رمضان يرهق العراقيين: أسعار مرتفعة وركود يسيطر على السوق

25 مارس 2023
في أحد الأسواق في بغداد (مصطفى السوداني/ فرانس برس)
+ الخط -

تشهد السوق العراقية ارتفاعاً كبيراً في مستويات الأسعار بالإضافة إلى انخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، على الرغم من إعلان الحكومة تشديد الرقابة على الأسواق خلال شهر رمضان. ويشكو مواطنون من أصحاب الدخل المحدود من صعود أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية، متهمين التجار باستغلال أزمة الدولار لمضاعفة الأسعار والتحكم بحجم البضائع المطروحة في السوق وزيادة قاعدة الاحتكارات.

وقال عمار الويسي إنه موظف يعمل بأجر متدن في إحدى الوزارات العراقية وما يتقاضاه من دخل شهري لا يسد الحاجات الشهرية له ولعائلته خاصة مع اقتراب شهر رمضان، ما يضطره لتقليص شراء المواد الغذائية. وأكد الويسي، لـ"العربي الجديد"، أن الأسعار في السوق تزايدت بشكل تدريجي إلى أن وصلت إلى حدود مرتفعة تفوق قدرة العائلة الشرائية، مبيناً أن مادة العدس تعتبر من أهم المواد التي يقبل على شرائها الناس في شهر رمضان، إلا أن سعر الكيلوغرام الواحد منها تجاوز 1500 دينار (الدولار = 1310 دنانير)، في حين تجاوز سعر زيت الطبخ 900 ملل 2750 ديناراً، بالإضافة إلى المواد الغذائية الأخرى التي بلغت أسعارا قياسية.

وأضاف أن هذا الارتفاع الكبير في مستويات الأسعار شكل أعباءً كبيرة على حجم الإنفاق اليومي للعائلة العراقية، ومع ارتفاع أسعار الإيجارات ومصاريف الأدوية وأجور الكهرباء (المولدات)، بالإضافة إلى تكاليف النقل بات الأمر خارجا عن المألوف.

وشدد الويسي على أن الحكومة لا تزال عاجزة عن رفع الحيف والمعاناة عن المواطنين، وكل ما يحدث من مشاكل اقتصادية سببه غياب الرؤية والتخطيط والتنفيذ، معتبراً إعلان الحكومة عن توزيع مفردات البطاقة التموينية وزيادة الحصة الغذائية هو كلام فقط، حيث لم يتم لغاية الآن تطبيق أي من الوعود التي أطلقتها عبر وسائل الإعلام.

معاناة التجار

وانتقد عدد من التجار الإجراءات الحكومية التي ساهمت في أزمة غلاء الأسعار في الأسواق، من خلال الإجراءات الجمركية وعدم إمكانية الحصول على الدولار بالسعر الرسمي، فضلاً عن إجراءات التحويل المالي إلى الخارج لغرض شراء البضائع. وقال التاجر عمر الدليمي إن هناك كميات كبيرة من البضائع محجوزة في الموانئ والمنافذ الحدودية بسبب عدم توفر الإمكانية المالية لتحويل الأموال إلى المنتجين في البلدان الأخرى، وهو ما تسبب بحدوث خسائر كبيرة لحقت بهم بسبب الإجراءات الحكومية الأخيرة وأزمة الدولار.

وأشار الدليمي، من خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن هناك شركات كبيرة وأخرى متنفذة تسيطر على السوق وبإمكانها الحصول على الدولار بالسعر الرسمي، أي 1310 دنانير للدولار الواحد، من خلال نافذة بيع العملة في البنك المركزي بشكل مباشر، فيما يتجه التجار والشركات الصغيرة إلى السوق الموازية لشراء الدولار بالسعر المتداول والذي وصل أخيراً إلى 1600 دينار للدولار.

طالب الدليمي البنك المركزي بضرورة تسهيل حصول التجار والشركات الصغيرة على الدولار بالسعر الرسمي على الأقل خلال هذه الفترة التي تشهد حلول شهر رمضان المبارك، ليتمكنوا من إدخال بضائعهم بعد تسديد التعرفة الجمركية في المنافذ الحدودية، لغرض زيادة العرض وتوازن السوق وتغطية حجم الطلب على المواد الغذائية والذي سينعكس بدوره على انخفاض مستويات الأسعار ليتمكن المواطن العراقي من تغطية احتياجاته الغذائية.

فيما أكد معن عبد الكريم، وهو تاجر جملة في بغداد، أن هناك الكثير من المواد الغذائية فقدت قيمتها بسبب انتهاء مدة صلاحيتها نتيجة لتكدس البضائع في المخازن والمحلات بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك ركودا كبيرا وعدم وجود حركة شرائية في السوق، ما يدفع المواطن العراقي إلى خفض إنفاقه على السلع الغذائية إلى النصف تقريباً، ما تسبب بالضرر الكبير على التجار وأصحاب المحال الغذائية، وبين أن عددا كبيرا من التجار أغلقوا محلاتهم بسبب الركود الكبير وارتفاع الإيجارات بالإضافة إلى عدم إمكانية توفير السيولة النقدية والخسائر الكبيرة التي تعرضوا لها بسبب متغيرات السوق وارتفاع سعر صرف الدولار.

إجراءات حكومية

وأعلن المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية محمد السوداني أن مجلس الوزراء أعلن في اجتماعه الأخير عن حزمة من القرارات، من بينها مواجهة ارتفاع أسعار المواد في الأسواق المحلية، للتخفيف عن كاهل المواطنين، من خلال إعفاء البضائع والسلع كافة، الواردة عبر المنافذ الحدودية (البرية، والبحرية، والجوية) من إجازة الاستيراد. وقال المكتب في بيان إنه "بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، وافق مجلس الوزراء على مقترح وزارة التجارة بشأن إضافة المواد نصف كيلوغرام نشاء، وكيلوغرام من الشعيرية، و5 كيلوغرامات طحين صفر، وطبقة من بيض المائدة إلى السلّة الخاصة بشهر رمضان لكل عائلة، بالاعتماد على التخصيصات المالية لسنة 2023.

فيما كشفت وزارة التجارة في بيان لها عن تجهيز مفردات السلة الغذائية الرمضانية التي ستطلق بهدف المساهمة في الحفاظ على أسعار المواد الغذائية الضرورية التي يحتاج إليها المواطن.

عجز رسمي

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي كريم الحلو إن العراق يستورد المواد الغذائية من الخارج، فيما تبقى الحكومة العراقية عاجزة عن معالجة مشكلة انهيار القطاع الخاص، وتوفير مفردات البطاقة التموينية. وأضاف الحلو متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن مستويات الدخل لدى الطبقة الفقيرة والمتوسطة في العراق لا تتناسب مع المستوى المعيشي للفرد، لأن الأسعار ارتفعت كثيراً نتيجة لعدة عوامل، في مقدمتها الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع قيمة الدولار الذي من خلاله يتم استيراد المواد من الخارج.

وأشار إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار أدى إلى إضعاف القدرة الشرائية للمواطن العراقي بنسبة تجاوزت 25 في المائة في العام 2020 لترتفع النسبة اليوم إلى أرقام أكبر بكثير بعد المشاكل الاقتصادية والتقلبات المالية التي يشهدها السوق نتيجة لارتفاع الدولار، ما أدى إلى صعود نسبة التضخم قياساً بالرواتب والأجور التي يتقاضاها المواطنون.

وأكد الحلو أن هناك نسبة كبيرة من العاطلين من العمل ولا يمكن معالجة الأزمة إلا من خلال تفعيل دور القطاع الخاص وإعادة مصانع الإنتاج الغذائي والصناعات التحويلية، لأن نسبة 80 في المائة من القطاع الخاص غير فاعلة بسبب الفساد وانعدام الدعم وعدم وجود حماية كافية للمنتج المحلي.

وشدد الحلو على أهمية توزيع مفردات الحصة التموينية الغذائية لأشهر السنة كاملة وليس 6 أشهر كما هو حاصل اليوم، من أجل الحصول على الاكتفاء الذاتي للعائلة العراقية وسد احتياجاتها اليومية من المواد الغذائية. وانتقد الحلو مستويات الرواتب التي توزعها الدولة للموظفين والرعاية الاجتماعية وفئة المتقاعدين، بسبب عدم وجود عدالة في توزيع المرتبات الشهرية بين وزارة وأخرى.

المساهمون