استمرت آثار رفع الفائدة الأميركية في إيلام الأسواق الأميركية، في أغلب أنواع الأصول، إلا أن سوق العقارات حظيت بمخاوف مركبة تفوق كل ما يجري في الأسواق الأخرى، من ناحية لكبر حجمها وتشعبها في العديد من أنواع الأصول والمشتقات المرتبطة بها، ومن ناحية أخرى لأن المستثمرين، في أميركا وخارجها، لا يزالون يتذكرون الخسائر التي تكبدوها، وانهيار المؤسسات والشركات خلال الأزمة المالية العالمية، التي كانت أولى شراراتها أزمة الرهون العقارية.
سوق العقارات:
أظهر مؤشر الرابطة الوطنية للبنائين، والمعروف اختصاراً باسم NAHB، تراجع ثقة المحللين في سوق العقارات الأميركية خلال الاثني عشر شهراً القادمة، حيث سجل المؤشر في نهاية الأسبوع الماضي 46 نقطة، رغم أن التوقعات كانت 48 نقطة، ومقارنة بمستوى 84 نقطة الذي تم تسجيله في مطلع العام الحالي.
وبصورة عامة، فإن أي قيمة للمؤشر الذي يستطلع آراء المحللين عن ظروف السوق في الوقت الحالي والشهور الستة المقبلة، تحت 50 نقطة تعني نظرة "فقيرة – ضعيفة" لسوق البناء في الولايات المتحدة. وتراوح قيم المؤشر بين مستوى صفر ومائة.
ولتوضيح مدى ضعف القيمة الحالية للمؤشر الذي يحظى بأهمية كبرى في السوق الأميركية، تظهر قيمه التاريخية أنه باستثناء فترة قصيرة صاحبت بدايات ظهور وانتشار فيروس كوفيد-19 خلال الربع الأول من عام 2020، فإن القيمة الحالية لم يتم تسجيلها منذ عام 2014.
ومن ناحية أخرى، وعلى علاقة بالسوق نفسها، تراجعت تصاريح البناء، في أحدث بيانات لها، بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وهو ما برره ريتشارد بومان، محلل الأسواق لدى موقع سيمبلي وول ستريت، بارتفاع معدلات الفائدة الأميركية فوق التوقعات.
وقال بومان "تمثل معدلات الفائدة المطبقة على قروض الرهن العقاري "الجاذبية الأرضية" لتقييمات الأصول العقارية، فتخفضها بصورة كبيرة كلما ارتفعت معدلات الفائدة"، مضيفاً أن الفائدة المرتفعة تجعل شراء العقارات أصعب، وبالتالي تزداد التوقعات بتراجع أسعارها.
وتراجعت ثقة البنائين في الولايات المتحدة للشهر التاسع على التوالي، وانخفضت مبيعات المنازل الجديدة خلال شهر يوليو/ تموز الماضي بنسبة 29.6% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، كما تراجعت مبيعات المنازل القائمة بنسبة 20.2% خلال الفترة نفسها.
والأسبوع الماضي، وعقب إعلانه رفع الفائدة على أموال البنك بخمسٍ وسبعين نقطة أساس، اعتبر جيروم باول، رئيس البنك، أن "أي تصحيح في أسعار المنازل سيكون من شأنه المساعدة في العودة إلى معدلات التضخم المقبولة، وجعلها أكثر ملاءمة لمستويات الإيجار، وكافة أساسيات الأسواق المرتبطة بالسوق العقارية.
شركات التكنولوجيا:
ولا تبدو الموجة البيعية التي ضربت سوق شركات التكنولوجيا، على وقع رفعات البنك الفيدرالي المتعددة للفائدة، قريبة من الانتهاء. ويرى محللون أن التضخم الحالي، ومحاولات البنك الفيدرالي لمحاربته برفع معدلات الفائدة، ستتسبب في تراجع أرباح تلك الشركات، وهو ما ينذر بفقدان ما لا يقل عن 10% إضافية لمؤشر ناسداك لأكبر مائة شركة منها مقارنة بمستويات إغلاق يوم الجمعة الماضي.
وفي مسح MLIV Pulse الذي شمل أكثر من تسعمائة محلل للأسواق، توقع أكثر من ثلثيهم أن تكون نتائج أعمال شركات التكنولوجيا مخيبة للآمال حتى نهاية العام الحالي، 2022.
وتراجع مؤشر ناسداك 100 بأكثر من 30% منذ بداية العام الحالي، ماحياً تريليونات الدولارت من القيمة السوقية لشركات التكنولوجيا الكبرى، بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، كما إعادة العديد من تلك الشركات النظر في نموذج العمل الخاص بها بعد تراجع المخاوف من انتشار الفيروس وتأثيراته السلبية على الأعمال.
ويرى أليكس كانتروفيتس، محلل الأسواق المتخصص في شركات التكنولوجيا، أن إلغاء عدد كبير من المشروعات الاستثمارية في العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى، تزامناً مع تسريح الموظفين والدعوة إلى ترشيد الإنفاق، لم يأت مصادفةً.
ويضيف كانتروفيتس "ارتفاع معدلات الفائدة جعل المستثمرين يركزون اهتمامهم على الربحية قصيرة الأجل، واستجابت لذلك شركات مثل أمازون وألفابيت وميتا (فيسبوك) وسناب، فانتهى رهان أمازون على وحدة الخدمات الصحية التابعة لها، وتقلصت وحدة التجارب الجديدة في شركة ميتا، وتبخرت أحلام الطائرة بدون طيار لكاميرا سناب".
وأكد كانتروفيس أن "هذا التشذيب يشير إلى بداية حقبة جديدة لشركات التكنولوجيا الكبرى، حيث يفسح الإنفاق الجامح في الغد الطريق أمام الاهتمام المستمر باليوم".
أسواق الأسهم:
وتواصلت موجة التراجعات الكبرى في الأسهم والسندات الأميركية على مدار الأسابيع الثلاثة الأخيرة، حيث أنهى مؤشر داو جونز الصناعي تعاملات الأسبوع الماضي عند أدنى مستوياته في 2022، منخفضاً تحت مستوى 30 ألف نقطة المعنوي للمرة الأولى منذ منتصف يونيو/ حزيران الماضي، لتصل خسائره من أعلى مستوى وصل إليه في تاريخه إلى ما يقرب من 20%.
ومع استمرار المخاوف من ارتفاع معدل التضخم، ومن تسبب محاولات البنك الفيدرالي مواجهته في دخول الاقتصاد الأميركي في ركود، كانت هناك بعض الأصوات التي ترى أن البنك ربما يكون قد ذهب بالفعل أبعد من اللازم في تشدده مع معدلات الفائدة.
ويوم الجمعة الماضي، قال جيريمي سيجل، أستاذ المالية في جامعة وارتون وأحد أهم الأصوات التي تستمع إليها الأسواق في الولايات المتحدة، إن رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول يرتكب حالياً "أكبر خطأ في تاريخ البنك البالغ 110 أعوام، وهو ما قد يتسبب في دخول البلاد في ركود كبير".
وبرر سيجل موقفه بتراجع معدل التضخم بالفعل بصورة واضحة، بينما البنك مستمر في رفع معدلات الفائدة، مشيراً إلى أن تأثيرات رفع الفائدة لا تظهر في الأسواق إلا بعد مرور بعض الوقت.
وأضاف سيجل أنه لا يرى مبرراً في الوقت الحالي لهذا التشدد في رفع معدلات الفائدة.