رهانات بشار الأسد من العودة إلى الصَّفّ العربي

16 مايو 2023
وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مع الأسد في دمشق (واس)
+ الخط -

تأكَّدت عودة النظام السوري إلى الصَّفّ العربي باستلام رئيس النظام بشار الأسد دعوة رسمية من الرياض للمشاركة في القمّة العربية المقرر عقدها في مدينة جدة يوم 19 مايو/ أيّار الجاري، وتأتي الدعوة عقب يومين من إعادة دمشق لعضوية الجامعة العربية بعد عزلة استمرَّت لأكثر من عقد، وقبلها قرَّرت السعودية فكّ العزلة السياسية عن سورية واستئناف عمل بعثتها الدبلوماسية هناك تمهيداً لتطوير عمل عربي مشترك، وجاءت هذه التطوُّرات الحاسمة والسريعة بعد جولة من المفاوضات المضنية التي أعقبت الاتِّفاق التاريخي بين السعودية وإيران التي تعدّ الحليف الوثيق لدمشق.

تعتبر عودة سورية إلى النظام العربي نتيجة منطقية تمخَّض عنها الصلح السعودي الإيراني، الذي تمَّ أساساً من أجل التوصُّل إلى تسوية سياسية تخدم كلا الطرفين في المشهد السياسي في المنطقة.

من جانبه، يعلِّق النظام السوري آمالاً كبيرة على التقدُّم الذي أحرزه في مسار ترميم العلاقات مع الدول العربية، ولا سيَّما الخليجية التي يمكن أن تلعب دوراً لا يستهان به في مدّ يد العون للاقتصاد السوري وتوفير الإغاثة الاقتصادية وتقديم المساعدات اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار التي قُدِّرت تكلفتها وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا" بنحو 400 مليار دولار.

هذا دون احتساب مبلغ 7.9 مليارات دولار الذي قدَّره البنك الدولي لعملية إعادة إعمار ما دمَّرته زلازل فبراير/ شباط 2023 وخلفت خسائر مادية وصلت إلى 5.2 مليارات دولار، وتسبَّب بأضرار واسعة النطاق شملت أربع محافظات سورية يقطنها نحو 10 ملايين من سكان البلاد.

يبقى التمويل الخليجي الملاذ الأخير للنظام السوري لانتشاله من الأزمات الاقتصادية والمالية العنيفة التي يعاني منها منذ سنوات، ووقف موجة التضخم والغلاء الجامح وتهاوي الليرة السورية وانهيار الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي السوري، لكون التمويل الدولي السخيّ لا يزال بعيد المنال دون حلّ الصراع الداخلي، والتوصُّل إلى تسوية سياسية تدعمها الأمم المتّحدة ويباركها الغرب، حيث تُعتبر عودة سورية إلى الجامعة العربية وتَمكُّنها من الحصول على التطبيع السعودي انتصاراً سياسياً رمزياً كبيراً لدمشق، لكن قد لا تلحقه انتصارات اقتصادية تفيد المواطن والاقتصاد.

ولطالما قدَّمت السعودية إلى جانب دول عربية أخرى دعمها لجماعات المعارضة السورية المُسلَّحة، وذلك على مدى سنوات من أجل إطاحة نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران والمليشيات التابعة لطهران، كما يُعدّ الترحيب العربي بالعودة السورية جزءاً من إعادة اصطفاف إقليمي أكبر ومؤشِّراً على تضاؤل دور أميركا في منطقة الشرق الأوسط، مع الإشارة هنا إلى أن واشنطن هاجمت قرار عودة سورية إلى الجامعة العربية.

ولم يعد خافياً التقدُّم المذهل الذي تحرزه الصين في أجندتها الخاصة بالمنطقة العربية، لا سيَّما نتيجة نجاح وساطتها التي مكَّنت السعودية وإيران من استئناف علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية، الأمر الذي يشجِّعهما على وقف تصعيد الصراعات في سورية واليمن على سبيل المثال، فقد استضافت السعودية اجتماعاً الشهر الماضي لمناقشة موضوع عودة دمشق إلى الجامعة العربية، الأمر الذي بدا ضرباً من المحال قبل التقارب السعودي الإيراني الذي تمَّ بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار.

ولكن عند النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، يتبيَّن أنّ نظام بشار الأسد قد انتقل من وضع المنبوذ عربياً إلى وضع المُرحَّب به دون تقديم أيّة تنازلات من شأنها وضع حدّ للصراع السوري، إيجاد حلّ سريع وفعّال لملف اللاجئين، كبح تجارة المخدِّرات، وقف إنتاج وتهريب مخدِّر الكبتاغون، تقليص أنشطة التجارة غير المشروعة، وتسهيل عودة ملايين السوريين الذين فرّوا إلى الخارج والخائفين من العودة.

ففي ظلّ غياب مثل تلك التنازلات من الجانب السوري، ليس من المستبعد أن يكون التطبيع السعودي مع النظام السوري مجرَّد شرّ لا بدّ منه لترطيب الأجواء مع إيران، خصوصاً أنّ مقاطعة النظام السوري لم تؤدِّ إلى حلّ في السابق.

بغضّ النظر عن باقي الأمور والنتائج الاقتصادية المتوقعة من التطبيع مع نظام الأسد، يمكن للتطبيع العربي مع دمشق أن يساعد النظام السوري على إغراق المنطقة بالمخدِّرات التي أصبحت الآن مصدراً مهمّاً لا غنى عنه للوصول إلى النقد الأجنبي، خصوصاً بعدما ساهمت العقوبات الدولية على نظام الأسد في تجفيف موارده المالية.

فقد تمكَّنت سورية وفي وقت قياسي من الانضمام لقائمة أكثر الدول المُصدِّرة للمخدِّرات في العالم، حيث قُدِّرت القيمة الإجمالية لشحنات المخدِّرات لنظام الأسد بـ 5.7 مليارات دولار على الأقل خلال عام 2021 مقارنة بـ 1.8 مليار دولار في 2017، وما يتراوح ما بين 2.9 و3.46 مليارات دولار في 2020، وذلك وفقاً لتقرير نشره معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة الأميركي New Lines Institute for Strategy and Policy في إبريل/ نيسان 2022 تحت عنوان "تهديد الكبتاغون: لمحة عن التجارة غير المشروعة والاستهلاك والحقائق الإقليمية" "The Captagon Threat: A Profile of Illicit Trade, Consumption, and Regional Realities".

وتلك الأرقام تفوق بكثير قيمة الصادرات القانونية السورية التي وصلت إلى 879 مليون دولار في عام 2020 و1.01 مليار دولار في 2021 وفقاً لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي The Observatory of Economic Complexity.

غير أنّ الحقيقة المرعبة تتمثَّل في أنّ السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين والأردن هي الأسواق الأساسية والوجهات الرئيسية لشحنات الكبتاغون القادمة من سورية، فبحسب تقرير معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة لقد أحبطت الموانئ السعودية، لا سيَّما ميناء جدة وميناء الملك عبد العزيز بالدمام، تهريب أكثر من 190 مليون قرص كبتاغون حتى سنة 2021 بفضل أجهزة الكشف الحديثة وتبادل المعلومات الاستخبارية.

لذلك، ستجد تلك الدول العربية نفسها أمام مهمّة صعبة لثني نظام الأسد عن استمراره في تجارة المخدِّرات التي يستحيل عليه الاستغناء عنها، لما تدرُّه عليه من عملات صعبة لا تقوى أي تجارة أخرى على توفير ولو جزء بسيط منها.

خلاصة القول، بالرغم من عودة النظام السوري إلى العصبة العربية، إلا أنّ بناء أواصر الثقة لا سيَّما بين السعودية وسورية سيستغرق وقتاً، نظراً لتوتُّر العلاقات بين البلدين حتى قبل اندلاع شرارة الحرب في سورية، ومن ناحية أخرى ستقف العقوبات الأميركية والأوروبية بالمرصاد للاستثمارات العربية الكبيرة التي قد يتم توجيهها لإعادة إعمار سورية في المدى القريب.

المساهمون