عندما أبدأ بالتفكير في بداية كل أسبوع لأحدّد الموضوع الذي سأكتب عنه للنشر في صحيفة "العربي الجديد" الغرّاء، ينتابني ما شعر به ابن الرومي لمّا دعاه والي الموصل، لكي يقطع نهر دجلة، حتى يستقرّ في ديوانه. ولكن الشاعر المتشائم والخائف من تلك الرحلة النهرية تردّد كثيراً، وكتب قصيدة مديح في الوالي، وأرسلها إليه أملاً في مكرمته بدون السفر إليه. وفيها ثلاثة أبيات تمثل حيرة الإنسان وقلقه، وتنازعه مع نفسه، وهي حائرة بين أن تأخذ المخاطرة أو ترضى بالسكوت والسكون. وتقول الأبيات:
ولما دعاني للمثوبة سيّدٌ … يرى المدح عاراً قبل بَذْل المثَاوب
تنازعني رغْبٌ ورهب كلاهما … قويٌّ وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ … وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
وننظر في أحداث الأسبوع، ونتذكر أن الهند وباكستان حصلتا على استقلالهما عن الاستعمار الإنكليزي قبل 75 عاماً، وتشكلت دولتان بعد انفساخ باكستان عن الهند، لتصبح الهند مقسّمة إلى دولتين متحاربتين بقوة نووية في كل منهما. وقد سمعت من هنود مسلمين رأياً يقول فيه إن فكرة إنشاء دولة مستقلة للمسلمين كانت خطأ كبيراً، وإن الهند لو بقيت موحدة لكان عدد المسلمين فيها يزيد على 600 مليون نسمة، أو أنهم يشكلون الآن حوالي ثلث سكان الهند، ما يجعلهم قوة لا يمكن تجاهلها كما تفعل حكومة ناريندرا مودي في الوقت الحاضر. (وقد حَسبْتُ النسب وفق إحصاءات السكان في كل من الهند وباكستان وبنغلادش عام 2020). وسوف يبقى هذا السؤال المغاير للتاريخ قائماً. ماذا لو بقيت الهند موحّدة، هل سيكون وضع المسلمين في شبه القارّة الهندية أفضل مما هو عليه الآن؟ بالطبع، سيقول الباحث المحايد إن هذا الاستنتاج يعتمد على أمور كثيرة.
وكذلك شهدنا في مصر حادث كنيسة أبو سيفين يوم الأحد الماضي، 14 أغسطس/ آب، والذي انتهى بوفاة 41 شخصاً، بينهم 18 طفلاً قضوا حرقاً، نتيجة تماسّ كهربائي، حصل بسبب مكيفات الهواء. وتبين أن عدد المصلين في الكنيسة جنوب القاهرة قد بلغ خمسة آلاف. وفي الوقت ذاته، بلغ عدد الجرحى أقل من ثلث الموتى، وهذا ليس معهودا، إذ عادة ما يتجاوز عدد المصابين عدد الموتى.
هذه الحادثة الحزينة والمأساوية، بالإضافة إلى حوادث السير والقطارات المروّعة، تفتح الباب على مصراعيه لكي تُبذل جهود أكثر في الصيانة. ولا ندري ما هي المخصّصات للصيانة في الوطن العربي لسلامة المواطن من ضعف البنية التحتية ورأس المال الاجتماعي، مثل الطرق والسكك والعبارات والأبنية العامة.
ولعل التركيز على الصيانة، ورصد مخصّصات كافية لها يجب أن يُعطى في الموازنات العامه في دول عربية كثيرة أهمية خاصة، وعلى قدر موازٍ من الأهمية للأرصدة التي تخصّص لبناء مبان وبنى تحتية جديدة، والتي سرعان ما تتطلب، بعد بدء استخدامها، صيانة دورية وصيانة طارئة. ونتذكّر هنا قول الخليفة عمر بن الخطاب "والله لو أن بغلة في العراق عثرت لسُئِلت عنها يوم القيامة لِم لم أمهد لها الطريق"، فما بالك بآلاف المواطنين العرب الذين يهلكون أو يُصابون بعاهات جسدية دائمة بسبب الحوادث الدامية التي نقرأ عنها كل يوم.
أم نتحدث عن تصريح السفير الصيني في عمّان، إن بلاده هي ثاني أكبر شريك اقتصادي للأردن. وأكد أن العلاقات الاقتصادية ممتدة افقياً في مجالات التبادل التجاري، والخدمي، والاستثماري، والثقافي الداعم للتبادل الاقتصادي.
وأكد أن كلا البلدين يودّ تعزيز تلك العلاقات، خصوصا في ضوء المشروع الصيني العملاق "الطريق والحزام"، والذي سيكون الأردن من نقاط ارتكازه المهمة. ويبلغ التبادل التجاري بين البلدين حوالي أربعة مليارات دولار سنوياً، ويأتي ميزانه لصالح الصين. ولكن الفجوة في الميزان التجاري بينهما تقلّصت بفعل الارتفاع الكبير في أسعار سلعتي الفوسفات والبوتاس اللتين يصدّر الأردن منهما كمياتٍ كبيرة متزايدة إلى الصين. وسوف يقيم البلدان استثماراً مشتركاً جديداً للفوسفات في الأردن، لخدمة السوق الصينية.
أما الاستثمارات الصينية في الأردن فهي أكبر ما تكون في قطاع الألبسة، حيث تصدّر الصين ما تصنعه من ملابس في الأردن إلى الولايات المتحدة، مستفيدة من اتفاقية التجارة الحرة بين كل من الولايات المتحدة والأردن. وكذلك، تمنح الصين بعثات كثيرة لطلبة أردنيين للدراسة أو التدرّب في الصين، وفتحت فرعاً لمركز "كونفوشيوس" لتدريس اللغة الصينية في الأردن.
الأمر الرابع ما أشيع عن نية الرئيس الصيني، شي جيابنغ، زيارة السعودية، واللقاء هناك مع كل من الملك سلمان وولي العهد محمد بن سلمان، لتعزيز علاقة التعاون الثنائي. والواقع أن هناك تغيراً واضحاً في منهجية السياسة الخارجية للمملكة، والتي تعكس مزيداً من الثقة بالنفس، تجلت في تبنّي سياسة تسعير نفطية في إطار " أوبك+" وبالتنسيق مع روسيا. وكذلك إصرار السعودية على إبقاء علاقاتها الاقتصادية مع الصين قوية، خصوصا أن الصين ستبقى من أكبر أسواق النفط السعودي. وثالثاً لأن المشروعات التنموية الطموحة في السعودية تتطلب مساهمةً واضحة من الصين التي برزت قدراتها المتميزة في إنجاز مشروعات البنى التحتية من سكك حديد، وطرق، ومبان شاهقة (ناطحات السحاب)، وتطوير للطاقة المتجدّدة، وصناعة السيارات والآلات الثقيلة والإنتاجية. وتريد الصين أن تكون السعودية سوقاً لها، والسعودية ترغب في أن تنوع مصادرها بحثاً عن صفقاتٍ مُجزيةٍ تحقق النوعية المطلوبة والأسعار المعقولة.
هذا غيض من فيض مما يجري في العالم كل أسبوع، ولم نأت على ذكر العدوان الإسرائيلي على سورية، ولا ما يجري في العراق من احتراب وتنافس شرس بين فصائل المكوّن الشيعي هناك، ولا على الموافقات المتتالية من أعضاء حلف الناتو الكبار لإدخال السويد وفنلندا في الحلف العسكري، ولا عن زيادة المديونية العربية في دول مثل لبنان، ومصر، والأردن وغيرها.
.. الأحداث تتوالى، والحيرة في الاستكشاف تزداد.