في الفترة الأخيرة، تسارعت وتيرة الرسائل والإشارات التي ترسلها الحكومة المصرية لصندوق النقد الدولي، في محاولة منها لانتزاع موافقة سريعة من الصندوق على منح مصر قرضا دولاريا ضخما لا نعرف حتى الآن أي تفاصيل عنه، خاصة قيمته وسعر الفائدة المستحقة عليه، والشروط المصاحبة له، ونوعية الأعباء الجديدة التي يمكن أن يتحملها الاقتصاد والمواطن.
وما إذا كانت الشروط الجديدة الصادرة من المؤسسة المالية الدولية ستتوقف عند خفض قيمة الجنيه المصري، والاستمرار في سياسة إلغاء دعم الوقود والكهرباء والمياه وزيادة أسعار السلع الأساسية، وزيادة الضرائب والرسوم الحكومية.
أم ستمتد لأمور أخرى، منها مثلا زيادة سعر الخبز، وإلغاء مجانية التعليم والصحة، وبيع مزيد من أصول الدولة، وبيع عدة بنوك بما فيها أحد البنوك العامة مثل بنك القاهرة.
من بين الإشارات التي بعثت بها الحكومة الإعلان عن قرب بيع عدد من الشركات، من بينها 10 شركات قطاع عام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة
من بين تلك الإشارات الصادرة عن الحكومة، قرار البنك المركزي خفض قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار قبل أسابيع بنسبة تصل إلى 18% وزيادة سعر الفائدة، والإعلان عن أن سعر الصرف سيكون مرناً في الفترة المقبلة، أي خاضعا للعرض والطلب وليس للقرارات الإدارية والتعليمات التليفونية القادمة من أروقة الجهات المسؤولة، والسماح للأموال الساخنة بالخروج بسلاسة محملة معها 20 مليار دولار وأرباحا عالية، والحصول على مزيد من القروض الخليجية لإعادة بناء الاحتياطي الأجنبي.
من بين الإشارات أيضا التي بعثت بها حكومة مصطفى مدبولي، أمس الأحد، لصندوق النقد الدولي، الإعلان عن قرب بيع عدد من أصول الدولة عبر طرح عدد من الشركات التابعة للقطاع العام في البورصة المصرية، من بينها 10 شركات لقطاع الأعمال العام، وشركتان تابعتان للقوات المسلحة، ودمج 7 فنادق مملوكة للدولة تحت كيان وشركة واحدة وطرحها للبيع أمام المستثمرين.
ومن بين الإشارات كذلك، إعلان رئيس الحكومة عن زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو ما يعني ضمنا تراجع ظاهرة "عسكرة" الاقتصاد المصري، وهو مطلب دائم لصندوق النقد.
والإعلان عن خطة لرفع مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الدولة بنسبة 65% في السنوات الثلاث المقبلة مقابل 30% وربما أقل حاليا، والإعلان كذلك عن برنامج للشراكة مع القطاع الخاص المحلي أو الأجنبي في الأصول المملوكة للدولة، والإعلان أيضا قبل نهاية الشهر الجاري عن وثيقة سياسات ملكية الدولة.
من بين الإشارات كذلك، إعلان رئيس الحكومة عن زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وهو ما يعني تراجع ظاهرة "عسكرة" الاقتصاد
ومن الإشارات أيضا، توسّع الحكومة في الاقتراض الخارجي عبر آليات جديدة، منها مثلا طرح السندات الإسلامية، "فالحكومة ستطرح الإصدار الأول من الصكوك السيادية خلال الأشهر القليلة المقبلة، بهدف استقطاب شرائح جديدة من المستثمرين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا، ممن يفضلون المعاملات المالية المتوافقة مع مبادئ الشريعة الإسلامية" كما قال مدبولي في مؤتمره الأخير.
وهناك إشارات أخرى منها الحديث المتواصل عن الخسائر التي تعرضت لها مصر جراء الحرب في أوكرانيا خاصة على قطاعات مهمة مثل واردات القمح والحبوب والسياحة والاستثمارات المباشرة.
لكن أخطر هذه الإشارات من وجهة نظري تلك التي بعث بها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، وهي الإعلان عن خط لبيع أصول مملوكة للدولة بعشرة مليارات دولار سنويا ولمدة 4 سنوات، وبما يعادل 40 مليار دولار.
والإعلان أيضا أنه سيتم دمج أكبر 7 موانئ تحت مظلة شركة واحدة ليتم طرحها للبيع في الأسواق المالية، وهو ما يعني التوسع في سياسة بيع أصول الدولة للمستثمرين الاجانب.
السؤال هنا ليس فقط عن نوعية تلك الأصول التي سيتم بيعها للأجانب، والتي ستمتد لقطاعات حيوية مثل البنوك والاتصالات والتعليم ومشاريع تحلية المياه والطاقة الجديدة والمتجددة، ومشاريع البنية التحتية للنقل، مثل مشروعي القطار الكهربائي السريع والمونوريل اللذين يجري إنشاؤهما حاليا، بل عن اسم وجنسية المشتريين، خاصة لقطاعي الموانئ والبنوك وغيرها من الأنشطة الاقتصادية ذات الطبيعة الحساسة والأهداف الاستراتيجية والقومية.
لمن ستؤول الأصول، هل سيتم بيعها للإمارات بين ليلة وضحاها، كما حدث قبل أيام مع أقوى بنك خاص في مصر، وهو البنك التجاري
لمن ستؤول تلك الأصول، هل سيتم بيعها للإمارات بين ليلة وضحاها، كما حدث قبل أيام مع أقوى بنك خاص في مصر، وهو البنك التجاري، الذي تجاوزت إيراداته السنوية 26.7 مليار جنيه في العام الماضي 2021، وأرباحه الصافية 13.3 مليار جنيه بنمو 30%، حيث تم بيع حصة الدولة به في غمضة عين.
وكذا شركة "فوري" عملاق الشركات الإلكترونية وموبكو وغيرها، أم سيتم البحث عن مشترين جدد ربما غير متواجدين في السوق المصرية من قبل؟
وهل ستضحي الدولة بالقطاعات والأنشطة الاستراتيجية خاصة في هذا التوقيت الحرج الذي تتمسك فيه دول العالم بهذه الأنشطة في ظل موجة تضخمية عاتية، وتحتاج فيه الحكومات كل الأدوات والأصول المتاحة لمواجهة غول الأسعار وتراجع الإيرادات العامة؟