشبحي، حسبما قال باباديميتريو من شركة "فورتيكسا".

فسفن الأساطيل الوهمية التي تميل إلى أن تكون أقدم، تخضع للتأمين غير الغربي، وهو ما حذرت منه وزارة الخزانة الأميركية، نظراً للمخاطر البيئية المحتملة. وقالت الوزارة في بيان أصدرته يوم فرضت العقوبات: "قد تكون هذه السفن غير قادرة على دفع تكاليف الحوادث التي تشارك فيها، بما في ذلك التسربات النفطية التي تنطوي على أضرار بيئية هائلة ومخاطر تتعلق بالسلامة والتكاليف المرتبطة بها".

وذكر مطلعون على الصناعة أن مالكي السفن سوف يدرسون أيضاً مدى خطورة العقوبات المحتملة على انتهاكات الحد الأقصى للسعر. وفي هذا الإطار، قال ريتشارد برونز، من شركة "إنرجي أسبكتس"، إن السوق لاحظت أن فرض العقوبات الأولى ركز على "ميناء نوفي" من خام النفط الروسي المتخصص و"مزيج إسبو" من نوع المحيط الهادئ والذي عادة ما يكون أكثر كلفة من "خام الأورال" الرئيسي للتصدير في روسيا.

هنا، أشار برونز إلى أن العقوبات المفروضة على السفن المشاركة في نقل "الأورال" والتي بيعت بأكثر من الحد الأقصى كان من الممكن أن ترسل إشارة أقوى. ومع ذلك، يقول بعض المحللين إن إزالة سقف الأسعار قد تكون هي السبيل لمعاقبة روسيا حقاً.

من المتوقع أن تدرس الشركات التي تملك السفن مدى خطورة العقوبات المحتملة على انتهاكات الحد الأقصى لسعر النفط الروسي

حول هذه النقطة، قال مدير شركة "ساري كلين إنرجي الاستشارية" وتاجر النفط المخضرم آدي إيميروفيتش إنه إذا كانت مجموعة السبع تريد حقاً إيذاء روسيا، فيجب عليها إزالة سقف السعر والسماح لعقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بالعمل ونشر عقوبات ثانوية ضد تلك الشركات والدول التي تشتري النفط الروسي.

لكنه قال أيضاً إن ذلك غير مرجح على الإطلاق لأن سقف الأسعار يسمح على الأقل بتدفق النفط الروسي، وبالتالي يخفض الأسعار العالمية، مشيراً إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعاني بالفعل من ارتفاع أسعار النفط الذي تفاقم بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، فيما من المحتمل أن يتوسع الصراع في الشرق الأوسط، علماً أن آخر شيء تريده الإدارة هو ارتفاع أسعار النفط الخام في السوق العالمية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين.

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون