تتسابق المؤسسات المالية العاملة في بريطانيا على توظيف المهارات القادمة من الخارج أكثر من أي وقت مضى، في ظل مساعيها لسد النقص الحاصل نتيجة مغادرة البلاد الاتحاد الأوروبي، وكذلك تداعيات جائحة فيروس كورونا التي غيرت عمليات التوظيف في مناطق كثيرة من العالم.
ووفق أرقام وزارة الداخلية البريطانية، يحصل حوالي 200 عامل أجنبي في الأسبوع على وظائف في البنوك البريطانية ولدى مديري الصناديق وشركات التأمين وشركات أخرى في البلاد، مع تكثيف البحث عن المهارات وتخفيف قواعد الحصول على التأشيرات.
فبعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وانتهاء حرية الحركة، أصبح من الواضح أن تأشيرات العمل التقليدية التي تقودها وتكفلها الشركات لم تعد تلبي جميع احتياجات العمل، وهو ما دفع وزارة الداخلية إلى الإعلان عن سلسلة من التغييرات يتم تنفيذها على مدى ثلاث سنوات لمعالجة هذه المسألة وتجنب نقص الموظفين. وأصبح مسار التأشيرة المبسط بين الشركات (ICT) يتمتع بمرونة أكبر للتحول إلى مسارات عمل طويلة الأجل للبقاء في المملكة المتحدة.
وبحسب ما أوردت صحيفة ذا تايمز في الرابع من إبريل/ نيسان الجاري، شهد عدد رعاية التأشيرات من قبل شركات الخدمات المالية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها زيادات مطردة خلال الأرباع الخمسة الماضية، لتبدأ بـ722 وظيفة في الربع الأخير من 2020، ثم 899 وظيفة في الربع الأول من 2021، قبل أن تقفز إلى 1510 وظائف في الربع الثاني، ثم 2360 في الربع الثالث، وأخيراً 2192 وظيفة في الربع الأخير من العام الماضي.
تقول لويزا كول، الخبيرة في قانون الهجرة: "أعتقد أنّ الأرقام ستستمر في الارتفاع. نحن في البداية فقط. هناك حرب لجذب المواهب". كما يبدو أنّ الأرقام تتناقض مع أسوأ المخاوف التي تم التعبير عنها في وقت استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عندما حذرت شركات من هجرة جماعية للمواهب.
وبدلاً من ذلك، ومع تخفيف الإغلاق وتوسع العديد من الشركات تتصاعد معركة البحث عن المواهب، وتشكو الشركات من نقص المهارات في مجالات مثل تكنولوجيا المعلومات والاستثمارات وغيرها.
وفي السنوات الأخيرة خففت وزارة الداخلية قواعدها وألغت الحد الأقصى للتأشيرات العامة، بالإضافة إلى تقديم فئات جديدة من التأشيرات التي توسع أنواع المهارات المقبولة وتقلل من الحد الأدنى للراتب، أبرزها تأشيرة التنقل العالمي للأعمال (GBM)، التي ستصبح قيد التنفيذ في 11 إبريل الجاري.
وهذه التأشيرة مخصصة لكبار المديرين والموظفين المتخصصين الذين يرغبون في الالتحاق بالمملكة المتحدة مؤقتاً للقيام بأعمال تتعلق بتوسيع الأعمال التجارية الخارجية في بريطانيا. وهذه التأشيرة لا تؤدي بشكل مباشر إلى الاستقرار في المملكة المتحدة، لكن من الممكن التحول إلى طريق هجرة آخر يؤدي إلى الاستقرار.
"سوق العمل الحالي ليس مثل أي سوق رأيته منذ ما يزيد عن 20 عاماً من العمل" يقول مايك (61 عاماً) موظف بريطاني، في حديثه إلى "العربي الجديد" ويكمل أن أصحاب المهارات يتقدمون للحصول على وظائف من الخارج بسبب قلّة المتقدّمين المقيمين في المملكة المتحدة وتدّني أجور العمالة الأجنبية مقابل أولئك المقيمين في لندن.
بدورها، تقول كارين (56 عاماً) ممرضة، إنّ هذه الشركات يجب أن توظف مواطني المملكة المتحدة أولاً كما تفعل الدول الأخرى إلا في حال غياب المهارات المطلوبة في البلاد. وترجّح أن سبب اللجوء إلى المهارات الأجنبية هو دفع رواتب أقل مقارنة برواتب الموظفين من الداخل.
في المقابل، يقول دوغ (60 عاماً)، على العكس من ذلك، علينا أن ندفع مبلغًا أعلى لجذب المواهب المناسبة. ويضيف أنّ معدل ضريبة الدخل لدينا يعدّ من أعلى المعدلات في العالم، لذا يتعين علينا دفع المزيد للتعويض. قد نحتاج إلى توظيف موظفين أصغر سنا كونهم بشكل عام أكثر ذكاءً في مجالات التكنولوجيا من العمال الأكبر سنًا الذين يمتلكون مجموعة مهارات قديمة.
ومن المقرّر أيضاً أن يتم فتح مسار تأشيرة التوسع (Scale up visa) في 22 أغسطس/آب 2022، وهي تأشيرة للأفراد الموهوبين المعينين من قبل راع في المملكة المتحدة، والذين لديهم المهارات اللازمة لتمكين أعمال التوسع من الاستمرار في النمو. سوف تحتاج هذه التأشيرة بالحصول على عرض عمل على درجة عالية من المهارة من شركة مؤهلة لتوسيع نطاق العمل بمستوى الراتب المطلوب. وهي تأشيرة تتيح الاستقرار في المملكة المتحدة وقد ينضم إلى المتقدمين أو يرافقهم شريك وأطفال معالون.
ونشرت وزارة الداخلية في مايو/أيار 2021 ورقتها السياسية "خطة جديدة للهجرة: بيان إستراتيجية الهجرة القانونية ومراقبة الحدود" التي قالت إنّه في ربيع عام 2022، ستقدم طريقاً جديداً قائماً على النقاط غير خاضع للرعاية لجذب ألمع وأفضل العمّال إلى المملكة المتحدة، مع التركيز بشكل خاص على النخبة من ذوي المهارات العالية والأكاديميين. وتطرح الحكومة مجموعة من الإجراءات كجزء من خطتها لجعل المملكة المتحدة مركزاً عالمياً للابتكار بحلول عام 2035.
وكانت الأجواء التي أعقبت وباء كورونا وعقبات الهجرة الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أدّت إلى ترك النظام البيئي التكنولوجي والابتكار في بريطانيا يعاني من نقص حاد في الموظفين ذوي المهارات العالية.
وتحدث ريتشي سوناك وزير الخزانة البريطاني عن شبكة المواهب العالمية في بيانه الخاص بالخريف. وقال إن هذه الشبكة "ستجلب الأشخاص ذوي المهارات العالية إلى المملكة المتحدة في قطاعات العلوم والتكنولوجيا الرئيسية".
كذلك، تعهّد سوناك أنّه سيجلب من خلال برنامج رواد الأعمال العالميين التابع لوزارة التجارة الدولية، 100 من رواد الأعمال المبتكرين وذوي المهارات العالية إلى المملكة المتحدة كل عام.
ووعدت الحكومة بجعل طريق الهجرة للمبتكرين أكثر جاذبية. وقالت إنّه لن يُطلب من المتقدمين امتلاك ما لا يقل عن 50 ألف جنيه إسترليني في صناديق الاستثمار، وإنما سيحتاج المبتكرون فقط إثبات أنّ أعمالهم مبتكرة وذات إمكانات عالية للنمو.