روسيا تمدد حظر الطيران على الشركات الغربية... متاعب كبيرة للخطوط الأوروبية والأميركية
مددت الوكالة الفيدرالية الروسية للنقل الجوي حظر الطيران المفروض على الشركات الغربية إلى 11 مطاراً جنوب ووسط البلاد حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، ما يزيد من متاعب هذه الشركات، إذ اضطرت لتنظيم رحلاتها إلى اعتماد مسارات أطول أكثر كلفة.
وقالت وكالة النقل الجوي في بيان، وفق وكالة تاس الروسية، اليوم الاثنين، إنه "جرى تمديد قيود السفر المؤقتة إلى 11 مطاراً في جنوب ووسط روسيا حتى الخامس عشر من الشهر الجاري".
وأغلقت روسيا في نهاية فبراير/ شباط الماضي، جزءاً من مجالها الجوي في الجزء الجنوبي والأوسط من البلاد أمام ناقلات 36 دولة، رداً على العقوبات الغربية ضدها بعد غزوها أوكرانيا.
ومنذ ذلك الحين، تواجه شركات الطيران الغربية أعباء كبيرة، إذ أضاف الحظر الجوي الروسي عدة ساعات إلى وقت الطيران الطويل بالفعل بين أوروبا والشرق الأقصى.
واضطرت شركة "إير فرانس– كيه إل إم" وشركات الطيران الأوروبية الأخرى المتجهة إلى اليابان للالتفاف حول روسيا عبر كازاخستان ومنغوليا، مضيفة عدة ساعات إلى زمن رحلاتها، في حين أشارت شركة "فيرجن أتلانتيك إيروايز" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى أن إغلاق المجال الجوي الروسي يمثّل سبباً رئيسياً للانسحاب من هونغ كونغ نهائياً بعد 30 عاماً من عمل هذا الخط.
تغيير الجغرافيا السياسية
أما شركة "فين إير" الفنلندية، التي أمضت سنوات في إنشاء مركز في هلسنكي يربط شمال آسيا بأوروبا والولايات المتحدة، فقد شهدت تدمير خطوط شبكتها المتجهة شرقاً نتيجة إغلاق الأجواء الروسية.
ويعد تغيير المسارات انعكاساً للجغرافيا السياسية التي يفرضها الصراع، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي الأميركية في نهاية الشهر الماضي، والتي رجحت إلغاء المزيد من شركات الطيران خطوطاً إلى آسيا.
ودفع الحظر الروسي شركات الطيران الـ36 المستهدفة إلى تحويل طائراتها إما شمالاً إلى القطب الشمالي وألاسكا في الولايات المتحدة أو جنوباً نحو الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وهذا يعني فترات طيران أطول.
وتبلغ المسافة بين الطرف الشرق آسيوي من روسيا ونهايتها قرب فنلندا في شمال أوروبا 9000 كيلومتر، وتمثّل رابطاً مهماً يربط بين الشرق والغرب ويساعد شركات الطيران على تقليص أوقات السفر باتخاذها للطرق القطبية.
والأزمة لا تقتصر على فترات الطيران الأطول والتي تدفع الركاب إلى التململ، وإنما تواجه الشركات أكبر العقبات، فعندما تضطر الرحلة إلى الوصول بعد ثلاث أو أربع ساعات من موعدها المعتاد، فهذا يعني أنّ رحلة العودة المعتادة قد لا تكون ممكنة، وهذا بدوره يعني أن الطائرة قد تضطر إلى قضاء الليل في المطار، ما يؤدي إلى فرض رسوم وقوف وساعات أكثر للطائرة لا تدرّ دخلاً، ثم هناك الوقود الإضافي.
ضياع مكاسب انحسار كورونا
وكانت شركات الطيران العالمية تعول على انحسار جائحة كورونا لتعاود النشاط بتنظيم الرحلات إلى آسيا، التي اضطرت معظم الشركات طيلة ثلاث سنوات إلى ترك أجزاء كبيرة منها خارج خرائط وجهات رحلاتها بسبب قيود "كوفيد 19"، التي أبقت أسواقاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ مغلقة تقريباً أمام السياح وسفر الأعمال.
وتسيّر شركة الخطوط الجوية اليابانية رحلات إلى لندن من طوكيو عبر ألاسكا وغرينلاند وعبر المحيط الأطلسي إلى العاصمة البريطانية بدلاً من سيبيريا، ما يزيد ثلاث ساعات على وقت الرحلة في كل اتجاه.
وقال مارك مارتن، مؤسس شركة "مارتن كونسلتينغ"، التي يقع مقرها في دبي وتقدم الاستشارات للقطاع، لوكالة بلومبيرغ الأميركية، إن الوقت الإضافي والوقود المستخدم في التحليق حول روسيا يمثلان مشكلة، مضيفا أنه يحتمل أن تضطر شركات الطيران لاستبدال طائرات، ما سيزيد عليها ساعات عمل الطاقم وربما حتى حجب مقاعد للسماح لطائراتها بالطيران لفترة أطول بأحمال أخف بسبب مدة الطيران الأطول.
وتضررت شركة الطيران الوطنية الفنلندية بشدة بشكل خاص، لأن الرحلات الجوية عبر مركزها في هلسنكي إلى وجهات مثل هونغ كونغ وسيول وشنغهاي تعتمد منذ فترة طويلة على إتاحة الوصول إلى المجال الجوي لسيبيريا.
وتقدّر "فين إير" أن تجنّب الرحلات الجوية فوق روسيا يزيد مدة رحلاتها الآسيوية بنحو 15% إلى 40%، ما يؤثر بدوره على ما يُسمّى تناوب الطائرات، وهي مهمة المزامنة الدقيقة لإعادة الطائرات إلى قواعدها وإرسالها في رحلات أخرى، إضافة إلى زيادة ساعات عمل الطاقم ووقود الاحتراق اللذين يقلبان معاً اقتصاديات الرحلات الجوية رأساً على عقب.
الآن تستغرق رحلة "فين إير" إلى طوكيو من هلسنكي نحو 13 ساعة ونصف، بدلاً من 9 ساعات ونصف، ويتطلب وقت الطيران الإضافي وجود طيار إضافي.
أما في شركة "إير فرانس"، فقد أصبح خط رحلة طوكيو - باريس الآن الأطول عند أكثر من 14 ساعة، وهو رقم قياسي احتفظت به في السابق رحلتها من باريس إلى سانتياغو.
مكاسب لشركات الطيران الخليجية
هذا الألم ليس متساوياً في جميع أنحاء الصناعة. إذ تواصل شركات الطيران في الشرق الأوسط التي امتنع مالكوها عن معاقبة روسيا بسبب غزوها، التحليق فوق البلاد أو إلى داخلها، ما يجعل شركة طيران الإمارات والخطوط الجوية القطرية والاتحاد للطيران اللاعبين الثلاثة المهيمنين في المنطقة، وقد بنوا أعمالهم على الروابط العالمية عبر مراكزهم المحلية، وهي ميزة حاسمة لهم على نظرائهم في أوروبا والولايات المتحدة.
تعتزم طيران الإمارات زيادة سعة خطوطها إلى اليابان عبر توظيف طائراتها من طراز إيرباص "إيه 380" على مسار دبي- طوكيو ناريتا ابتداءً من 15 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وتقول شركة الطيران التي تشغل رحلة يومية من دبي إلى أوساكا، إنها شهدت زيادة في عدد الحجوزات منذ إعلان الحكومة اليابانية تخفيف قيود السفر الشهر الماضي.
ثم هناك شركة "إير إنديا" التي خُصخصت حديثاً وتملكها الآن "تاتا"، أكبر مجموعة في الهند، حيث تواصل الشركة تسيير رحلات جوية عبر المجال الجوي الروسي، وستكسب ميزة غير متوقعة على منافسيها في أوروبا والولايات المتحدة.
وكان متوسط أوقات رحلات "إير إنديا" إلى الولايات المتحدة وكندا مثلاً أقل بنحو ساعة ونصف من أوقات رحلات الشركات المنافسة مثل "إير كندا" و"يونايتد إيرلاينز" خلال الأيام السبعة الماضية، وفقاً لبيانات شركة استشارات الطيران "سيريوم".
وتشير تقديرات "سيريوم" إلى أن "إير إنديا" استخدمت وقوداً أقل بنحو 7.5 أطنان من منافسيها غير القادرين على عبور المجال الجوي الروسي في الرحلات المشابهة، ما يعني توفيراً بنحو 8500 دولار في الرحلة الواحدة، بناءً على بيانات تسعير وقود الطائرات من الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا).
اكتسبت "إير إنديا" أيضاً اليد العليا بسبب قدرتها على الاستمرار في تشغيل الرحلات الجوية المربحة دون توقف بين الساحل الغربي للولايات المتحدة والهند، إلى جانب عملها على تحسين التزامها بالمواعيد والخدمات أثناء الرحلة.
خسائر للشركات الأميركية
على النقيض، علّقت شركة "يونايتد إيرلاينز هولدينغز" الأميركية رحلاتها المباشرة بين سان فرانسيسكو وبنغالور، التي روجت لها منذ فترة طويلة، وأُعلن عنها أول مرة عام 2020، مع خطوط سان فرانسيسكو ونيودلهي ونيوارك ومومباي، بينما أجلت مجموعة "أميركان إيرلاينز" بدء رحلاتها من سياتل إلى بنغالور إلى أجل غير مسمى.
ويشكل السفر صناعة رئيسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث وصل إليها نحو 360 مليون سائح دولي في 2019، وفقاً لتقرير من بنك التنمية الآسيوي.
وقال التقرير إن ارتفاع دخل الطبقة الوسطى أدى لزيادة الطلب على السفر، نظراً لأن الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية هي الأسواق الخارجية الرئيسية في المنطقة.