حذرت دراسة صادرة عن المرصد التونسي للاقتصاد (منظمة غير حكومية) من مخاطر اجتماعية واقتصادية حقيقية ينطوي عليها قرار رفع الدعم الليبي عن المحروقات، بسبب اعتماد آلاف الأسر التونسية في المناطق الحدودية على التجارة الموازية للوقود المهرب كوسيلة لضمان تكلفة للمحروقات في متناول الجميع، فضلا عن تأمين هذه التجارة مصدر دخل لمئات الأسر.
واعتبرت الدراسة أن تدابير صندوق النقد الدولي الذي يحث دول المنطقة على رفع الدعم عن الوقود لا يعد انتهاكا للحقوق الأساسية في البلدان التي يعمل فيها الصندوق فحسب، بل أيضا أحد العوامل المزعزعة للاستقرار في مواجهة بعض التوازنات الاجتماعية والاقتصادية التي تكفلها التجارة في شمال أفريقيا. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أعلنت ليبيا بعد مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، رفع الدعم عن الوقود.
ووفق رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، "لا قضاء على ظاهرة تهريب الوقود إلا برفع الدعم عن المحروقات"، مقترحاً استبداله بالدعم النقدي للمواطنين.
وقد فرض صندوق النقد الدولي رفع الدعم داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على نطاق واسع، على الرغم من تنفيذه بطرق وجداول زمنية مختلفة سواء كان الاتفاق مع مصر في عام 2022، أو الاتفاق مع المغرب في عام 2023 أو الاتفاق التونسي في عام 2016. واعتبر المرصد أن من الواجب إعادة النظر في توصيات صندوق النقد الدولي نظرا لتأثير هذه التدابير على البلدان وسكانها ولا سيما تونس وليبيا.
وترى منظمة الأبحاث الاقتصادية أنه بالإضافة إلى التأثير المحلي لقرار رفع الدعم عن الوقود الليبي، ينبغي النظر بجدية في تداعيات الإصلاح على الدولة المجاورة مثل تونس.
ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري إن تجارة البنزين المهرّب في جنوب تونس ساعدت لعقود على ضمان الاستقرار الاجتماعي في المنطقة، معوضة جهود تنمية هذه المناطق التي كان يفترض أن تنفذها الدولة.
ويفيد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن التغيرات الإقليمية وارتباط الاستقرار الاجتماعي في الدول الحدودية بالقرارات السياسية لدول الجوار تكشف هشاشة هذا الاستقرار الذي قد يقوّضه قرار رفع الدعم عن البنزين الليبي.
وبينما يزيد تهريب الوقود من الهدر المالي للحكومة الليبية، فإنه يمثل أبرز الحلول التشغيلية في محافظات الجنوب التونسي (قابس ومدنين وتطاوين) حيث تصل معدلات الفقر إلى 17.8 في المائة، بينما تصل البطالة إلى 24.8 في المائة، وفق أحدث البيانات المتاحة على موقع معهد الإحصاء الحكومي.
ويرى المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن نمط التنمية في تونس جعل من المناطق الحدودية في ارتباط وثيق مع دول الجوار بسبب اعتماد جزء من سكانها على تجارة التهريب بمختلف أشكالها.
وأفاد بن عمر في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن تغيير السياسات الاقتصادية لدول الجوار وما ينجم عنها من قرارات يلقى بظلاله مباشرة على الواقع المعيشي لسكان الشريط الحدودي وهو ما يؤدي إما إلى موجات هجرة داخلية أو طفرات هجرة غير نظامية هربا من البطالة.