زيادات الحكومة اللبنانية: جرعة مهدئة يرفضها موظفو القطاع العام

19 ابريل 2023
مطالبات بتصحيح الرواتب والمعاشات التقاعدية وفق مؤشر الغلاء والتضخم (Getty)
+ الخط -

لم تمرّ الزيادات التي اقرّتها الحكومة اللبنانية، الثلاثاء، على موظفي ومتقاعدي القطاع العام الذين يجدون فيها وسيلة احتيالية جديدة تنتهجها المنظومة السياسية لإخراجهم من الشارع وفكّ إضراباتهم وتعتمد خلالها إجراءات ترقيعية لا تلبي مطالبهم في ظلّ التضخم الكبير وانهيار العملة المحلية.

وأعلنت الهيئات وروابط القطاع العام والمتقاعدين المدنيين والعسكريين في لبنان رفضها مقررات مجلس الوزراء الأخيرة، باعتبار أنها "مخيبة للتوقعات، ولا تلبي الحد الأدنى من المطالب والحقوق المشروعة".

وشدد المعترضون في بيان على إصرارهم وتمسّكهم بتصحيح الرواتب والمعاشات التقاعدية وفق مؤشر الغلاء والتضخم شريطة اعتماد مبدأ التماثل بين القطاعات كافة في الخدمة الفعلية والتقاعد.

ودعت الهيئات وروابط القطاع العام والمتقاعدين المدنيين والعسكريين إلى تحديد سعر صرف ثابت لاحتساب الرواتب والمعاشات التقاعدية والتمسك بتوفير الاعتمادات المالية الكافية المطلوبة للطبابة ولاستشفاء الموظفين والمتقاعدين وبخاصة قوى الأمن الداخلي والجمارك وتعاونية موظفي الدولة وصندوق تعاضد الجامعة.

ومن أبرز مقررات مجلس الوزراء التي اتخذها في جلسة عقدت يوم الثلاثاء برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على وقع تحركات مطلبية غاضبة في محيط السرايا الحكومية، زيادة أربعة أضعاف الراتب الذي يتقاضاه موظفو الملاك في القطاع العام والمتعاقدون والأجراء لديه، على أن لا يقل هذا التعويض المؤقت عن 8 ملايين ليرة شهرياً.
وأيضاً زيادة ثلاثة أضعاف الراتب الأساسي ومتمماته الذي تتقاضاه الأسلاك العسكرية على أن لا يقلّ هذا التعويض المؤقت عن 7 ملايين ليرة شهرياً.
وقرر مجلس الوزراء أيضاً زيادة ثلاثة أضعاف المعاش التقاعدي للمتقاعدين في جميع الأسلاك الذين يستفيدون من معاش تقاعدي على أن يتم احتساب معاش العسكري المتقاعد على أساس المعاش بالإضافة إلى كامل المتممات.
وضاعف مجلس الوزراء البدل الشهري المقطوع لمقدمي الخدمات الفنية وبدل ساعة التعليم للمتعاقدين مع الجامعة اللبنانية والمتعاقدين بالساعة في المعهد الوطني العالي للموسيقى.
كما قرر إضافة 50% على بدل الساعة للمتعاقدين في التعليم الأساسي والتعليم المتوسط والتعليم الثانوي والمهني والتقني والتعليم الزراعي الفني الرسمي. فيما لا يجوز في مطلق الأحوال أن يتجاوز التعويض المؤقت للمستفيد الخمسون مليون ليرة شهرياً، ويشترط للاستفادة من هذه الزيادات الحضور 14 يوماً على الأقل في الشهر وفق الدوام الرسمي ما لم يكن الغياب مبرراً قانوناً.

وقرر مجلس الوزراء إعطاء صاحب الحق ما يعادل 450 ألف ليرة عن كل يوم حضور فعلي للسلك الإداري والعاملين في المؤسسات العامة واثني عشرة يوماً لأفراد الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية، وذلك على صعيد تعويض النقل المؤقت.

أما بشأن القطاع الخاص، فقد تقرر إعطاء جميع المستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل زيادة غلاء معيشة بقيمة 4 ملايين ونصف مليون ليرة، ويعين الحد الادنى الرسمي للأجر الشهري بمبلغ 9 ملايين ليرة، كما يعين الحد الأدنى الرسمي للأجر اليومي بمبلغ 410 آلاف ليرة. كما جرى تحديد قيمة بدل النقل اليومي عن كل يوم حضور فعلي إلى مركز العمل بـ250 ألف ليرة.

في السياق، تقول رئيس اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي نسرين شاهين لـ"العربي الجديد"، إن مقررات الحكومة الأخيرة "لا تلبي المطالب، ولا تمنحنا الاستقرار المطلوب، فهي لم تعطِ زيادات على أساس الراتب، ولم تحدد سعر صيرفة، ولم تثبت سعر صرف الدولار، بينما تواصل دورانها في فلك الحوافز والمساعدات وزيادة أضعاف الراتب وبدلات النقل، فيما كل هذه الخطوات يمكن أن يطيح بها ارتفاع سعر صرف الدولار".

وتضيف شاهين: "نريد زيادات وإجراءات تضمن استمرارية الموظفين، ولا تُمحَى في ليلةٍ بمجرد أن يرتفع سعر صرف الدولار، ما سيضرب القيمة الشرائية للتقديمات ويعيدنا إلى نقطة الصفر".

وتتوقف شاهين عند ربط الزيادات بالحضور الفعلي إلى مركز العمل، ما يضرب مفهوم الوظيفة ويؤكد على مخطط الحكومة بتقييد وتقويض القطاع العام بطريقة مبطنة، ومحاولتها منعهم من تنفيذ التحركات المطلبية والإضرابات، وبالتالي هي تنقض على الأصوات الحرة والمنتفضة داخل الوزارات والإدارات العامة.

أيضاً، تشير شاهين إلى أن بدل النقل كان بالأساس 5 ليترات بنزين، الأمر الذي يعوّض بعض الشيء على الموظف باعتبار أنه يأخذ بالليتر، ولن يتأثر بتقلبات سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، بيد أن إعطاء 450 ألف ليرة كبدل نقل، قد يفقد قيمته بمجرد ارتفاع سعر صرف الدولار وزيادة أسعار المحروقات تلقائياً، وهذا دليل جديد على إفلاس الحكومة.

وحول الخطوات اللاحقة، تقول شاهين إن التحركات والاجتماعات مستمرة حتى تحقيق المطالب، لكن للأسف هيمنة الأحزاب على مؤسسات الدولة تؤثر في نسب المشاركة بالتظاهرات والتقيّد بالإضرابات، إذ إن كل حزب له أزلامه داخل المؤسسة العامة، بعدما نجح في قيام فدرالية مبطنة، وبالتالي يعطي جماعته من الموظفين رواتب بالتوازي مع تلك الزيادات، لإخراجه من الشارع وإحضاره إلى مركز العمل، من هنا فإن السلطة تدعم الزبائنية داخل الوزارات بينما تأخذ القطاع العام إلى الانهيار، بدل إعادة هيكلته.

من جهته، يقول العميد المتقاعد جورج نادر لـ"العربي الجديد": "إننا نرفض حتماً قرارات الحكومة الأخيرة، التي لا تلبي مطالبنا، ولا تزال ضمن دائرة الحلول الترقيعية".

ويشير نادر إلى أن المتقاعدين بصدد تغيير نمط التحركات، "وسنعلن عنها قريباً"، لافتاً إلى أنه "من غير المسموح استمرار السلطة السياسية بالتعاطي معنا بهذه الطريقة، نريد أبسط حقوقنا، من سلم متحرك للأجور يكون بالحد الأدنى منطقياً ويتحرك تبعاً لتحرك سعر الصرف، كما نتمسك بمنح الطبابة لكل القطاعات العامة والمساعدات المدرسية".

بدوره، يقول نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد جعجع لـ"العربي الجديد"، إن المقررات التي صدرت عن الحكومة، الثلاثاء، هي نفسها غير مقتنعة بها، ولا تكفي لتوفير المأكل والمشرب والاستشفاء والتعليم، و"بالكاد يمكن أن توصلنا إلى مراكز عملنا".

ويستغرب جعجع كيف أن الحكومة تستمرّ في اتخاذ القرارات من دون إجراء أي دراسة مالية واقتصادية أو خطة شاملة تضمن حقوق الموظفين واستمراريتها، باعتبار أن كل هذه المقررات ستتبخر بلحظة بمجرد أن يرتفع سعر صرف الدولار.

اقتصادياً، تقول الخبيرة في الاقتصادات المدولرة ليال منصور لـ"العربي الجديد"، إن الحلول التي تعتمدها الحكومة خاطئة، ولا تعدو كونها إبرة مورفين، إذ لا ترتكز على أي أساس أو خطة اقتصادية إصلاحية شاملة، فهي بدل أن تلجأ إلى الإصلاح وتصغير القطاع العام تعمد إلى رفع الأجور للموظفين الذين يستحقون الزيادة وأولئك الذين لا يعملون وتالياً لا يستحقونها، لافتة إلى أن نصف الموظفين في المؤسسات والإدارات العامة لا يعملون، وجرى توظيفهم خلافاً للأصول والقانون.

من ناحية ثانية، تضيف منصور "صحيح أن وزير المال يوسف الخليل أعلن أنه سيصار إلى رفع جمرك السيارات إلى سعر صيرفة لتحصيل الليرة بغية تغطية زيادة الرواتب، الأمر الذي من شأنه أن يضبط سعر الصرف ويبطئ ارتفاعه لكن بشكل مؤقت، إذ لا يستطيع أن يراهن وزير المال على هذه الخطوة ليدفع رواتب القطاع العام باعتبار أنها ليست ناجمة فقط عن ضرائب السيارات، والضرائب الصحيحة تحتاج في المقابل إلى تقديمات وخدمات للمواطنين، وهو غير قائم في لبنان".

وتلفت منصور إلى أن عملة لبنان متوفاة أصلاً، ومهما اتخذت الحكومة إجراءات فلن تكون لها قيمة، والموظفون سيواصلون المطالبة بزيادة رواتبهم التي تتآكل قيمتها على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار، من هنا لا بداية حلّ إلا بدولرة شاملة، ولو جرى منح الرواتب بالدولار الأميركي، علماً أن هذه الخطوة من شأنها أن تصغر القطاع العام، باعتبار أن الدولة على قدر ما تملك من دولارات ستدفع لموظفيها، وهي لا تملك كفاية لمنح كل الموظفين العاملين وغير العاملين، ما سيضطرها إلى السير بمنحى إصلاحي وظائفي.

المساهمون