رمضان هذا العام... هل حقا سيمر؟

11 مارس 2024
موائد الرحمن ملجأ للفقراء في شهر رمضان/Getty
+ الخط -

في كل عام، أكتب عن شهر رمضان وأصف الجديد منه بأنه الأصعب على الأسر العربية على مدى السنوات الأخيرة، فالأسواق تشهد موجات غلاء وقفزات متواصلة في الأسعار تفوق بكثير قدرة المواطن المادية ودخله، سواء كان ثابتا أو متغيرا.

والحكومات تترك المستهلك نهبا للجشع والاحتكار والتضخم وتآكل العملة وتهاوي المدخرات المحلية، بل وتباغت المواطن بقرارات صادمة قبل حلول هذا الشهر، مثل زيادة أسعار السلع والخدمات والرسوم الحكومية وتعويم العملة.

لكن ما يحدث في رمضان هذا العام يفوق كثيرا ما حدث في سنوات سابقة، فالمستهلك بات يكلم نفسه داخل الغرف المغلقة وأحيانا في الشوارع، بسبب قفزات الأسعار التي لا تتوقف، وفي مقدمتها السلع الحياتية واليومية والغذائية، وباتت الأسعار فوق قدرة حتى الأسر المتوسطة التي تدحرج معظمها من فئة المستورين إلى الفئات الفقيرة التي لا يسترها سوى حوائط البيوت التي يقيمون بها.

فما بالنا بحال الأطفال اليتامى والمشردين والأسر الفقيرة والأرامل والمطلقات وأصحاب الأمراض المزمنة والعاجزين عن العمل، وما بالنا بالمنتمين إلى طبقة الفقر المدقع الذين يجدون صعوبة في الحصول على وجبة واحدة في اليوم، في ظل تراجع العمل الخيري وموائد رمضان؟

والمحزن في الأمر أن الأب والأم أو رب الأسرة أصبح عاجزا أمام أولاده وذويه بلا حول ولا قوة، وأحيانا لا يستطيع تلبية حتى أدنى متطلبات الحياة، ولو رغيف خبز حاف.

مصطفى عبد السلام
مصطفى عبد السلام

مصطفى عبد السلام

صحافي مصري، رئيس قسم الاقتصاد في موقع وصحيفة "العربي الجديد".

مدونات

يزداد الأمر سوءا عندما تكون الأسرة عفيفة عزيزة النفس ترفض اللجوء إلى موائد رمضان لسد جوعها، أو للجمعيات الخيرية للحصول على مساعدات، ولا أقول تلجأ للتسول، فهذا هو الموت بعينه بالنسبة لها.

لا أتحدث هنا عن أهالي قطاع غزة الذين يواجهون حملة جوع ممنهجة تقودها دولة الاحتلال بالتعاون والتنسيق مع حكومات عربية وأجنبية، بل أتحدث عن أهالينا في مصر واليمن والسودان وسورية وتونس والجزائر والأردن والعراق وغيرها من الدول التي تشهد معدلات قياسية في الأسعار وانهيارات متواصلة في عملاتها الوطنية مقابل الدولار.

أتحدث كذلك عن الطبقات الفقيرة في بعض دول الخليج، والتي قد تفوق عددا ونسبة تلك الأرقام الموجودة في دول عربية بائسة.

يحدث ذلك الوضع المعيشي البائس داخل معظم الدول العربية وسط بلادة في المشاعر وردود الفعل من السلطات الحاكمة تصل إلى حد تجاهل الأزمة كلية ومعايرة المواطن بالفقر والعوز.

أو ترمي، كالعادة، كرة الغلاء على عوامل خارجية منها حربا أوكرانيا وغزة وجائحة كورونا وموجة التضخم العالمية، وقد يصل الأمر إلى حد تواطؤ الحكومات عبر ترك السوق نهبا للتجار الجشعين والمحتكرين وتجار الحروب والساعين للحصول على أرباح سريعة خلال هذا الشهر الكريم.

بل إن تلك السلطات لا تحرك ساكنا لمعالجة الوضع المزري في الأسواق ووضع حد لغلاء المعيشة الفاحش، بل وتشعله عبر التعويم المستمر للعملة وزيادة الأسعار وخفض الدعم، وأحيانا تكتفي بتسليط الإعلام على المواطن ومعايرته بزيادة النسل والكسل وقلة موارد الدولة.

في المقابل، نجد أن تلك السلطات تعيش في رغد من العيش ومنفصلة عن الواقع، ولا تتوقف عن إهدار المال العام وتعمد بعثرته وبناء القصور الفارهة وشراء الطائرات وغيرها من أوجه الإسراف. وكأنها تعيش في دول بالغة الثراء يختفي منها الفقر كلية.

نعم مرت على الفقراء والجوعى كل أشهر رمضان السابقة، فهل حقاً سيمر رمضان هذا الشهر بأقل الخسائر والأزمات المالية والنفسية؟