رعب الطاقة في أوروبا: النفقات تصعد تريليون دولار.. ماذا عن المخزون؟

20 ديسمبر 2022
+ الخط -

ارتفعت تكاليف الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي حوالي 1.06 تريليون دولار هذا العام بسبب تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا وفقاً لتقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية، والذي يتوافق مع تقديرات مؤسسة الفكر الاقتصادي الأوروبية "بروغيل" التي نشرها صندوق النقد الدولي.

وفيما بدأت أعمق أزمة منذ عقود تتفاعل يوماً بعد يوم، تؤكد التحليلات أن الكارثة لا تزال في بداياتها مع بدء تكون الجليد على الطرقات، وتصاعد حدة البرد في المنازل. وتشرح الوكالة الاميركية أنه بعد هذا الشتاء، سيتعين على المنطقة إعادة ملء احتياطيات الغاز مع القليل من الشحنات من روسيا أو عدم وجودها بالمرة، مما يزيد من حدة المنافسة على ناقلات الوقود.

حتى بوجود المزيد من التسهيلات لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، فمن المتوقع أن تظل السوق ضيقة حتى عام 2026، عندما تتوفر طاقة إنتاجية إضافية من الولايات المتحدة وقطر، وهذا يعني استمرار ارتفاع الأسعار. وفي حين أنّ الحكومات كانت قادرة على مساعدة الشركات والمستهلكين على امتصاص الكثير من الضربة بمساعدات تزيد عن 700 مليار دولار، وفقاً لمركز الأبحاث "بروغيل" ومقره بروكسل، فإن حالة الطوارئ قد تستمر لسنوات.

مع ارتفاع أسعار الفائدة ومن المحتمل أن تكون الاقتصادات في حالة ركود بالفعل، فإن الدعم الذي خفف من حدة الضربة التي لحقت بملايين الأسر والشركات يبدو بشكل متزايد أنه لا يمكن تحمله اقتصادياً.

وقال مارتن ديفينش، المدير في شركة الاستشارات S-RM لـ"بلومبيرغ" إنه: "بمجرد أن تضيف كل شيء، من عمليات الإنقاذ، والإعانات، يصبح المبلغ كبيراً، وسيكون من الأصعب بكثير على الحكومات إدارة هذه الأزمة العام المقبل". وما يزيد من حدة الازمة أن حوالي نصف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها ديون تتجاوز حد الكتلة البالغ 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

يُعد مبلغ تريليون دولار تقريباً، الذي حسبته بلومبيرغ، حصيلة بيانات واسعة للطاقة التي تتزايد تكلفتها على المستهلكين والشركات، تم تعويض بعضها ولكن ليس كلها بحزم المساعدات. أدى الاندفاع لملء التخزين الصيف الماضي، على الرغم من الأسعار شبه القياسية، إلى تخفيف ضغط الإمداد في الوقت الحالي، لكن الطقس المتجمد يمنح نظام الطاقة في أوروبا أول اختبار حقيقي له هذا الشتاء.

أزمة تتصاعد

في الأسبوع الماضي، حذر منظم الشبكة الكهربائية في ألمانيا من عدم توفير كمية كافية من الغاز وأنّ اثنين من خمسة مؤشرات، بما في ذلك مستويات الاستهلاك، أصبحا حرجين.

مع نقص العرض، طُلب من الشركات والمستهلكين تقليل استخدام الطاقة. تمكن الاتحاد الأوروبي من كبح الطلب على الغاز بمقدار 50 مليار متر مكعب هذا العام، لكن المنطقة لا تزال تواجه فجوة محتملة قدرها 27 مليار متر مكعب في عام 2023، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. يفترض ذلك انخفاض الإمدادات الروسية إلى الصفر وعودة واردات الغاز الطبيعي المسال الصينية إلى مستويات عام 2021.

وكان المصدر الرئيس لخطوط الأنابيب من روسيا إلى أوروبا الغربية، هو نورد ستريم، الذي تضرر في عمل تخريبي في سبتمبر/ أيلول. لا تزال المنطقة تتلقى كمية صغيرة من الإمدادات الروسية عبر أوكرانيا، لكن القصف العنيف للبنية التحتية للطاقة من قبل الكرملين يعرض الطريق للخطر.

بدون خط الغاز هذا، سيكون إعادة تعبئة التخزين أمراً صعباً. لتفادي النقص، حددت المفوضية الأوروبية الحد الأدنى من الأهداف للمخزونات. بحلول 1 فبراير، يجب أن تكون الخزانات ممتلئة بنسبة 45 في المائة على الأقل لتجنب نضوبها بحلول نهاية موسم التدفئة.

إذا كان الشتاء معتدلاً، فإن الهدف هو ترك مستويات التخزين عند 55 في المائة بحلول ذلك الوقت. بالنسبة لألمانيا مثلاً، التي تعتمد على الطاقة بأسعار معقولة لصنع منتجات من السيارات إلى المواد الكيميائية، فإن التكاليف المرتفعة تعني فقدان القدرة التنافسية أمام الولايات المتحدة والصين. وهذا يضغط على إدارة المستشار أولاف شولتز للحفاظ على دعم الاقتصاد.

يتمثل التحدي في إيجاد التوازن بين استمرار تشغيل المصانع وتدفئة المنازل على المدى القريب مع عدم خنق الحوافز للاستثمار في الطاقة المتجددة، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها الطريقة الأكثر استدامة للخروج من ضغوط الطاقة.

تأخير المشكلة

ويشير تقرير موقع "أويل برايس" المتخصص في الطاقة، إلى أن ارتفاع تكاليف الطاقة بمقدار 1.06 تريليون دولار يمثل 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للاتحاد الأوروبي، وهذه النسبة تعتبر هائلة بكلّ المقاييس. يقول خبراء "بروغيل": "إن الدعم الحكومي الهائل يمكن أن يؤخر التكيف مع توازن أسعار جديد ويخلق الحاجة إلى مزيد من الدعم".

بدلاً من ذلك، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى "صفقة كبرى" لتشجيع المدخرات وزيادة العرض في نفس الوقت. ستحدد الأشهر الـ 12 إلى 24 المقبلة، وفق تحليلات "أويل برايس" ما إذا كانت أوروبا ستكون قادرة على التعامل مع أزمة الطاقة دون الاضطرار إلى اللجوء إلى التقنين الإلزامي أو دون فقدان الكثير من القدرة التنافسية للصناعة.

تم بالفعل وضع أنظمة الطاقة في أوروبا في أول اختبار حقيقي هذا الشهر وسط صقيع القطب الشمالي الذي اجتاح معظم شمال غرب أوروبا، مما تسبب في انخفاض درجات الحرارة والثلوج في المملكة المتحدة وتراجع سرعة الرياح في ألمانيا. ويمكن اعتبار مستويات التخزين إحدى أكبر التحديات، خاصة إذا انتعش الطلب في الصين بعد إعادة الافتتاح بعد قيود كوفيد الصارمة.

مع انخفاض استهلاك الغاز وعدم تدفق الكثير من الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب، واصل الاتحاد الأوروبي خفض اعتماده على روسيا، من حوالي 40 في المائة من إمدادات الغاز المستوردة قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، إلى أقل من 9 في المائة، وفقاً لأرقام الاتحاد الأوروبي في سبتمبر/ أيلول. مع ذلك، فإنّ الانخفاض الكبير في إمدادات الغاز الروسي هذا العام حدث فقط في يونيو/ حزيران.

قال تاجر السلع الأساسية "ترافيغورا" في تقريره السنوي عن العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر: "بالنظر إلى المستقبل، نتوقع أن تظل أسواق الغاز والغاز الطبيعي المسال متقلبة. وبينما يتعين على أوروبا أن تتجنب انقطاع التيار الكهربائي هذا الشتاء من خلال الاعتماد على المخزونات وخفض الطلب، فإنها ستحتاج إلى استيراد كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال في عام 2023 نظراً للانخفاض الهائل في التدفقات من روسيا".

وحضّت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير الأسبوع الماضي الاتحاد الأوروبي على مواصلة جهوده لتقليص احتياجاته أكثر لتجنب نفاد الغاز في شتاء 2023-2024 في حال التوقف التام لشحنات الغاز الروسي. ولفت التقرير إلى أنّ الاستهلاك السنوي للاتحاد الأوروبي في العام 2021 بلغ 412 مليار متر مكعّب، وهو الأعلى منذ العام 2011، بحسب أرقام وكالة الإحصاء الأوروبية يوروستات. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن يبلغ استهلاك الاتحاد الأوروبي للغاز 360 مليار متر مكعّب عام 2022.

وقال المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة فاتح بيرول الاثنين "أحرز الاتحاد الأوروبي تقدمًا ملحوظًا في تخفيض اعتماده على الغاز الروسي، لكنه لم يخرج من دائرة الخطر بعد". وأشار إلى أنّ العديد من الظروف التي سمحت خلال ربيع وصيف 2022 للدول الأعضاء في التكتل بملء مواقع التخزين الخاصة بها قد لا تتكرر في العام 2023. في السنوات التي سبقت بدء الحرب في أوكرانيا، كان السعر المرجعي للغاز في السوق الأوروبية يدور حول 20 يورو لكلّ ميغاوات في الساعة.

أمّا في العام 2022، فارتفع هذا السعر إلى 300 يورو، قبل أن يتراجع إلى نحو 140 يورو. وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، خلال مؤتمر صحافي مع بيرول، إن على الاتحاد الأوروبي "تسريع نشر الطاقات المتجددة"، مضيفة "يجب التفكير على نطاق أوسع والتحرك بسرعة".

المساهمون