رغم المخاطر الحادة التي تكتنف تعاملات العملات المشفرة بسبب تقلبات أسعارها، إلا أنها تدخل عالماً جديداً طالما ارتبط هو الآخر بإحدى أشد الأزمات المالية العالمية، وهو الرهن العقاري في الولايات المتحدة، إذ بدأت بعض جهات التمويل في تقديم قروض رهن عقاري بالعملات المشفرة.
وقبل يومين، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال تقريراً، أشارت فيه إلى أن اثنين من المقرضين في ولاية فلوريدا، وتحديداً في مدينة ميامي التي أصبحت أكثر المناطق جذباً للأثرياء خلال العامين الأخيرين، اتجها بالفعل إلى تقديم قروض عقارية مشفرة، حيث قدمت شركة ميلو MILO المتخصصة في التكنولوجيا المالية أول قرض من هذا النوع خلال مارس/ آذار الماضي، وكانت مدته 30 عاماً.
كما أعلنت شركة إكسبتو المتخصصة في تعاملات العملات المشفرة استعدادها لتقديم قروض الرهن العقاري بالعملة المشفرة هذا العام، من خلال شراكتها مع أحد مقدمي قروض الرهن العقاري التقليدية في الولاية.
وجاءت هذه الخطوة بعد أن قام بعض المطورين في ميامي بتمكين المشترين من شراء منازل بالعملات المشفرة خلال العام الماضي 2021.
وتسبب تمسك "مليونيرات العملات المشفرة" بتلك العملات، وصعوبة حصول المشترين الأجانب على قروض عقارية تقليدية بسبب عدم وجود "تاريخ ائتماني" لهم في الولايات المتحدة، في تضاعف طلب المشترين الجدد في الحصول على قروض بضمان ثرواتهم من العملات المشفرة.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى لاعب كرة القدم كيران جيبس، المحترف في صفوف نادي "إنتر ميامي" والقادم من المملكة المتحدة، والذي قال إنه "منذ بداية العام يحصل على نصف راتبه بالعملة المشفرة التي لا يريد أن يبيعها الآن، وإنه لا يستطيع الحصول على قرض لعدم وجود تاريخ ائتماني له في الولايات المتحدة، التي أتى إليها قبل أشهر قليلة".
وقال جيبس إنه دخل في مفاوضات مع شركة إكسبتو للحصول على قرض عقاري بعملة مشفرة.
وفي حوار مع مجلة فورتشن الأميركية المعنية بأخبار المال والأعمال، قال مؤسس رئيس شركة ميلو، جوزيب روبينا، إن شركته لن تكتفي بتقديم القروض بالعملات المشفرة، وإنما ستقوم أيضاً بتقديم القروض الدولارية بضمان العملة المشفرة، مشيراً إلى أنه سيجرى تقييم مبلغ الضمانة بصورة سنوية.
وأضاف روبينا: "سيُسمح للعملاء بالسحب من مبلغ الضمانة في حالة ارتفاع سعر العملة المشفرة، كما سيتعين عليهم أن يضيفوا إلى الضمانة بعض المبالغ في حالة تراجع سعر العملة المشفرة عن السعر الذي تم التقييم به عند تقديم القرض، على أن يسمح لهم بسحب كامل مبلغ الضمانة عند سداد إجمالي المبلغ المقترض".
وأكد أن هذا النوع من العمليات "يوفر للمقترض المبلغ المطلوب اقتراضه من دون الحاجة لبيع ما في حوزته من عملات مشفرة لإثبات ما لديه من ثروة بالدولار، وهو ما يعفيه من دفع ضرائب على ما يتم بيعه من عملة مشفرة".
وبعد تريليونات الدولارات التي ضختها الحكومة الأميركية وبنك الاحتياط الفيدرالي خلال عامي جائحة فيروس كورونا 2020 و2021، ومع مخاوف الكثيرين من ارتفاع معدل التضخم على النحو الذي عانت منه الولايات المتحدة خلال فترة السبعينيات من القرن الماضي، ازدحمت سوق العقارات الأميركية بصورة لم تحدث في أي وقت مضى، وسجلت أسعار المنازل ارتفاعات غير مسبوقة، حتى إن من يقدم عرضاً لشراء المنزل أصبح عليه، إن أراد الفوز به، أن يعرض دفع مبلغ في حدود 10% فوق السعر الذي يطلبه البائع.
ومع احتفاظ الكثيرين بثرواتهم في صورة عملات مشفرة، بدا واضحاً أن مقدمي القروض العقارية بالعملات المشفرة أصبحوا مطلوبين بصورة كبيرة لتكتمل أركان السوق بأبعادها الجديدة.
وبدلاً من تقديم دفعة أولى نقدية من جانب الراغب في تملك وحدة عقارية من خلال رهن، أو التعرض للتحري بواسطة شركات التقييم الائتماني، أو الاضطرار لتقديم الإقرارات الضريبية التي تثبت الحصول على دخل معين، تقوم شركة ميلو بتقييم المقترضين المحتملين بناءً على ثروتهم من العملات المشفرة وقيمة العقار الذي يأملون في شرائه.
وعلى سبيل المثال، يجب على الشخص الذي يبحث عن قرض عقاري بقيمة 500 ألف دولار أن يسمح بالتحفظ على ما قيمته خمسمائة ألف دولار من أرصدته من عملة بيتكوين الرقمية.
ومع ارتفاع معدلات الفائدة على قروض الرهن العقاري التقليدية خلال الأسابيع الأخيرة، تتراوح أسعار الفائدة على القرض بالعملة المشفرة من 5% إلى 8%، ويتوقف معدل الفائدة المطبق فعلياً على مبلغ بيتكوين الذي يكون المقترض مستعداً لتقديمه ضماناً.
وبينما تؤكد شركة ميلو أن لديها قائمة انتظار تضم أكثر من سبعة آلاف عميل للحصول على قروض الرهن العقاري المضمونة بالعملات المشفرة، يوجد العديد من الشركات المنافسة في السوق الأميركية التي تستعد لتقديم قروضها خلال الفترة القادمة.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان لدى مقرض العملة المشفرة "لدن" قائمة انتظار مفتوحة لمنتج رهن عقاري مشابه، وقدمت شركات أخرى، بما في ذلك "بلوك فاي"، قروضاً مضمونة بالعملات المشفرة يمكن استخدامها لشراء المنازل.
وفي عام 2019، قال مقدم القروض نكسو إنه قدم "رهناً عقارياً" إلى رجل الأعمال والممثل السابق بروك بيرس لشراء منزل صغير جرى تجديده بقيمة 1.2 مليون دولار في أمستردام.