ريشي سوناك... وزير ثري في حكومة بريطانيا تلاحقه فضائح مالية بسبب زوجته

02 يونيو 2022
وزير المالية البريطاني ريشي سوناك وزوجته (Getty)
+ الخط -

بينما تواجه معظم الأسر البريطانية ضغوطاً مالية كبيرة بفعل ارتفاع تكاليف المعيشية في ظل الغلاء والأعباء الضريبية، خرجت إلى العلن قضايا مالية تتعلق بوزير المالية ريشي سوناك وزوجته، وصفتها المعارضة بـ"الفضائح الأخلاقية"، ما أثار انتقادات واسعة للرجل الذي لطالما كان محبوباً من قبل المحافظين.

خرج سوناك سالماً من تداعيات الإغلاق في بريطانيا بفعل جائحة فيروس كورونا، والذي يعد أكبر تحدّ يواجهه أي وزير منذ الحرب العالمية الثانية، إلا أن الأشهر القليلة القادمة ستكون حاسمة بالنسبة إليه، حيث ستختبر الحكومة قدرته على مواجهة الأزمات الناجمة عن التضخم بشكل كبير.

توصف قصة الشاب الأربعيني، الذي يتحدر من أسرة مهاجرة من أصول هندية، بالمعقدة وغير التقليدية. إذ يراها البعض ليست قصة نجاح مهاجر، بل قصّة نجاح طبقة معينة ومحيط بعينه ووسط تعليمي محدد يطلق عليه اسم "أوكسبريدج". ويكون خرّيجو هذا الوسط قد تلقّوا تعليمهم في واحدة من بين أقدم الجامعات في بريطانيا: أوكسفورد أو كامبريدج. وهذه النخبة هي عادة التي تدير البلاد تاريخياً.

فمن هو رجل المال في الحكومة الحالية في وقت تعيش فيه بريطانيا واحدة من أسوأ التجارب اقتصادياً وسياسياً؟

ولد ريشي سوناك في ساوثهامبتون، وتلقّى تعليمه في مدرسة وينشستر الخاصة والمكلفة بالنسبة لوالده الطبيب ووالدته الصيدلانية. إلا أن هذه المدرسة الداخلية معروفة بقدرتها على تأهيل طلّابها لدخول جامعتي أوكسفورد وكامبريدج. الطبقة الاجتماعية من حيث الثراء والتعليم، تصبح في هذه الحالة أهم من العرق واللون.

هذا ما لفت سوناك في سنّ مبكرة ربما، عندما كان برفقة أخيه الذي يصغره بسنتين وأخته التي تصغره بخمس سنوات في أحد مطاعم الوجبات السريعة.

يقول سوناك إنها المرة الوحيدة التي رنّت في أذنه الكلمة الأسوأ على الإطلاق في الثقافة البريطانية المناهضة نوعاً ما للعنصرية: "باكي"، وهي اختصار لباكستاني، يُطلقها العنصريون من البيض على كل الأعراق الأخرى كالهنود والباكستانيين والشرق أوسطيين، وباتت اليوم كلمة ممنوعة في قواميس العدالة والقضاء. أصابته الكلمة التي تسلّلت من أحد الجالسين بالقرب منهم بإحباط كبير.

لكنه بات لاحقاً يشجّع الفريق الإنكليزي عندما يلعب ضد الفريق الهندي في مباريات الكريكت، واختار أن يكون "محافظاً" في حكومة لا تخفي "عنصريتها" تجاه الآخر، اللاجئ والهارب من الجحيم والقادم من بلدان الـ"باكي".

وهو أيضاً الذي أيّد بشدّة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016 قائلاً: إن "هذه الخطوة ستجعل بريطانيا أكثر حرية وعدالة وازدهاراً"، متحدّثاً عن ضرورة ضبط الحدود في وجه المهاجرين "غير النظاميين" حفاظاً على الأمن والسلام.

والداه لم يأتيا إلى بريطانيا في "قوارب الموت"، لكنّهما مهاجران. ولم يكن الاستفتاء هو المناسبة الأولى التي عبّر فيها سوناك عن موقفه من الاتحاد الأوروبي. سبق له وهو في سن المراهقة أن كتب مقالاً في مجلة المدرسة يتململ فيه من فكرة أوروبا وينتقد "خطط" طوني بلير الرامية إلى "تفكيك المملكة المتحدّة".

جرى انتخاب سوناك نائباً في "حزب المحافظين" للمرة الأولى عام 2015، عن مدينة ريتشموند، شمال مقاطعة يوركشاير. ولم يدخل أروقة السياسة إلا بدافع تعزيز المكانة بعدما تضاعفت ثروته بزواجه من أكشاتا مورثي، ابنة أحد مؤسسي عملاق تكنولوجيا المعلومات في الهند "إنفوسيس".

يعد سوناك أغنى أعضاء مجلس العموم البريطاني وتقدر ثروته بنحو 200 مليون جنيه استرليني، بينما تقدّر ثروة زوجته بـ700 مليون دولار. تلك الثروة الموجودة في بلدها الأم الهند، والتي لم تكلّفها أي ضرائب في المملكة المتحدة كونها احتفظت لنفسها بصفة "غير المقيم" التي تعفي صاحبها من دفع الضرائب عما يجنيه خارج الأراضي البريطانية، وهو ما أثار انتقادات واسعة بعدما جرى الكشف عن الأمر أخيراً في وسائل إعلام عدة.

كما ذكرت صحيفة "إندبندنت" أن سوناك مُدرج على أنه يستفيد من صناديق استثمار مسجلة في الجزر العذراء وجزر كايمان البريطانية، كي يساعد في إدارة الشؤون الضريبية والتجارية لزوجته.

وتعرض سوناك أيضاً لانتقادات حادة بسبب عدم الشفافية، بعدما أقر بأنه كان يحمل بطاقة إقامة دائمة في الولايات المتحدة "غرين كارد"، صالحة لغاية العام الماضي.

وبينما تثقل الضرائب كاهل البريطانيين وينغّص يومهم غلاء المعيشة، دفع سوناك 10 آلاف جنيه إسترليني من جيبه الخاص مقابل رحلة بطائرة خاصة تقلّه إلى عشاء "حزب المحافظين" في ويلز أخيراً، بحسب صحيفة "ميرور".

باتت ثروة سوناك تتعارض بشكل فاضح مع النضال اليومي لملايين البريطانيين والمقيمين اللاهثين لتغطية نفقاتهم اليومية، وقد اضطروا للمساومة في الحصول على الاحتياجات الأساسية بسبب أزمة مالية هي الأخطر منذ عقود. فهو ليس مجرّد شاب متعدد الجنسيات وصاحب ثروة كبيرة، بل هو صاحب أكبر ثروة في مجلس العموم، وزوجته أغنى من الملكة، بحسب الصحف البريطانية!

أضحى سوناك مليونيراً في منتصف العشرينيات بعد تخرّجه من أوكسفورد وعمله مع بنك "غولدمان" الأميركي. يقال إنه كان بارعاً في إقناع المستثمرين بالتخلي عن أموالهم. إلا أنه لم يبرع لاحقاً بعد سنوات، في إقناع البريطانيين بالتخلّي عن أموالهم الزهيدة لمجابهة أزمة اقتصادية حادة وصل صداها إلى معظم العائلات، بما فيها العائلات متوسطة الدخل أو أعلى بقليل.

لم يكن الأوّل في المدرسة ولا في الجامعة، لكنه بحسب أساتذته كان عنيداً، صلباً، واثقاً، مهذّباً، لبقاً وضاحكاً. وليس سوناك مثقفاً. الولاء هو أقوى ما لديه. قبل يومين من البداية الرسمية لحملة القيادة في "حزب المحافظين" في يونيو/ حزيران 2019.

شارك سوناك مع أوليفر دودن وروبرت جينريك في كتابة مقال بعنوان: "المحافظون في خطر.. وحده بوريس جونسون قادر على إنقاذنا". كوفئ الرجال الثلاثة بمناصب حكومية رفيعة، وبات سوناك السكرتير الأول للخزانة. يضاف إلى الولاء، قدرة كبيرة على إرضاء الأشخاص الأقوياء المحيطين به.

 

المساهمون