فوجئ القطاع المصرفي والمالي المصري، اليوم الأربعاء، برفع البنك المركزي قيمةَ الجنيه المصري 20 قرشاً أمام الدولار، وليس خفضها كما كان متوقعاً على نطاق واسع، وقد أثارت هذه الخطوة استغراب المدخرين ومجتمع المال والأعمال، وكل المتابعين لملف سوق الصرف المحلي والاستثمار الأجنبي، خصوصاً على مستوى التوقيت ومدى قدرة المركزي على توفير السيولة النقدية الضخمة المطلوب ضخها في السوق للدفاع عن قرار الرفع، وكذا عن عملة محلية فقدت 80 قرشاً خلال العام الجاري وحده وبما يعدل نحو 10% من قيمتها.
وجاءت صدمة بعضهم لقرار رفع قيمة الجنيه من البنك المركزي على خلفية اعتبارات اقتصادية ومالية قد لا تبرر اتخاذ هذه الخطوة منها:
- إن العديد من المؤسسات المالية والاستثمارية المحلية والعالمية، كانت تتوقع استمرار تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار باعتبار أن سعر الجنيه مقوماً بأعلى من قيمته الحقيقية، وبالتالي توقعت هذه المؤسسات استمرار خفض البنك المركزي قيمة العملة المحلية، وليس رفعها كما حدث اليوم، وكان آخر هذه المؤسسات فاروس وبرايم وبنوك دولية أخرى.
- إن قرار رفع قيمة الجنيه أمام الدولار وليس خفضه، يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من وضع اقتصادي ومالي حرج، فحادث سقوط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء وقرار بريطانيا وروسيا تعليق السفر إلى مصر، بعد تحطم الطائرة سيكبد البلاد خسائر، قدرها وزير السياحة، هشام زعزوع، اليوم بنحو 2.2 مليار جنيه (281 مليون دولار) شهرياً.
- إن احتياطي البلاد من النقد الأجنبي يتراجع بشكل مستمر، حيث بلغ 16.4 مليار دولار في نهاية أكتوبر الماضي، ويكاد يكفي تغطية واردات البلاد فترةً تزيد عن الشهرين قليلاً، وبالتالي لا يمكن السحب منه للدفاع عن العملة المصرية، كما أن أولوية الاحتياطي، في هذا التوقيت، هو سداد الالتزامات المستحقة على البلاد سواء في شكل واردات أو ديون خارجية.
- إن البنك المركزي مطالب هذه الفترة بسداد التزامات عاجلة مستحقة على البلاد، منها 5 مليارات طلبات معلقة للتجار لدى البنوك في صورة اعتمادات مستندية، ومليار دولار مستحق سدادها لقطر، خلال الشهر الجاري، ومليار دولار أخرى لسداد قيمة المشتقات النفطية المستوردة، و3 مليارات دولار لشركات النفط والغاز العالمية، وبالتالي كان من المتوقع ألّا يضخ البنك المركزي مزيداً من الدولارات في السوق للدفاع عن الجنيه.
- إن معظم موارد البلاد من النقد الأجنبي تتراجع وفى مقدمتها الصادرات والسياحة وقناة السويس والاستثمارات الخارجية وتحويلات المغتربين في الخارج، وبالتالي لا يوجد تغذية كبيرة متوقعة لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، تعادل الالتزامات المستحقة على مصر والبالغ قيمتها 5 مليارات دولار شهرياً.
- إن طارق عامر، المحافظ الجديد للبنك المركزي، وعد اتحاد الصناعات المصرية بضخ 4 مليارات دولار في السوق، خلال الأسبوعين المقبلين، لتلبية احتياجاتهم الدولارية، خصوصاً المتعلقة باستيراد المواد الخام والسلع الوسيطة للمصانع، وهو ما يشكل ضغطاً إضافياً على الاحتياطي النقدي.
إزاء كل هذه الاعتبارات، استغرب كثيرون قرار البنك المركزي، اليوم، رفع قيمة الجنيه 20 قرشاً أمام الدولار، وليس خفضه كما جرى في الشهور الماضية، كما شعر الجميع، بمن فيهم العاملون في القطاع المصرفي المصري، بالصدمة من قرار رفع قيمة الجنيه، خصوصاً مع عدم وجود مبررات اقتصادية تدعم هذه الخطوة كما قلت.
اقرأ أيضاً: احتياطي مصر الأجنبي بالسالب أول مرة منذ 23 عاماً
لكن هناك تفسيرات، يمكن أن تبرر خطوة البنك المركزي المفاجئة منها:
- إن الحكومة ربما تكون قد حصلت على وعود من دول خارجية بمنحها مساعدات نقدية جديدة وضخ دولارات في السوق، سواء في شكل قروض نقدية مساندة تضاف إلى الاحتياطي لدى البنك المركزي أو في شكل مساعدات نفطية تخفف الضغط عن الاحتياطي، وتتجه الأنظار هنا إلى الدول التقليدية الداعمة للنظام الحالي في مصر، وهي السعودية والكويت والإمارات، وربما تتوسع الدائرة لتشمل صندوق النقد الدولي الذى تتفاوض معه الحكومة حول قرض بقيمة 5 مليارات دولار، إضافة الى 3 مليارات دولار أخرى يجري التفاوض بشأنها مع البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية.
- إن البنك المركزي أراد، من خلال قرار رفع قيمة الجنيه المفاجئ، إعطاء صدمة قوية للمضاربين في الدولار وكسر الاعتقاد السائد لديهم، أن الدولار سيواصل ارتفاعه أمام الجنيه، وبالتالي دفع هؤلاء المضاربين نحو التخلص مما في حوزتهم من نقد أجنبي، وهو ما يخفف الضغط على الدولار والسوق السوداء للعملة.
- إن البنك المركزي يريد أن يبعث برسالة قوية للسوق، هي أن لديه أدوات نقدية متعددة، يمكن من خلالها ضبط سوق الصرف دون التضحية بالاحتياطي الأجنبي، ومن بين هذه الأدوات رفع سعر الفائدة على الجنيه لدى البنوك، كما جرى في الأيام الماضية لزيادة جاذبية العملة المحلية للاستثمار وتقليل المضاربة في الدولار عبر سحب السيولة المحلية من المدخرين.
- إن البنك المركزي أراد، من خلال خطوة رفع قيمة الجنيه، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة، المساهمة في تخفيض تكلفة السلع في الأسواق، وبالتالي المساعدة في خفض الأسعار، مع الإشارة هنا إلى أن السيسي وعد بخفض الأسعار قبل نهاية الشهر الجاري.
- إن المحافظ الجديد للبنك المركزي، طارق عامر، ربما أراد، من خلال رفع قيمة الجنيه، اليوم، أن يبعث رسالةً قوية إلى السوق، وهي أن هناك سياسات جديدة سيتم تطبيقها من البنك المركزي لإدارة السياسة النقدية وسوق الصرف، وأن سياسات المحافظ المستقيل هشام رامز بخفض الجنيه أمام الدولار 3 مرات، منذ بداية العام الجاري، كانت خطأً، خصوصاً وأن رامز قد يكون قد فضل في الفترة الأخيرة سياسة الحفاظ على الاحتياطي الأجنبي مقابل التضحية، ولو مؤقتاً باستقرار سوق الصرف، ولذا ألغى عامر قرار رامز الأخير بزيادة سعر الدولار 20 قرشاً في آخر مزادين.
وهذا الأمر، ربّما يفسر قرار هشام رامز، اليوم، الدخول في إجازة مفتوحة حتى انتهاء فترة رئاسته في منصبه المقررة يوم 26 نوفمبر الجاري، علماً أن بدء إجازة رامز الطارئة تتزامن مع إعلان المركزي، اليوم، عن رفع قيمة الجنيه 20 قرشاً أمام الدولار في عطاء استثنائي على عكس سياساته، منذ تولى منصبه في فبراير 2013، وهو ما يرجح وجودَ خلافات بين عامر ورامز حول إدارة السياسة النقدية في الوقت الحالي.
اقرأ أيضاً: المركزي المصري يفاجئ الجميع برفع سعر الجنيه