رمضان سورية: الشعب يعاني الغلاء وسط لا مبالاة من النظام

22 مارس 2023
الغلاء يغير الأنماط الاستهلاكية للسوريين (فرانس برس)
+ الخط -

أجبر الغلاء المتصاعد معظم الأسر السورية على التخلي عما يعرف بـ"المونة" التي ظلت لسنوات طويلة ماضية تعينهم استهلاكياً خلال مواسم على غرار شهر رمضان، في الوقت الذي تنسحب فيه مؤسسات نظام بشار الأسد من عمليات تسعير السلع وترك تحديدها للتجار وفق الكلف وسط تهاوي سعر صرف الليرة أمام الدولار.

يصف الخبير الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم، شهر رمضان هذا العام بالأكثر قسوة، كما أن الأسواق خلاله تتمرد على كل المعادلات الاقتصادية المألوفة، موضحا في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "رغم تراجع الشراء والعرض الزائد، خاصة بعد تجميد العقوبات الاقتصادية إثر زلزال فبراير/شباط الماضي، إلا أن الأسعار لم تنكسر، بل على العكس، نراها ترتفع على نحو يومي".

وأضاف الجاسم أن "غلاء الأسعار وغياب الرقابة وجمود الأسواق، ثلاثية تحكم الأسواق السورية، لافتا إلى انسحاب المؤسسات الحكومية، من التدخل في الأسواق وعرض سلع منافسة بالسعر، لتكتفي بدور المحلل الاقتصادي الذي يتوقع ويحذر وينصح".

وأشار إلى أن هذا الانسحاب المستمر منذ نحو شهرين يأتي على ضوء تهاوي الليرة التي وصلت في تعاملات الاثنين الماضي إلى نحو 7550 ليرة للدولار الواحد، مضيفا أن متوسط تكاليف المعيشة لأسرة مكونة من خمسة أفراد، تخطى بالاستناد إلى "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" من دمشق، عتبة 4 ملايين ليرة (530 دولارا) في حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 92970 ليرة.

وتوقع الجاسم مزيداً من صعود الأسعار خلال شهر رمضان. لكن رئيس اتحاد غرف التجارة السورية، محمد أبو الهدى اللحام، قال في تصريحات صحافية، الاثنين الماضي، إن من المتوقع ألا يستمر صعود الأسعار سوى خلال التحضير لشهر رمضان والأسبوع الأول منه، لتتراجع بعدها وسط انخفاض الطلب.

في المقابل جاءت تصريحات رئيس جميعة حماية المستهلك عبد العزيز المقالي، صادمة إذ رجح ارتفاعاً في الأسعار بنسبة 15% خلال شهر رمضان، مشيرا في تصريحات لصحيفة "الوطن" إلى أن نسبة صعود الأسعار بلغت 45% بالأساس منذ مطلع العام الجاري 2023.

وقال المقالي إن الأسر السورية باتت تشتري البطاطا بالحبة، بعد تراجع دور وزارة التجارة الداخلية التي دعاها للتدخل وطرح سلة غذائية رمضانية تتناسب مع حاجات المستهلك وإمكاناته "خاصة بواقع فوضى الأسواق والأسعار". وتقتصر أدوار حكومة نظام بشار الأسد، بحسب مراقبين.

في الأثناء، قال لؤي شباط (متقاعد) من حي دمر في دمشق لـ"العربي الجديد" إن "وضع السوريين سيئ جداً وقلما تتحضر الأسر، كما السابق، لشراء مستلزمات الشهر الفضيل، فسعر كيلو التمر، أهم سلع رمضان، بين 50 ألفاً و100 ألف ليرة للنوع الجيد، ما يتطلب راتب شهر، كما تحولت الألبان إلى أكلة فاخرة".

وأضاف أن "المسؤولية لا تقع على الصناعيين أو التجار فقط رغم تأكيد أن هناك جشعاً واستغلالاً، ولكن زيادة تكاليف الإنتاج والاستيراد وتراجع سعر الليرة، أسباب رئيسية يجب النظر إليها".

وفي ظل الغلاء المتصاعد، لم تعد الأسر تلجأ إلى "المونة" لمواسم الاستهلاك كشهر رمضان وفصل الشتاء، بينما اعتاد الناس لسنوات طويلة ماضية على تخزين العديد من المنتجات الغذائية، لتكون طعامهم في مثل هذه المواسم، وهو ما يسهم في تخفيف النفقات.

غير أن الحال تبدل كثيرا، في ظل الارتفاع الجنوني في الأسعار وتدني الدخل، وتشتته على الكثير من المصاريف الإضافية، التي لم تكن موجودة سابقاً بالنسبة لمعظم السوريين، مثل استئجار المنازل، لمن فقدوا بيوتهم أو أُبعدوا عنها جراء الحرب، فضلا عن انقطاع الكهرباء لمعظم ساعات اليوم ما يفسد "المونة" في الثلاجات.

ووفق خبراء اقتصاد فإن قدرة السوريين الشرائية، بالكاد تكفي الاستهلاك اليومي، بينما مؤونة سلعة واحدة "جبنة، مكدوس، مربيات" تزيد تكاليفها عن الدخل الشهري للأسرة.

المساهمون