ركود غير مألوف في أسواق العراق قبيل رمضان
على غير عادتها في كل عام، تكاد الأسواق والمراكز التجارية في العراق تخلو من المتبضعين، منذ عدة أيام، إذ عادة ما تزدحم الأسواق قبل حلول شهر رمضان، بالمتبضعين الذين يسعون لشراء الحاجيات الأساسية تجنبا للخروج خلال وقت الصيام مع ارتفاع درجات الحرارة والإغلاقات الأمنية التي تفرضها السلطات خلال خطة شهر رمضان الأمنية.
وفي جولة في عدد من أسواق العاصمة بغداد رصدت خلالها حالة من الركود الاقتصادي، وضعف إقبال المواطنين على التبضع قبيل شهر رمضان المبارك.
ويقول حسام المرسومي، وهو بائع مواد غذائية في سوق الشورجة للبيع بالجملة وسط العاصمة العراقية بغداد "إن حركة البيع في السوق أصبحت شبه مشلولة"، مبيناً أن "حركة البيع اقتصرت على الميسورين، لشراء الحاجات الأساسية مثل الرز والبقوليات وبعض المواد الرئيسية في الموائد العراقية".
وأوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة المتبضعين في هذا العام انخفضت بنسبة كبيرة عن السنوات السابقة، عازياً سبب ذلك إلى الارتفاع المخيف في عدد الإصابات في جائحة كورونا، وتدهور الوضع الاقتصادي لمعظم العراقيين وتراجع القدرة الشرائية لديهم، فضلا عن الارتفاع الفاحش في الأسعار نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي".
من جهته، قال المواطن مصطفى أحمد إن "أسعار البضائع وخصوصاً المواد الغذائية ارتفعت بنسبة تتجاوز الـ30% بعد ارتفاع سعر صرف الدولار، وإن اقتراب شهر رمضان كعادته زاد من ارتفاع الأسعار، ما أدى إلى ضعف الإقبال على الشراء والتسوق"، منوهاً إلى أن" غلاء الأسعار الفاحش قتل فرحة العراقيين بقدوم شهر رمضان المبارك".
وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "غلاء الأسعار الفاحش تتحمله الحكومة العراقية بسبب سياستها النقدية الخاطئة، وعدم سيطرتها على السوق العراقية والسماح للتجار بالتلاعب في الأسعار".
وأشار أحمد إلى أن "معظم العراقيين كانوا يأتون للتسوق لكن أكثر من 50% منهم لم يذهبوا للتسوق في هذه الأيام خوفاً من تفشي جائحة كورونا وسط التجمعات، فضلا عن أسباب اقتصادية".
وفي سياق ذلك، تقول هديل النعيمي، 43 عاما، إن "رمضان هذا العالم يبدو مختلفاً عن السنوات السابقة، يدخل المواطنون إلى السوق ويخرجون بأياد فارغة، وان وجد شيء فيها يُعد قليلا بالقياس مع ما اعتادت الناس على شرائه في مثل هذه الأيام استعداد لصيام شهر رمضان".
وأضافت أن "العراقيين اعتادوا على التهيؤ لشهر رمضان بتسوق اللحوم والعصائر والمطيبات، وكل ما يزيّن مائدة الإفطار في هذا الشهر، إلا إن هذه التحضيرات اختفت لدى الكثير من العائلات العراقية هذا العام نتيجة لتدهور أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية"، منوهة إلى أن "الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها العراقيون اليوم لم تمر عليهم حتى في وقت الحصار إبان التسعينيات".
بعض أسعار المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية ارتفعت بنسبة 30% رغم أن الزيادة في سعر صرف الدولار هي 18% فقط
ودعت النعيمي الحكومة العراقية إلى "النظر بعين العطف إلى الفقراء ممن ليس لديهم مورد ثابت في أيام شهر رمضان من خلال توزيع منح مالية ومساعدات غذائية، وكذلك فرض أسعار مناسبة للبضائع والسلع وخصوصاً المواد الغذائية والفواكه والخضار".
وللحد من الغلاء الفاحش في العراق قبيل شهر رمضان، اتخذت الحكومة العراقية جملة من الإجراءات لمنع ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الغذائية، التي يحتاجها المواطن، أول تلك الإجراءات بحسب وزارة الداخلية العراقية، نشر مفارز أمنية لمراقبة السوق ومحاسبة التجار الذين يحتكرون المواد الغذائية بقصد رفع قيمتها، بما يتنافى مع القانون، لافتة إلى أن الزيادة بالأسعار إذا كانت تتوافق مع نسبة صعود قيمة الدولار، فهي أمر طبيعي، بالإضافة إلى خلق حالة من التوازن بين السلع في السوق العراقية من خلال منع استيراد المواد المتشابهة، فضلاً عن دعم المنتج المحلي.
وكان عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي جمال جوكر قد أكد في وقت سابق أن بعض أسعار المواد الغذائية الأساسية والاستهلاكية ارتفعت بنسبة 30% رغم أن الزيادة في سعر صرف الدولار هي 18% فقط واصفاً هذا الارتفاع بالمؤلم، منوهاً إلى أن عبوة زيت الطعام بحجم 1 لتر ارتفعت من 1250 دينارا إلى 3000 آلاف دينار، ما يعادل دولارين.
من جانبه، أرجع المتخصص في إدارة الأزمات علي الفريجي زيادة أسعار المواد الغذائية قبل شهر رمضان إلى زيادة سعر صرف الدولار مقابل الدينار، فيما شدد على ضرورة وضع حلول عاجلة لمواجهة هذه الأزمة.
وقال الفريجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العراق يشهد في كل عام ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية في شهر رمضان بنسب طفيفة، إلا أن الزيادة هذا العام كانت بنسب كبيرة تتراوح ما بين 50 إلى 200 % بسبب الآثار السلبية التي خلفها قرار البنك المركزي برفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي الذي ولّد إرباكاً في الوضع الاقتصادي للبلد".
وأضاف أن "الأسعار تضاعفت نتيجة لرفع سعر الصرف نحو 25%، وتزامن هذا الارتفاع مع حلول شهر رمضان، محملاً الحكومة مسؤولية عدم توفيرها المواد الغذائية الأساسية المدعومة بالأسواق لموازنة الأسعار، وعدم قيامها بالمراقبة الجدية على التجار الذين استغلوا الوضع ليحققوا الأرباح وسط غياب دور الدولة".