تزداد أحوال السوريين المعيشية سوءاً رغم زيادة الأجور التي يستغلها التجار لرفع الأسعار وإفقار الناس أكثر فأكثر، خاصة في ظل رفع الدعم وفلتان الأسواق بلا ضوابط.
في هذا الصدد، يؤكد الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم أن زيادة الأجور تنعكس سلباً على معيشة السوريين والليرة، لأنها تترافق دائماً مع سحب الدعم عن بعض السلع وزيادة أسعار الطاقة والخبز من حكومة بشار الأسد، وتنتقل عدوى رفع الأسعار إلى جميع المنتجات والسلع، ما يدفع القدرة الشرائية إلى التراجع ويزيد عدد الفقراء الذين قدّرهم بأكثر من 95% من السكان في مناطق سيطرة النظام السوري.
ويشير الاقتصادي السوري إلى أن سعر الخبز المدعوم ارتفع 100% في يوم زيادة الأجور نفسه، الأسبوع الماضي، كما تم رفع سعر المازوت الخاص بالأفران بأكثر من 165% من 700 إلى 2000 ليرة سورية، وسعر البنزين أوكتان 90 ارتفع 31%، إضافة إلى رفع سعر الكهرباء بنسبة 147% على شرائح المستهلك، لتنعكس الارتفاعات على جميع السلع والمنتجات، ولا سيما الزراعية، خاصة بعد رفع أسعار السماد 200%.
وكان رئيس النظام السوري قد رفع الأجور والرواتب في آب العام الماضي بنسبة 100% قبل رفعها بنسبة 50% الأسبوع الماضي، لكن تلك الزيادات لم توصل متوسط الأجور إلى نحو 300 ألف ليرة، في حين أن متوسط ارتفاع الأسعار لبعض المواد الأساسية والمحروقات والكهرباء في الفترة الممتدة بين الزيادتين (6 أشهر) تجاوزت 87%.
ويضيف الجاسم لـ"العربي الجديد" أن زيادة طرح النقد في السوق يسرّع من تهاوي سعر الصرف، مشيراً إلى تعدي سعر الدولار اليوم الثلاثاء 15 ألف ليرة في شركات الصيرفة، وتعدي سعر غرام الذهب من عيار 21 قيراطاً 849 ألف ليرة، ما يعني أن الأجور بعد الزيادة، لا يمكن أن تسعف الأسرة السورية لأيام ولأبسط متطلبات العيش.
وكان مؤشر مركز "قاسيون" من دمشق قد قدّر متوسط تكاليف المعيشة لأسرة سورية مؤلفة من 5 أشخاص إلى 12,055,622 ليرة سورية في مطلع عام 2024.
ولا يغطي الحد الأدنى الجديد للأجور سوى 2.3% من متوسط تكلفة المعيشة، ولا بد من رفع الأجور بما يزيد على 4222% لتغطي الاحتياجات الأساسية للعامل وأسرته، بحسب مركز "قاسيون".
ويلفت الاقتصادي السوري، محمود حسين إلى أن زيادة الأجور شملت العاملين في الدولة فقط، في حين أن نسبة البطالة أكثر من 87%، ما يعني أن جلّ السوريين يدفعون ثمن رفع الأسعار من دون أن يكون لهم دخل ثابت أو زيادة على أجورهم.
ويضيف حسين لـ"العربي الجديد" أن الأسواق في سورية تعيش حالة فوضى وغياب رقابة مقترنة بارتفاع يومي لأسعار المنتجات الغذائية وغير الغذائية، إذ زادت خلال شهرين بنسبة 25%، كاشفاً أن معظم التجار "تدولر سلعها" على سعر 25 ألف ليرة للدولار، فنرى الزيادة مرتبطة بتهاوي سعر الصرف المستمر.
وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد" سجل سعر كيلو السكر في أسواق العاصمة السورية دمشق اليوم 16 ألف ليرة، ويزيد سعر كيلو الأرز على 35 ألفاً، وسعر صحن البيض "30 بيضة" 65 ألف ليرة.
ووصل سعر كيلو الحليب إلى 7500 ليرة، واللبن إلى 9000 ليرة، وتعدى سعر كيلو اللبنة 35 ألف ليرة، وزاد سعر كيلو الجبنة على 70 ألف ليرة، ووصل سعر كيلو الفروج إلى 55 ألف ليرة، وسعر اللحوم الحمراء (خروف دون دهن) نحو 225 ألف ليرة.
ويرى مختصون أن لزيادة أسعار المحروقات أثراً على رفع أسعار المنتجات محلياً، كما لتكاليف الاستيراد أخيراً، دور مهم بزيادة أسعار السلع في السوق السورية، خاصة تكاليف النقل البحري بعد صعوبة وصول السفن عبر البحر الأحمر.
ويقول رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين، أحمد الهلال خلال تصريحات اليوم، إن ارتفاع سعر المازوت أثّر بشدة على أسعار الخضار، فتكلفة سيارة نقل الخضار من الساحل إلى دمشق وصلت إلى 6 ملايين ليرة بعد أن كانت مليوني ليرة، فضلاً عن ارتفاع سعر البذار كون جميع البذار مستوردة، وارتفاع أجور النقل العالمية سبَّب زيادة سعر البذار ليشتري الفلاح اليوم البذار بالحبة والحبتين، إضافة إلى ارتفاع سعر الأسمدة أكثر من 350% عن العام الماضي، لتقضي هذه العوامل مجتمعة على ما بقي من أمل في نهوض القطاع الزراعي.
بدوره أمين سر اتحاد شركات الشحن، حسن عجم يبيّن أن العقبات والمشكلات في وجه الشحن الخارجي في سورية كبيرة جداً، وأدت إلى ارتفاع تكاليف الشحن للمواد المستوردة بنسبة 100%.
ويضيف عجم خلال تصريحات اليوم، أن من هذه العقبات عدم وصول شركات الطيران العالمية إلى سورية، والشحن عبر مطار بيروت يزيد من الكلف، وعدم وصول البواخر العالمية إلى المرافئ السورية، واليوم ظهرت أيضاً مشكلة البحر الأحمر "التجار الذين لديهم بضاعة مثبتة قبل أزمة البحر الأحمر عدّلوا أسعارها وفق التكاليف الجديدة التي فرضت عليها".
وجميع هذه العقبات تزيد من كلف الشحن والتخليص الجمركي، لافتاً في الوقت نفسه، إلى تراجع القدرة التنافسية للمنتج السوري، لأن ارتفاع سعر السلعة في سورية أخرجها من المنافسة، كون المنتجات الصناعية في الدول المجاورة أصبحت أرخص من سورية.