يتقدم تحدي تأمين مرتبات الموظفين والمتقاعدين في العراق، كأحد أبرز ما تواجهه حكومة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، إذ شهدت الأشهر الثلاثة الماضية تعثراً واضحاً في سداد المرتبات والنفقات التشغيلية التي تبلغ شهرياً نحو 4 مليارات دولار، وذلك بفعل تراجع إيرادت الموارد النفطية للعراق إلى أقل من 3 مليارات دولار شهرياً؛ بسبب تراجع أسعار النفط وتحديد منظمة "أوبك" العراق بسقف تصدير ثابت.
في السياق، قال مسؤول بوزارة المالية العراقية في بغداد، لـ"العربي الجديد"، الأربعاء، إنّ "الدولة تدرس عدة خيارات لتأمين المرتبات لعام 2021 أولها الاقتراض الداخلي وإصدار سندات بنكية، وبيع أملاك عامة وطرح أخرى للاستثمار، مع مساع للاتفاق مع عدة دول آسيوية لتلقي دفعات مقدمة من أموال النفط المتفق على تصديره خلال عام 2021 لتلك الدول"، مؤكداً أن "الآمال تبقى معقودة على تحسن أسعار النفط ولو بشيء بسيط".
من جهتها، قالت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم إنّ "أزمة الإيرادات المالية باتت أزمة عالمية تأثرت بها أغلب دول العالم لا سيما البلدان النفطية التي يعتمد اقتصادها بنسب كبير على الإيرادات النفطية، نتيجة لتفشي جائحة كورونا والتي أدت إلى انهيار أسعار النفط وانخفاض الطلب عليه بشكل كبير جداً".
وأضافت، خلال حديثها مع "العربي الجديد"، أنّ "العراق يُعد واحداً من أكثر البلدان النفطية تضرراً، بسبب اعتماده بنسبة 94% على الإيرادات النفطية متجاهلاً الإيرادات الأخرى التي لا تقل أهمية عن النفط".
وحول إمكانية الحكومة العراقية تجاوز أزمة ضعف الإيرادات، قالت سميسم إنّ "العراق ليست لديه إمكانيات سريعة الأجل لتجاوز الأزمة بسبب سوء إدارة الدولة، وليس إمامه سوى الاقتراض من صندوق النقد الدولي أو الاقتراض من الداخل، أو بيع النفط بالآجل"، متوقعة أن تلجأ الحكومة العراقية إلى بيع النفط بالآجل "كونه الخيار الأسهل والأقل ضرراً على العراق في الوقت الحالي".
وكانت وزارة النفط العراقية قد أكدت مسبقاً أنّ عملية بيع النفط بالدفع المسبق تُعد جزءاً من خطة عاجلة لتمويل ميزانية الدولة وتجاوز الأزمة المالية، فضلاً عن التزامات الوزارة تجاه منظمة "أوبك" لخفض الإنتاج، ودفع مستحقات شركات النفط الأجنبية، ودعم الاقتصاد العراقي.
وأكدت شركة تسويق النفط العراقية "سومو" أن هذه الخطوة "تأتي لغرض تسريع تحصيل الإيرادات المالية من بيع النفط الخام إلى الأسواق العالمية، وبما يخدم مصلحة البلاد، وكأسلوب جديد لتنويع أساليب البيع والدفع للنفط الخام العراقي".
بدورها، ترى النائبة السابقة في البرلمان العراقي شروق العبايجي، أنّ "العراق لا يعاني من ضعف الإيرادات بقدر ما يعاني من الفساد المتغول في الدولة وذهاب هذه الإيرادات إلى جيوب الفاسدين".
وقالت العبايجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "بلداً مثل العراق من المفترض ألا يمر بأزمة مالية مع استقرار أسعار النفط مابين 40 – 45 دولاراً للبرميل الواحد كونه بلداً نفطياً، فضلاً عن امتلاكه مصادر إيرادات متعددة التي من المفترض أن تدخل إيراداتها في خزينة الدولة وليس في جيوب الفاسدين".
وأضافت أنّ "العراق يمتلك إيرادات كبيرة جداً تفتقدها كثير من الدول، لكن جميع هذه الأموال تدخل بأنفاق مظلمة تعود لمافيات الفساد التي سيطرت على الدولة لغرض سرقة قوت الشعب".
وتعتقد العبايجي أنّ "الأزمة المالية في العراق ليست بقلة الإيرادات وإنما بكيفية إدارتها وتجفيف منابع الفساد"، مشيرة إلى أنّ "العراق يبيع يومياً نحو 4 ملايين برميل ما يعني أن الإيرادات النفطية وحدها وفي ظل استقرار أسعار النفط كفيلة بتجاوز الأزمة المالية وتأمين الرواتب إذا ما تمكنت الحكومة بضغط النفقات وإنهاء الفساد المالي المستشري في العراق منذ سنوات".
بدوره، قال النائب كامل الغريري، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ" الإيرادات النفطية وغير النفطية التي تدخل في خزينة الدولة قليلة جداً بالقياس مع حجم الإنفاق"، مبيناً أنّ إيرادات الداخلة في خزينة الدولة في الأشهر الماضية، لم تتجاوز 4 مليارات دولار، بينما تحتاج الدولة بشكل فعلي إلى ما يقارب 6 مليارات دولار للشهر الواحد حتى تتمكن من تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين والحماية الاجتماعية وسداد باقي النفقات والديون الداخلية والخارجية.
وأضاف أنّه "وفي ظل غياب الحلول الناجحة، وإدارة مؤسسات الدولة بشكل خاطئ سيبقى الاقتراض يلازم الدولة العراقية، وسيشهد عام 2021 أزمة كبيرة في تأمين رواتب الموظفين".
وأشار الغريري إلى أنه "في حال فشل الحكومة بتجاوز الأزمة المالية وعدم إقرار موازنة 2021 في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل واستمرار أزمة تأخير الرواتب، من المتوقع أن تلجأ الحكومة فعلياً إلى تخفيض رواتب الموظفين وضغط النفقات بشكل كبير جداً".