لجأت شركة روساتوم الروسية للطاقة النووية إلى شراكات مع مؤسسات إنشائية في كوريا الجنوبية وجهات تمويلية وسيطة للمضي قدماً في إنشاء المشروع النووي المصري في منطقة الضبعة شمال غربي البلاد، والتغلب على الحظر الأميركي المفروض على الكيانات الروسية.
وكشفت مصادر في وزارة الكهرباء المصرية في تصريحات لـ"العربي الجديد" عن تفاصيل الشراكات التي أبرمتها الشركة الروسية "من الباطن" لتنفيذ المشروع، بعدما أفصحت وزارة الصناعة في كوريا الجنوبية، يوم الخميس الماضي، عن أن الشركة الروسية تعاقدت من الباطن مع الشركة الكورية للطاقة المائية والنووية في صفقة تبلغ قيمتها نحو 3 تريليونات وون (2.25 مليار دولار) لتوريد المواد والمساعدة على بناء أربع محطات في مصر.
وأكدت المصادر سعي الجانب الروسي إلى الالتزام بتنفيذ عقد إنشاء المحطة النووية الذي وقعت عقده التنفيذي في ديسمبر/كانون الأول 2017، والذي تعطل عدة مرات، وتأثر مؤخراً بالعقوبات الأميركية التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا على الشركات الروسية، جراء الحرب في أوكرانيا.
ضغوط على مصر
وقال أحد المصادر إنّ المشروع لم يحظَ بموافقة الولايات المتحدة على تنفيذه، وتسبب التقارب الروسي المصري، في المجالات العسكرية والنووية، بمخاوف لدى واشنطن، التي عملت على تعطيله، وممارسة ضغوط على مصر، وتحذيرها من الاقتراض لتوجيه استثمارات هائلة لإقامة محطة الكهرباء النووية، بينما لديها فائض في توليد الكهرباء، يكفي احتياجاتها لعشر سنوات مقبلة.
وأوضح المصدر أنّ التزام البنوك المصرية بضوابط المقاطعة للمؤسسات المالية الروسية، عبر شبكة سويفت لتحويل الأموال، أصاب الشركات الروسية بحالة من الجمود، دفعها إلى التعامل المالي عبر طرف ثالث، والبحث عن شريك فني تأمّنه الولايات المتحدة، يدخل في تشييد المشروع النووي.
وأسست روسيا ومصر شراكة مع بورصة سلطنة عُمان، للتغلب على الشق المالي، بينما ستقوم الشركة الكورية لمحطات توليد الكهرباء المائية والنووية ببناء غرف التوربينات، والمولد الكهربي بوحدات التوليد الأربع، و80 منشأة ومرفقاً في مواقع وحدات التوليد، وتقوم روساتوم بمفردها ببناء المفاعلات النووية الأربعة.
وستتولى روسيا دفع 2.25 مليار دولار لشركة كوريا للطاقة المائية والنووية، التابعة لشركة كوريا للطاقة الكهربائية بنسبة 51% والبنوك التابعة لها.
وذكر المصدر في وزارة الكهرباء المصرية أنّ روساتوم ستلتزم بتمويل بناء المفاعلات النووية الأربعة، قدرة 4800 ميغاواط، بنحو 25 مليار دولار، بالإضافة إلى 3.5 مليارات دولار أخرى قيمة تدبير القرض والتأمين على معدات المشروع، على أن تبدأ مصر دفع أقساط القرض على 30 عاماً، اعتباراً من عام 2028، موعد تشغيل الوحدة الأولى.
وأشار المصدر إلى أنّ أيّ تأخير في تنفيذ المشروع يقع عاتقه على الجانب الروسي، الذي يحتاج نحو 8 سنوات للبدء في تشغيل الوحدة الأولى، بينما يستكمل بالكامل في 10 سنوات.
ويلتزم الجانب المصري بدفع 15% من القيمة الإجمالية للمشروع بالعملة المحلية، لشركات المقاولات التي تشارك في بناء الهياكل الخرسانية والمباني السكنية والإدارية للمشروع.
ووفق وكالة أسوشيتد برس، الخميس الماضي، فإن حكومة كوريا الجنوبية أكدت أن العقد المبرم بين شركة كوريا للطاقة المائية والنووية الحكومية وبورصة عُمان يطالب الكوريين بتوفير المعدات المتعلقة بالتوربينات وأعمال البناء للمحطة التي يجري بناؤها بالضبعة، مع شركة روساتوم المملوكة للحكومة الروسية.
مخاطبة الولايات المتحدة
وأشارت الوكالة إلى أن تشوي سانج موك، كبير أمناء الرئيس يون سوك يول للشؤون الاقتصادية، قال إنّ كوريا الجنوبية قدمت تفسيراً للولايات المتحدة قبل توقيع العقد، بشأن خططها للمشاركة في مشروع الضبعة، وأن الحلفاء سيواصلون التشاور الوثيق أثناء استمرار العمل.
وكانت كوريا الجنوبية تشارك في حملة الضغط الاقتصادي ضد روسيا، التي نظمتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إذ أنهت المعاملات مع البنك المركزي الروسي وصناديق الثروة السيادية وحظرت تصدير المواد الاستراتيجية إلى روسيا. لكن المسؤول الكوري الجنوبي أشار إلى عدم تعارض التقنيات التي توفرها كوريا الجنوبية للمشروع مع العقوبات الدولية ضد روسيا.
وعبر المصدر في وزارة الكهرباء المصرية عن أمل مصر وروسيا في أن يتجاوز المشروع عقبات التعطيل من الجانب الأميركي، في ظل وجود شريك فني موثوق به من جانب الدول الغربية، يعمل في مراحل التنفيذ المختلفة من المشروع.
وأكد أن الالتفاف الروسي حول قرارات المقاطعة الغربية أصبح أمراً سائداً، في العديد من الدول، حتى داخل أوروبا، إذ تحصل مشروعات الطاقة على تسهيلات خارج نطاق الحظر، لا سيما أن المحطة النووية المصرية حصلت على موافقات مسبقة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتراخيص اللازمة من هيئة الرقابة النووية.
يستهدف المشروع الذي يقع على بعد نحو 300 كيلو متر شمال غرب القاهرة بناء 4 وحدات لتوليد الكهرباء مجهزة بمفاعلات الجيل الثالث VVER-1200 بقوة 1200 ميغا واط في كل مفاعل.
وتمتلك روسيا وحدتين من نفس الطراز في مدينة لينينغراد ووحدتين في نوفوفورونيغ، ومحطة مماثلة في بيلاروسيا. كما شرعت في بناء محطة مشابهة لها في تركيا، مع تكلفة أقل بنحو 8.5 مليارات دولار عن المحطة النووية في مصر.
تسليم بنظام المفتاح
ينص العقد على تسليم المحطة النووية بنظام تسليم المفتاح، وأن تتولى روسيا إنشاء وتشغيل وصيانة المحطة طوال عمرها الافتراضي، مع تدريب خبرات مصرية على الإدارة والتشغيل، على مدار السنوات العشر الأولى من التشغيل. ويلتزم الجانب الروسي بتوفير الوقود النووي وإنشاء مرفق لتخزين الوقود النووي المستهلك.
كانت الشركة الكورية قد فازت عام 2009 بعقد إنشاء محطة براكة في دولة الإمارات، وانتهت من تنفيذها عام 2021، متغلبة على تحالف من الشركات اليابانية والأميركية، برئاسة "هيتاشي" و"جنرال إلكتريك" وتسعى من خلال شراكتها من روسيا إلى العودة لسوق المحطات النووية والتوسع في إقامتها بدول أفريقيا، بعد فوزها بالعقد الروسي. وتتطلع الشركة الكورية الجنوبية إلى أن تصدر 10 مفاعلات نووية بحلول عام 2030، مع محاولتها إقامة مفاعلات في السعودية وبولندا والتشيك.