تسعى موسكو لاستخدام ورقة صادرات الحبوب، سواء الروسية أو الأوكرانية، للضغط على الدول الغربية لرفع العقوبات المفروضة التي جاءت بعد غزوها الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير/شباط الماضي.
في الوقت ذاته، تواجه صادرات الحبوب عقبات سياسية ولوجستية تؤخر التسريع بعودة صادرات البلدين للأسواق العالمية، حيث تمثل أوكرانيا وروسيا معا ما يقرب من ثلث إمدادات القمح العالمية، في حين أن روسيا أيضا مُصدر رئيسي للأسمدة وأوكرانيا مورد رئيسي للذرة وزيت دوار الشمس.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الاثنين الماضي، إن "نحو 20 إلى 25 مليون طن من الحبوب عالقة، وقد ترتفع الكمية في الخريف إلى ما بين 70 و75 مليون طن".
وكانت كييف قبل الحرب تُصدّر 12% من إجمالي القمح، تحتل به المركز الخامس عالميا، وكانت مؤهلة لاحتلال المركز الثالث لولا الغزو الروسي، فيما تصدر 15% من الذرة وتحتل المركز الرابع عالميا، و50% من زيت عباد الشمس في العالم.
وتأتي زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنقرة في إطار المساعي الروسية لطرح رؤيتها للحل، والتي تحمّل ألغام أوكرانيا والعقوبات الغربية وزر تعطل صادرات الحبوب، وما ترتب عليه من أزمة إمدادات عالمية أدت إلى رفع الأسعار عالميا.
رفع العقوبات وإزالة الألغام
وقال الكرملين، اليوم الأربعاء، إنه يتعين رفع العقوبات الغربية المفروضة على موسكو حتى يتم تسليم الحبوب الروسية إلى الأسواق الدولية.
وأضاف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن العقوبات التي فرضها الغرب ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا "تؤثر على تأمين الشحن البحري والمدفوعات والوصول للموانئ الأوروبية".
وتابع قائلا إنه "لا توجد مناقشات فعلية" جارية بشأن رفع العقوبات.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأربعاء، خلال زيارته لأنقرة، إن المسؤولية تقع على عاتق أوكرانيا لحل المشكلات المتعلقة بشحنات الحبوب عن طريق إزالة الألغام من المنافذ المؤدية إلى موانئها، وإن موسكو "ليست في حاجة لاتخاذ أي إجراء، لأنها وفّت بالفعل بالتزاماتها الضرورية".
وزعم بيسكوف ووزير الخارجية سيرغي لافروف أن صادرات الحبوب الأوكرانية لا تشكل سوى جزء بسيط من السوق العالمية، وأن الغرب يضخم الأزمة وتصويرها كأنها كارثة عالمية.
ونقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن سلطات محلية قولها، اليوم الأربعاء، إن شحنات الحبوب سيتم استئنافها هذا الأسبوع من ميناء بيرديانسك الأوكراني الذي تحتله روسيا، والمطل على البحر الأسود، بعد انتهاء أعمال نزع الألغام.
وتتهم أوكرانيا روسيا بسرقة الحبوب من المناطق التي تحتلها وشحنها إلى روسيا قبل أن تعيد تصديرها مرة أخرى إلى بعض الدول.
وقال نائب رئيس اتحاد المنتجين الزراعيين الأوكرانيين دنيس مارتشوك، اليوم، إن روسيا سرقت نحو 600 ألف طن من الحبوب من مناطق أوكرانية محتلة وصدرت بعض هذه الكميات.
وأضاف مارتشوك متحدثا للتلفزيون الأوكراني أن بلاده ستطالب بتعويض من روسيا على سرقة الحبوب وعلى تدمير ممتلكات المزارعين.
وتابع قائلا: "حتى اليوم، سُلبت نحو 600 ألف طن من الشركات الزراعية ونُقلت لمنطقة شبه جزيرة القرم المحتلة مؤقتا، ومن هناك يتم نقلها لموانئ، خاصة ميناء سيفاستوبول، ومنه تتحرك سفن للشرق الأوسط".
وأشار إلى أن نحو 100 ألف طن من الحبوب شُحنت بالفعل لسورية، وفقا لأدلة سجلتها الولايات المتحدة.
دور تركي
وقال لافروف: "إننا نعلن كل يوم استعدادنا لضمان سلامة السفن التي تغادر الموانئ الأوكرانية إلى خليج (البوسفور)، ونحن على أهبة الاستعداد للقيام بذلك بالتعاون مع أقراننا الأتراك"، وأضاف أن "الشيء الوحيد المطلوب لحل المشكلة هو أن يدع الأوكرانيون السفن تخرج من موانئهم، إما عبر إزالة الألغام أو عن طريق تحديد ممرات آمنة، ولا شيء أكثر من ذلك".
من جانبها، عرضت تركيا، بناءً على طلب من الأمم المتحدة، مساعدة لمرافقة هذه القوافل من الموانئ الأوكرانية، رغم وجود ألغام كُشف عن بعضها قرب السواحل التركية، وسط الغزو الروسي لأوكرانيا.
واعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو أن "خطة الأمم المتحدة منطقية وقابلة للتحقيق. على أوكرانيا وروسيا قبولها".
وصرح بأن بلاده تعتبر طلب موسكو رفع العقوبات عن الصادرات الزراعية الروسية لتسهيل الصادرات الأوكرانية "مشروع"، مضيفا أنه "إذا كان علينا فتح السوق الأوكرانية الدولية، نعتقد أن إزالة العقبات أمام الصادرات الروسية أمر مشروع".
وتحدث تحديدًا عن صادرات "الحبوب والأسمدة" التي لا تتأثر بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو، لكنها في الواقع تمنعها من تعليق التبادلات المصرفية والمالية مع الخارج.
وبحسب وزير الزراعة التركي وحيد كيريشتشي، فإن "أوكرانيا تحمي موانئها التجارية حاليًا بالألغام خشية أن تتعرض لهجوم روسي إذا أزالتها".
رفض وتشكيك أوكراني
في المقابل، رفضت أوكرانيا، اليوم الأربعاء، تطمينات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن روسيا لن تستغل الموقف لصالحها إذا سمحت كييف بمغادرة شحنات الحبوب عبر البحر الأسود، واصفة تلك التطمينات بأنها "كلام أجوف".
وكتب أولج نيكولينكو، المتحدث باسم وزارة الخارجية، على تويتر، أن "المعدات العسكرية مطلوبة لحماية الشريط الساحلي والقيام بدوريات حراسة في مسارات الصادرات بالبحر الأسود. لا يمكن السماح لروسيا باستغلال مسارات الحبوب لمهاجمة جنوب أوكرانيا".
بينما، قال سيرهي إيفاشينكو، مدير اتحاد الحبوب الأوكراني (يو.جي.إيه)، اليوم الأربعاء، إن تركيا، التي تتفاوض مع روسيا لضمان مسارات آمنة لصادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية المحاصرة، لا تملك القوة اللازمة لكي تلعب دور الضامن.
وأضاف أمام مؤتمر للحبوب عبر الإنترنت في كييف أن إزالة الألغام الموجودة في موانئ أوكرانيا على البحر الأسود هي عملية قد تستغرق ما يصل إلى شهرين أو ثلاثة أشهر، وأنه ينبغي مشاركة القوات البحرية التركية والرومانية فيها.
وقال إيفاشينكو إن "تركيا لا تملك القوة الكافية في البحر الأسود لضمان سلامة الشحنات"، مضيفا أنه لم يتم إجراء أي محادثات بشأن تخفيض سعر الحبوب الأوكرانية المُصدرة عبر البحر الأسود.
وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هذا الأسبوع، إن أوكرانيا ناقشت مع بريطانيا وتركيا فكرة أن تضمن قوة بحرية من دولة ثالثة مرورا آمنا لصادرات الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.
(رويترز، العربي الجديد)