هناك رسالة قاسية يسعى النظام المصري إلى توصيلها بشكل مستمر لمعارضيه السياسيين وهي: "لن أكتفي بقتلكم واعتقالكم وسحلكم في الشوارع ومطاردتكم في الحقول، بل وسأصادر أموالكم وسألاحقكم في أرزاقكم، ولن أجعلكم تنعمون حتى بالشقق والوحدات السكنية التي تقيمون بها أو بالجنيهات المعدودة التي في جيوبكم"، ولذا يصادر النظام أموال هؤلاء المعارضين ويتحفظ على شركاتهم ومصانعهم وأصولهم العقارية.
لكن في مقابل هذه الرسالة القاسية والخطيرة فإن هناك رسالة أخرى أشد قسوة تصل المستثمرين المصريين قبل العرب والأجانب بشكل غير مقصود، وهي أن الدولة لا توفر الحماية للممتلكات الخاصة، حتى وإن وفرها الدستور والقوانين، وإنه إذا اختلف النظام معك سياسياً فسيصادر أموالك حتى بدون صدور حكم قضائي.
النظام لا يرغب بالطبع في توصيل الرسالة الأخيرة المزعجة للمستثمرين، بل ويسعى لتوصيل رسائل أخرى مغايرة ومختلفة تقول إن مناخ الاستثمار آمن، وأن القوانين الحالية تكفل الحماية للمستثمرين وأصحاب الأموال وتحظر التأميم والمصادرة.
وعبر مواصلته مسلسل التوسّع في مصادرة الأموال أو التحفظ عليها وغلق الشركات التجارية والمحلات والمصانع وشركات الصرافة والمستشفيات والمدارس والمعاهد، يسعى النظام المصري لإيصال رسائل شديدة اللهجة للقوى السياسية المعارضة له، بل وتوصيلها أيضاً لقوى أخرى منها رجال أعمال متهمين بالتدين وتشغيل محجبات في مصانعهم.
وأحدث فصل في هذا المسلسل هو التحفظ على أموال واحد من أبرز رجال الأعمال المصريين وأكبر مستثمر في صناعة الألبان بمنطقة الشرق الأوسط وهو صفوان ثابت، صاحب شركة جهينة.
حدث ذلك رغم أن الرجل نفى مرات عديدة علاقته بجماعة الإخوان المسلمين، وليس له نشاط سياسي، ولم يثبت عنه أنه موّل تظاهرة ضد النظام القائم أو حرّض على أعمال عنف، ولم يشفع للرجل ،المشهود بنزاهته في أوساط المستثمرين المصريين، أنه كان من أوائل الذين تبرعوا لصندوق تحيا مصر، ولم تشفع له تاريخه وعلاقاته القوية بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك.
رسائل النظام من مصادرات وتحفظ للأراضي والممتلكات لا تقتصر فقط على معارضيه من قيادات جماعة الإخوان أو تحالف دعم الشرعية، وإنما امتدت لقوى شبابية وثورية أخرى منها شباب حركة 6 أبريل وحركة الاشتراكيين الثوريين، حيث تم التحفظ على أموال منتمين لها مثل هيثم محمدين وغيره.
مناخ الاستثمار في مصر بات مثيراً للقلق، وحتى وإن كفل الدستور مبدأ حماية الثروات الخاصة، فإن الواقع يقول عكس ذلك.
وإذا أرادت الحكومة تنشيط مناخ الاستثمار وعودة ثقة المستثمرين المصريين قبل الأجانب، فعليها أولاً وقف مسلسل المصادرات وتصفية خصومها السياسيين اقتصاديا، واحترام الدستور والقوانين التي تصون الممتلكات الخاصة.
اقرأ أيضاً: مصر: التحفظ على أموال مالك شركة جهينة الشهيرة